!إيران: لقد بدأت الثورة

Arabic translation of Iran: the Revolution has begun! (June 16, 2009)

تشهد إيران أحداثا درامية. تظاهر مئات الآلاف من الأشخاص في مسيرة صامتة في وسط طهران يوم الاثنين من أجل الاحتجاج على الانتخابات الرئاسية المتنازع حولها، في استعراض رائع للتحدي في ما يبدو أكبر مظاهرة ضد الحكومة تشهدها إيران منذ ثورة 1979. لقد اندفع أنصار السيد حسين موسوي إلى الشوارع في طهران، وغيرها من المدن، للاحتجاج على الانتخابات المشكوك في نتائجها، والتي أعادت الرئيس المتشدد أحمدي نجاد إلى السلطة.

انطلقت المسيرة بعد ساعات من طلب القائد الأعلى لإيران، أية الله علي خامنئي، إجراء تحقيق في ادعاءات المعارضة بكون الانتخابات تعرضت للتزوير لصالح الرئيس محمود أحمدي نجاد. لقد صَدَمت الحركة الجماهيرية القادة وفاقمت التناقضات الداخلية بين صفوف النظام. صرحت القناة التلفزية العمومية أن القائد الأعلى، أية الله علي خامنئي، الذي سبق له أن حيى نتائج الانتخابات، دعا مجلس صيانة الدستور إلى دراسة الشكاوى. إن هذا يعتبر مؤشرا واضحا على أزمة النظام.

إن دعوة أية الله - التي تتم إذاعتها كل 15 دقيقة على أمواج الإذاعة العمومية طيلة اليوم - كانت أول مؤشر على أن قمة هرم القيادة الإيرانية يمكن أن تعيد النظر في موقفها من الانتخابات. أعلن السيد خامنئي، يوم السبت الماضي، أن نتائج الانتخابات التي أعطت انتصارا ساحقا للسيد أحمدي نجاد، كانت انتخابات نزيهة، لكنه يوم الأحد التقى الوزير السابق والمعتدل الذي كان أبرز مرشح للمعارضة، السيد حسين موسوي، من أجل الاستماع لشكواه.

قال الناطق الرسمي باسم مجلس صيانة الدستور، الذي عبر سابقا عن موافقته على نتائج الانتخابات، إنهم سوف يلتقون بالسيد موسوي يوم الثلاثاء. من المتوقع أن يقرروا في شكاواه خلال الأسبوع المقبل. لكن بالنظر للحجم الذي تتخذه الموجة الثورية، فحتى لو قرروا إلغاء الانتخابات والدعوة إلى انتخابات جديدة، من المستبعد أن يكون ذلك كافيا لوقف الحركة.

النظام يحاول القمع

خلال هذا المساء صرح التلفزيون العمومي الإيراني أنه وقع إطلاق النار على المحتجين، وصرحت الأسوشيتد بريس أن إطلاق النار حدث بعدما حاول مجموعة من المتظاهرين الحاملين لعلب بنزين أن يشعلوا النار في مجمع لميليشيا تابعة للحرس الثوري الإيراني. وقد أعلن عن مقتل شخص واحد على الأقل.

من المستحيل التأكد من مصادر مستقلة من هذه التقارير التي جاءت بعد يوم قامت خلاله قوات الأمن بالسيطرة على الشوارع وسمحت للمتظاهرين بالمرور.

جاءت المسيرة الصامتة متناقضة مع الفوضى التي شهدتها الأيام القليلة الماضية، حيث أطلقت قوات مكافحة الشغب الغازات المسيلة للدموع واستخدمت الهراوات لتفريق مجموعات من الشباب الغاضبين والخائفين. وفي أصفهان، جنوب العاصمة، اندلع المزيد من أعمال العنف يوم الاثنين، وهاجم البوليس حشدا من عدة آلاف من المتظاهرين المعارضين بالهراوات والغازات المسيلة للدموع، وقام المنتفضون بإشعال النار في عدة أجزاء من المدينة.

تقول التقارير إن المظاهرات امتدت خارج العاصمة إلى سبعة مدن على الأقل. لقد شكلت هذه الاحتجاجات أهم تعبير عن الغضب شهدته الجمهورية الإسلامية منذ سنوات. إن اتساع الحركة الجماهيرية لم يسبق له مثيل. إنها انفجار مفاجئ لكل الغضب المتراكم والإحباطات التي تراكمت على مدى الثلاثين سنة الماضية.

تقول التقارير إن المسئولين الإيرانيين منعوا خصوم الرئيس أحمدي نجاد من بعث الرسائل الالكترونية ومن الدخول إلى مواقع الكترونية معينة، لكن مازالت السخرية تستعمل وسيلة للاحتجاج. يبدو أن المحتجين يستخدمون السخرية من أجل التعبير عن معارضتهم لنتائج الانتخابات التي أعلنت الأسبوع الماضي، والتي أعطت الفوز لأحمدي نجاد ضد منافسه حسين موسوي.

يحاول النظام استعمال العنف من أجل وقف الحركة الجماهيرية. وقد صرحت وكالة رويترز أن: «أعضاء في ميليشيا الباسيج الإسلامية المتشددة قتلوا شخصا واحدا على الأقل، يوم الاثنين، وأصابوا آخرين بجروح عندما تعرض مبناهم للهجوم من طرف متظاهرين يحتجون على الانتخابات التي يقولون إن الرئيس محمود احمدي نجاد سرقها».

في كل مكان يرى المرء قوات مكافحة الشغب يلوحون بهراواتهم، ويحملون دروعهم، والناس يجرون في الشوارع للفرار بجلودهم. قالت ليندسي هيلسوم، مراسلة القناة الرابعة الإخبارية البريطانية، بطهران، «تتحرك كتائب مكافحة الشغب المرتدية للسواد على متن دراجات نارية، عبر الطرق والأرصفة، وتضرب المارة، ليس من الضروري أن تكون متظاهرا لكي تتعرض للضرب.»

وتواصل قائلة: «صباح يوم الأحد انتهى بنا المطاف ونحن نركض مع حشد من الناس واختبأنا تحت أحد السلالم. قام شاب بدعوتنا إلى الصعود إلى مكتبه. ومثله مثل العديد من الإيرانيين الذين التقيتهم خلال الأيام القليلة الماضية كان غاضبا على النظام القديم، وقد صوت لصالح المرشح البديل، السيد حسين موسوي. لكنه لم يكن إلى جانب الشباب المتظاهرين في الشوارع، الذين كانوا يلقون الحجارة على قوات الشرطة، لأنه لا يأمل في أن يقود ذلك إلى إحداث التغيير.

قال: "ليست هناك أية قيادة، إن السيد موسوي لن يقودنا لأن هؤلاء الذين يسيطرون على البلد هم أقوى منه. كل شيء في يد القائد الأعلى"». لكن هذا لم يعد صحيحا. إن الوضع لم يعد تحت سيطرة القائد الأعلى أو سيطرة موسوي. إن السلطة تتسلل من بين أصابع القادة المرتعشة وتنتقل إلى الشوارع.

قادة الإصلاحيين، الذين كانوا لحدود اللحظة الأخيرة جزءا من الإدارة، يشعرون بالرعب من القوى التي فتحوا قمقمها. وقد اضطر موسوي إلى وضع نفسه على رأس الحركة في محاولة لتوجيهها نحو مسارات مأمونة. لكنه بالرغم من ذلك لا يتحكم في الأحداث. بل بالأحرى الأحداث هي التي تتحكم فيه.

يلاحظ في الشوارع وجود تغير في المزاج. هناك تقارير تؤكد تصاعد مشاعر الثقة والكفاحية بين صفوف المحتجين. بعض التقارير تقول إن المتظاهرين هاجموا مقرات الحرس الثوري الممقوت من طرف الشعب. إن هذا يشكل تطورا رائعا وغير مسبوق. يبين أنه بمجرد ما ينهض الشعب على رجليه ويقول: "لا"، لا تبقى هناك من قوة على وجه الأرض يمكنها أن توقفه.

إن الحركة تمتد الآن إلى الطبقة العاملة. هناك تقارير تقول إنه يتم التحضير لمسيرة جماهيرية أخرى، وإنه يتم التحضير لإضراب وطني يوم غد [الأربعاء]. لقد بدأ التحضير للإضراب منذ وقت مبكر من يوم أمس، لكن جاءت الأخبار الآن بالتحضير لتجمع كبير آخر يوم غد. «وحسب المصدر، سوف تنظم مسيرة لأنصار موسوي يوم غد على الساعة الخامسة مساء في ساحة "فالي أسر". كما أن أنصار موسوي سينظمون إضرابا وطنيا.»

إن الوضع آخذ في التغير، ليس كل يوم بل كل ساعة. لقد هزت الحركة التي قام بها أحمدي نجاد المجتمع الإيراني من أعماقه مثل صخرة ثقيلة ألقيت في ماء بركة ساكنة. لا أحد بإمكانه أن يحدد إلى أي مدى ستصل الأحداث. لكن هناك شيء واحد مؤكد: إن إيران لن تعود كما كانت من قبل أبدا. إن الجماهير بدأت تتحرك، والحركة لن يتم إيقافها بسهولة. ويحق لنا أن نقول بكل ثقة: إن الثورة الإيرانية بدأت!