الانتفاضة في تونس ومستقبل الثورة العربية

تشكل الحركة الثورية الرائعة للعمال والشباب التونسيين مصدر إلهام ومثالا يحتذى للعالم بأسره. عاشت تونس لأكثر من أسبوع ثورة ذات أبعاد عظيمة. وقد انتهت الانتفاضة الجماهيرية في تونس إلى الإطاحة بالدكتاتور الممقوت زين العابدين بن علي بعد قضائه ثلاثة وعشرين عاما في السلطة.

لقد أخذت الانتفاضة الجميع تقريبا على حين غرة، بما في ذلك الحكومة. يوم 6 يناير صرحت صحيفة الإكونوميست بثقة: "من غير المرجح أن تؤدي الاضطرابات في تونس إلى الإطاحة بالرئيس البالغ 74 عاما أو أن تؤدي حتى إلى هز نظامه الاستبدادي". لقد كان هذا البلد الشمال إفريقي يعتبر جنة للاستقرار والرخاء النسبي، على الرغم من نظام القبضة الحديدية. وبالنسبة للمستثمرين الأجانب، كانت تونس مكانا آمنا للاستثمار ومصدرا للعمالة الرخيصة. وكانت بالنسبة للسياح ملجئا للاسترخاء تحت أشعة الشمس والاستمتاع بالحياة.

لكن ما بدا وكأنه صاعقة في سماء صافية زرقاء، كان في الواقع انفجارا يتحضر طيلة عقود من الزمن. إنه يعكس في جزء منه تدهور الوضع الاقتصادي، الذي كان تأثيره أشد على الناس من الشرائح الاجتماعية الدنيا. لكنه يعكس أيضا شيئا آخر، شيء أقل وضوحا لكنه أكثر أهمية. لا يمكن تفسير الثورة بالفقر وحده، لأن الجماهير عانت دائما من الفقر. إنها سيرورة جدلية تتراكم خلالها آلاف مظاهر الظلم الصغيرة حتى تصل إلى نقطة حرجة يصير خلالها الانفجار حتميا. وعندما يصل المجتمع إلى هذه النقطة، يمكن لأي حادث أن يتسبب في الانفجار.

في هذه الحالة، كان انتحار بائع للفاكهة في مدينة سيدي بوزيد الشرارة التي تسببت في حريق عام. محمد البوعزيزي، الشاب الذي أشعل النار في نفسه، كان في الواقع، خريج جامعة، لكنه كان، مثل آخرين كثيرين، غير قادر على العثور على عمل مناسب. حاول أن يعيش من بيع الفاكهة والخضار، لكن تبين أن حتى هذا الخيار مستحيل عندما أوقفته الشرطة بحجة البيع بدون ترخيص. وبسبب اليأس قرر أن يضع حدا لحياته بطريقة مأساوية. ليتوفى بعد بضعة أسابيع قليلة. وقد أثار هذا الحادث موجة عارمة من المظاهرات والاحتجاجات.

وتسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى، والبطالة المتفشية وانعدام الحرية في نشر الحركة الاحتجاجية لتصبح على مستوى البلد بأسره. وبالإضافة إلى الفقراء الذين أشعلوا فتيل الانتفاضة، خرج الآلاف من الطلاب والعمال إلى الشوارع لإظهار كراهيتهم للنظام. كان العنصر الجديد في المعادلة هو خروج فئة كبيرة من الشباب المتعلمين الذين ليست لديهم فرص العمل. في زمن يمكن للملايين فيه مشاهدة التلفزيون والدخول إلى الإنترنت، وحيث الناس على بينة من نمط الحياة الفاخرة التي يعيشها الأغنياء، يصير انعدام فرص الهروب من الفقر المدقع والبطالة مسألة غير محتملة.

كان بن علي وأسرة الطرابلسي مرادفا للفساد وانعدام المساواة، والقمع السياسي. كان فسادهم متفشيا إلى درجة أثار نقمة سفير الولايات المتحدة كما يتبين من خلال تسريبات ويكيليكس. إن الحركة التي انطلقت كاحتجاج على ظروف معيشة لا تطاق، وعلى البطالة وارتفاع تكاليف الحياة، سرعان ما اكتسبت طابعا سياسيا. ويمكن تلخيصها في شعار واحد: يجب على بن علي أن يذهب!

وبمجرد ما اشتعلت النيران لم تعد هناك وسيلة لإطفائها. اجتاحت موجة من الاضطرابات البلد، بمظاهرات جماهيرية متواصلة ضد البطالة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والفساد. اجتمعت أعداد كبيرة من حملة الشواهد العاطلين عن العمل، والغاضبين على انعدام الحريات، وتجاوزات الطبقة الحاكمة، والساخطين على وحشية الشرطة، ليشكلوا معا شرارة موجة من الغضب الشعبي لا يمكن وقفها.

من القمع إلى التنازلات

أصبحت الاشتباكات أكثر فأكثر عنفا في نهاية الأسبوع، يومي 08-09 يناير، ومن ثم امتدت إلى العاصمة تونس. حاول النظام المرعوب من حدة الاحتجاجات في الشوارع، إنقاذ نفسه من خلال مزيج من القمع والتنازلات. وكما هو الحال دائما، كان الحل الأول هو اللجوء إلى استخدام الرصاص والغاز المسيل للدموع والهراوات. لقد صدمت وحشية القمع البوليسي حتى الصحفيين الغربيين اليمينيين. من المستحيل تحديد عدد من فقدوا حياتهم في هذه الاشتباكات الدامية، لكن وفقا لمنظمات حقوق الإنسان فقد قتل ستون شخصا على الأقل.

لكن بعد أسبوع أصبح واضحا أن هذه الأساليب لم تكن تجدي. بل على العكس من ذلك، لم تؤد إلا إلى صب المزيد من الزيت على النار. بمجرد ما يقف الشعب بأكمله ويقول "لا"، لا يعود في إمكان أية دولة أو جيش أو بوليس في العالم إخضاعه.

وبمجرد ما تبدأ الجماهير في التخلص من خوفها، لا يصير في إمكان النظام الديكتاتوري أن ينقذ نفسه بالقمع وحده.

في البداية، نفى الرئيس أن تكون الشرطة قد أفرطت في القمع، زاعما أنها كانت تحمي الممتلكات العامة ضد عدد صغير من "الإرهابيين". ولكن هذا لم يؤد إلى تهدئة المتظاهرين. وأغلقت جميع المدارس والجامعات في محاولة لإبقاء الشباب في منازلهم بعيدا عن الشوارع. لكن هذا الإجراء فشل أيضا. وشيئا فشيئا، وبينما نظامه ينهار أمام عينيه، بدأ الواقع يخترق حتى جمجمة الرئيس السميكة.

يوم 12 يناير، أقال وزير داخليته وأمر بالإفراج عن جميع المعتقلين خلال الاحتجاجات. كما أنه أنشأ لجنة خاصة للـ "التحقيق في الفساد". يشبه هذا قيام إبليس بالتحقيق مع الشيطان. كما وعد بمعالجة السبب الجذري للمشكلة عن طريق خلق 300.000 منصب شغل إضافية. لكن الاضطرابات تواصلت ووصلت إلى وسط العاصمة يوم 13 يناير، على الرغم من فرض حظر التجول ليلا.

عندها وعد بن علي بمعالجة مشكلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والسماح بحرية الصحافة والإنترنت، و"تعميق الديمقراطية وتنشيط التعددية". وقال أيضا إنه لن يعدل الدستور لتمكين نفسه من الترشح للمنصب مرة أخرى سنة 2014. وفي خطوة يائسة أخيرة لإنقاذ نفسه، ظهر على شاشة التلفزيون واعدا بأنه لن يسمح للشرطة مجددا بإطلاق النار على المتظاهرين وأعلن سلسلة من الإصلاحات والتنازلات. فمن السهل على المرء منح شيء لم يعد في مقدوره الحفاظ عليه.

لم يأمر الرئيس بوقف إطلاق النار إلا عندما صار من الواضح أن أي مزيد من المجازر من قبل الشرطة من شأنه أن يحدث تمردا في صفوف الجيش حتى على أعلى مستوى. يشير موقع الكتروني باللغة الفرنسية إلى وجود اضطرابات متزايدة بين صفوف القوات المسلحة وانقسام واضح بين الشرطة والجيش: "من بين التطورات الجديدة والمهمة التي حدثت في وقت مبكر من هذا الأسبوع كان ابتعاد جزء من الجيش عن النظام. يوم الاثنين، وقف عشرات الجنود للحراسة في مبنى محكمة القصرين، وذلك لمنع احتمال وقوع اضطرابات في الداخل وحماية المحامين، كما أفاد عدة شهود عيان.

كانت هناك تقارير كثيرة عن التآخي بين الجيش والشعب، وفي بعض الحالات عن قيام الجيش بحماية المظاهرات ضد قوات الشرطة. كان هذا هو السبب وراء سحب الجيش من شوارع العاصمة واستبداله بالشرطة. وعندما وصلت المظاهرة الجماهيرية إلى القصر الرئاسي تبادل الشعب والجنود القبل.

وصلت الاحتجاجات ذروتها يوم الجمعة حيث تجمع آلاف الأشخاص خارج مبنى وزارة الداخلية، أحد رموز النظام. فصعد العديد من المتظاهرين على سطحه. وردت الشرطة بإطلاق وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع، لكن دون جدوى. كانت الجماهير في الشوارع قد اكتسبت الشعور بقوتها، وفسرت بشكل صحيح خطاب الرئيس باعتباره علامة على الضعف. في كل مكان تم رفع شعار: يجب على بن علي أن يذهب! كان بن علي قد وعد بالتنحي -في عام 2014. لكن هذا الحساب بدا متفائلا بعض الشيء، فالشعب في الشوارع طالب باستقالته على الفور، وحقق ذلك.

وبطريقة مخزية قام الرئيس السابق بحل حكومته وبرلمان البلاد، ثم جمع حقائبه وتوجه إلى أقرب مطار. لقد غادر السيد بن علي وأسرته تونس، وهم يبحثون عن مكان يلجئون إليه. لكن تحقيق ذلك صعب. من سخرية الحياة أن يكون رجل ناجح ومزدهر ولديه الكثير من الأصدقاء، لكن عندما يفشل يجد جميع الأبواب مغلقة في وجهه.

رفض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأدب لكن بحزم طلب صديقه القديم النزول بطائرته في فرنسا. وتقول آخر التقارير إنه انتهى به المطاف في جدة، في المملكة العربية السعودية، حيث سوف يلاقي ترحيبا أكثر تعاطفا من جانب أعضاء عائلة آل سعود، الذين يجب أن يكونوا قد بدؤوا يقلقون من توقع مصير مشابه في مستقبل غير بعيد.

وقد عبد رحيل الرئيس المتسرع الطريق لمناورة في القمة، بتدخل غير مباشر لواشنطن القلقة. وكخطوة أولى، أعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي، في خطاب بثه التلفزيون بعد ظهر يوم الجمعة، انه سيتولى منصب الرئيس المؤقت، وأعلنت حالة الطوارئ.

وقد بدأ الجنود بالفعل في إزالة صور السيد بن علي من اللوحات ومن على جدران المباني العامة في كل أنحاء البلاد. يأمل القادة في أن إزالة علامات الحكم الاستبدادي، سترضي الجماهير وتدفعها إلى العودة إلى منازلها. هذا من شأنه السماح لنفس الأشخاص الذي حكموا من قبل بالتحكم في جميع مقاليد السلطة، في حين يسمح للشعب بأن يتوهم بأن شيئا ما قد تغير.

سيكون من قمة الغباء أن يتوقع المرء من هؤلاء الأشخاص إدخال إصلاحات سياسية جدية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. محمد الغنوشي هو عضو بارز في النظام القديم. إنه "رجل بن علي". لقد كان مهندس السياسات الاقتصادية نفسها التي ساهمت في المأزق الحالي. لقد كان في مركز النظام القديم منذ البداية. لا يمكن الثقة فيه ليعمل في خدمة مصالح الشعب. وبينما يلقى خطابات جميلة حول الديمقراطية والدستور، استند إلى حالة الطوارئ، واعتمد على الجيش وقوات البوليس.

هذا تكتيك المماطلة من قبل الجيش والنخبة الحاكمة لإخماد الاحتجاجات ثم استعادة قبضتهم على السلطة. إن الواقع الكامن وراء الواجهة "الديمقراطية" هو استمرار مرسوم حالة الطوارئ، الذي يحظر تجمع أكثر من ثلاثة أشخاص، ويفرض حظر التجول ليلا. وقد أعطي الإذن لقوات البوليس بإطلاق النار على أي شخص يتحدى هذه الأوامر.

نفاق الإمبرياليين

أدى كل هذا إلى دق أجراس الخطر في واشنطن وباريس ولندن. لقد صدم الامبرياليون بالأحداث التي لم يتوقعوها وهم عاجزون عن السيطرة عليها. لا تحترم الثورات الحدود، فبالأحرى الحدود الاصطناعية التي وضعتها الإمبريالية في الماضي والتي تقسم أوصال المنطقة المغاربية.

تمثل شمال أفريقيا والشرق الأوسط أهمية أساسية للمصالح الاقتصادية والإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وخصوصا فرنسا. قال محلل البي بي سي للشؤون العربية، مجدي عبد الهادي: "زوال السيد زين العابدين بن علي قد يهز كل أنظمة مرحلة ما بعد الاستعمار في شمال أفريقيا والعالم العربي". وهذا صحيح بشكل كامل، وفي الصميم.

والآن وبعد أن قامت الجماهير بإسقاط الدكتاتور القديم بفضل انتفاضة بطولية، بدأت الحكومات الغربية تسارع إلى الدعوة إلى الديمقراطية. قال الرئيس ساركوزي إنه يقف إلى جانب مواطني تونس، مستعمرة بلاده السابقة. لقد حول نيكولا ساركوزي الكلبية إلى فن. لو كانت هناك جائزة نوبل للنفاق، لفاز بها بلا أدنى شك.

في 28 أبريل 2008 أعلن خلال إحدى زياراته لتونس: "بلدكم منخرط في تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية العالمية. . . " وبعد بضعة أشهر، قال مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس خان، في تونس أواخر عام 2008 إن تونس، ونظام بن علي "أفضل نموذج للعديد من البلدان النامية."

لا يمكن لهؤلاء الناس ادعاء الجهل. لقد شهدت تونس طيلة عقود انتهاكات لا تعد ولا تحصى لحقوق الإنسان، لكن هذا لم يمنع الرئيس الفرنسي من أن يكون أول رئيس دولة (واحدة من الدول القليلة) يهنئ بن علي بعد "إعادة انتخابه" في انتخابات مزورة سنة 2009. والآن يمكن للرجل نفسه أن يقول دون خجل: "الحوار وحده فقط من يمكنه أن يحقق حلا ديمقراطيا ودائما للأزمة الراهنة".

القصد من هذه الكلمات الماكرة هو نصب فخ للغافلين. يطالبون الجماهير الثائرة بوقف النضال والدخول عوض ذلك في حوار ودي - مع من؟ حوار مع نفس الأشخاص الذين سرقوهم وقمعوهم على مدى عقود، نفس الجلادين الملطخة أيديهم بدماء الشعب. ومن هو الرجل الذي يقدم هذه النصيحة الودية؟ إنه نفس الرجل الذي ساند الجلاد حتى اللحظة التي أطيح به فيها من قبل الجماهير. طوال انتفاضة الشعب التونسي، بقي ساركوزي صامتا، لكن حكومته كانت تحاول إنقاذ النظام الدكتاتوري.

أطلق الجيش الذخيرة الحية على شعب أعزل، لكن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، فرانسوا باروان، قال إن إدانة الهجوم "سيشير إلى تدخل في الشئون الداخلية"، كما لو أن الوجود الدائم للجيش الفرنسي في العديد من البلدان الأفريقية التي ليس لديها أية علاقة مع الديمقراطية السياسية ليس تدخلا في الشئون الداخلية.

وزير الزراعة، برونو لومير، كان واضحا تماما في دفاعه عن الديكتاتور التونسي. قال إن بن علي "هو شخص اخطأ في الحكم في كثير من الأحيان" لكنه "قام بالكثير من الأشياء". نحن لن نعرف ما هي "الأشياء" التي يشير إليها سواء كانت جيدة أو سيئة. ما نعرفه هو أن وزيرة الخارجية الفرنسية، اليو ماري، ذهبت أبعد من زميلها، حيث قدمت لبن علي "خبرات قواتنا الأمنية". وهكذا عرض "الديمقراطيون" في باريس المساعدة على الدكتاتور لقمع شعبه، في بلد استعمرته فرنسا ثلاثة وسبعين عاما. العادات القديمة لا تموت بسهولة.

بعد ثلاثة أيام من إطلاق النار على الشعب الأعزل قال فرانسوا فيون إنه "قلق" إزاء "الاستخدام الغير المتناسب للعنف"، وبالتالي وضع الضحايا والجلادين على نفس المستوى. وباستعمال الخداع المعهود، دعا جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس واختيار طريق الحوار. لكن لا أحد شرح كيف يمكن "اختيار طريق الحوار" مع البوليس الذين يطلقون النار على أي شيء يتحرك.

والآن وقد انتهت اللعبة، صار جميع هؤلاء "الديمقراطيين" حريصين على تقديم المشورة للشعب التونسي. ليس فقط في باريس، فباراك أوباما تكرم بإدانة العنف ضد المواطنين التونسيين "الذين يعبرون سلميا عن رأيهم في تونس". لكن هذا الرجل نفسه، كما نعرف من تسريبات ويكيليكس، كان على علم كامل بجميع الحقائق المتعلقة بالنظام الفاسد والقمعي في تونس لكنه لم يفعل أي شيء على الإطلاق اتجاه ذلك.

نفس الأغنية نسمعها من جميع الأطراف. إنها تهويدة مهدئة، وهي على غرار جميع التهويدات موجهة لدفع الجماهير إلى العودة إلى النوم. يطلب منها الهدوء، و"تجنب العنف". كل ما هو مطلوب من الجماهير هو أن تعود بهدوء إلى منازلها و"التزام الهدوء"، وفوق كل شيء "تجنب العنف". أليس من الغريب أن تكون الجماهير هي التي يطلب منها دائما التزام الهدوء، والبقاء هادئة و"تجنب العنف"، بينما الأغنياء والمتنفذون هم الذين لديهم احتكار العنف، ويستخدمون احتكارهم هذا للدفاع عن سلطتهم وامتيازاتهم؟

هؤلاء الناس الذي كانت لديهم الشجاعة لتحدي رصاص وهراوات الشرطة، والذي رأوا الرفاق والأصدقاء والأقارب يتعرضون للضرب الهمجي، والغاز المسيل للدموع والاعتقال والتعذيب والقتل بدم بارد. وكانوا يمنعون حتى من الوصول إلى جثث أحبائهم المشوهة. يتلقون النصيحة بالحفاظ على الهدوء و"تجنب العنف"، وقبل كل شيء الابتعاد عن الشوارع، والتخلي عن التعبئة والعودة إلى المنازل، من أجل السماح لعصابة من اللصوص بتحديد مصيرهم. هذه نكتة بطعم سيء للغاية.

التمرد ينتشر

يشكل احتمال اندلاع السخط الشعبي في تونس والجزائر المجاورة كابوسا بالنسبة للزعماء المستبدين عبر شمال أفريقيا والعالم العربي عموما. الأنظمة الفاسدة والرجعية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ترتعد من رأسها إلى أخمص أقدامها. إنهم يخشون من أن المثال الذي صنعته الجماهير في تونس سيقتفى غدا من جانب العمال والفلاحين في بلدان أخرى حيث توجد نفس المشاكل. وهذا هو السبب الذي جعل الثورة تمتد بعد بضعة أيام إلى الجزائر البلد المجاور ضد ارتفاع أسعار السكر والحليب والدقيق، والتي أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل.

ذكرت قناة الجزيرة أن الشبان كانوا يهتفون "أعطونا السكر" واقتحم المتظاهرون المخازن لسرقة أكياس الطحين احتجاجا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي ارتفعت ما بين 20% و30% في الأسبوع الأول من يناير. وفي محاولة لتهدئة المحتجين، قامت الحكومة الجزائرية بتخفيضات عاجلة لرسوم الاستيراد والضرائب للمساعدة على تخفيض أسعار المواد الغذائية، وصرحت بأنها الآن قد "قلبت صفحة" الاضطرابات بسبب الغذاء على الصعيد الوطني.

لم تتراجع أعمال الشغب في العديد من المدن الجزائرية إلا بعد أن وعدت الحكومة بأنها ستعمل كل ما هو ضروري لحماية المواطنين من ارتفاع كلفة المعيشة. وقد أعلنت ليبيا والمغرب والأردن أيضا عن خطط لتخفيض أسعار السلع الأساسية. لكن الوضع في الجزائر ما يزال غير مستقر. دعونا نتذكر انه خلال سنة كاملة عام 2001 كانت الجزائر مسرحا لانتفاضة واسعة النطاق في منطقة القبايل الأمازيغية. وفي المغرب أيضا نظام الملك محمد السادس الرجعي غير مستقر ولديه الكثير من أوجه التشابه مع الوضع في تونس.

قبل لحظات من الإطاحة ببن علي، كتب الصحفي عبد الرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط: "إن أكثر ما يمنع الاحتجاج والعصيان المدني هو ببساطة الحاجز النفسي". إن الإطاحة ببن علي، فضلا عن الجهود المبذولة في الجزائر لتهدئة الغضب بسبب ارتفاع الأسعار ستؤدي إلى القضاء على الخوف الذي بقي طويلا يمنع السخط من الانفجار في جميع أنحاء المنطقة. يمكن للفضائيات الإخبارية ووسائل الإعلام أن تفشل مثل هذه التكتيكات الاستبدادية، ويمكنها أن تحول بسرعة إحباط الشباب في المناطق المعزولة والمحرومة إلى حركة واسعة النطاق.

تنتشر شعلة التمرد إلى بلدان عربية أخرى. وقد تمت متابعة الحركة الثورية في تونس عن كثب من طرف القنوات التلفزيونية الفضائية والانترنت عبر منطقة الشرق الأوسط حيث تصب معدلات البطالة المرتفعة، وكثافة السكان الشباب، ومعدلات التضخم العالية واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء المزيد من الزيت على النار.

توجد الجزائر في جوار تونس، لكن عمان تبعد عنها بـ 1500 ميلا (2500 كم)، لكن سبب غضب المحتجين هو نفسه، وكذلك كانت الدعوة إلى استقالة الحكومة. أمر الملك عبد الله الثاني، الذي شعر بالزلزال تحت قدميه، بخفض الأسعار والضرائب المفروضة على بعض المواد الغذائية والوقود. وقد خصصت الحكومة 141 مليون جنيه استرليني في ميزانية 2011 لدعم الخبز، الذي يعتمد عليه العديد من الفقراء في هذا البلد الذي يضم سبعة ملايين نسمة. كما أنها ستستخدم الأموال لخفض أسعار الوقود، فضلا عن خلق فرص عمل، لكنها إجراءات قليلة جدا ومتأخرة جدا.

ووفقا لتقرير قناة الجزيرة، كان المتظاهرون يحملون لافتة كتب عليها "الأردن ليس للأثرياء فقط. الخبز خط أحمر. حذار من جوعي ومن غضبي. أكثر من 5000 شخص نظموا احتجاجات في جميع أنحاء الأردن في "يوم الغضب" للاحتجاج ضد تصاعد أسعار المواد الغذائية والبطالة في نفس اليوم الذي فر فيه رئيس تونس بعد أسابيع من المظاهرات العنيفة.

كما نظم طلاب جامعة الأردنية وأنصار حزب البعث أيضا مسيرات في اربد والكرك والسلط ومعان تطالب رئيس الوزراء، سمير الرفاعي، بالتنحي. تدعي التقارير الرسمية أن الشرطة نجحت في احتواء المتظاهرين من خلال تشكيل دوائر حولهم، وأن الشرطة لم تعتقل أحدا. بعد أن رأت السلطات الأردنية ما حدث في تونس أدركت أن الاشتباكات الدامية قد تحول الاحتجاجات إلى انتفاضة.

ذكر الموقع الالكتروني الأردني Ammon news أن الجماهير رفعت خلال الاحتجاجات، التي أطلق عليها اسم "يوم الغضب" شعارات من قبيل: "أيتها الجماهير اتحدي، فالحكومة المتحدة امتصت دمائك"، ولوحوا بملصقات تحمل صور الخبز. وصرح توفيق البطوش، رئيس سابق لبلدية الكرك، لرويترز: "إننا نحتج على سياسات الحكومة، وارتفاع الأسعار والضرائب المتكررة التي جعلت الشعب الأردني يثور".

وقد تضمن تقرير لتوم فايفر، رويترز، السبت 15 يناير 2011، مقتطفات مثيرة جدا للاهتمام: قالت إيمان، صاحبة مطعم في مصر، فضلت عدم ذكر اسمها الكامل، "يمكن لهذا أن يحدث في أي مكان"، وقالت: "إن صور الأقمار الصناعية والإنترنت التي يمكننا أن نراها في الوقت الحاضر تعني أنه يمكن للناس الذين عادة ما يكونون خاملين أن يروا الآن الآخرين يحصلون على ما يريدون".

وقال كمال محسن، طالب لبناني يبلغ ثلاثة وعشرين سنة: "لسنا متعودين على أشياء من هذا القبيل في هذا الجزء من العالم". "إنها اكبر من مجرد حلم في منطقة حيث يظل الناس يرددون: ما الذي يمكننا فعله؟"

وأضاف: "يجب على الشباب في جميع أنحاء العالم العربي أن يخرجوا إلى الشوارع، ويفعلوا الشيء نفسه. لقد حان الوقت لكي نطالب بحقوقنا. يجب أن يكون القادة العرب خائفين جدا لأنهم لا يملكون شيئا يقدمونه لشعوبهم سوى الخوف وعندما تمكن التونسيون من تحقيق الفوز، سيتم تكسير الخوف، وما يحدث سيكون معديا. إنها ليست سوى مسألة وقت".

البلد الأكثر أهمية من بين جميع البلدان العربية هو مصر، بطبقته العمالية الجبارة. وقد أعربت الصحيفة اللبنانية ديلي ستار، في مقال نشر مؤخرا، عن المخاوف بشأن مستقبله:

«على كل من يتوقع ثورة على صعيد المنطقة النظر إلى مصر، التي تستورد ما يقرب من نصف الطعام الذي تستهلكه الساكنة البالغ عددها 79 مليون نسمة والتي تعاني من معدل تضخم يبلغ أكثر من 10%.

«مع جهاز أمن ضخم سريع في قمع احتجاجات الشوارع الكبيرة وإقصاء حزب المعارضة الرئيسي، الإخوان المسلمين، من الحياة السياسة الرسمية، يأتي أكبر تحد تواجهه الدولة من إضرابات المصانع في المنطقة الصناعية بدلتا النيل.

«لقد فشلت حملة مصر من أجل التغيير السياسي المستندة إلى شبكة الانترنت، والتي تعتبر صوت البلاد الأكثر أهمية، في أن تنزل من أوساط الطبقة المتوسطة إلى الفقراء في الشارع. قال لاله خليلي، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة لندن: "كان هناك انفصال بين النضالات الاقتصادية والنضالات السياسية في مصر،. فقد كانت الإضرابات مستمرة، لكن دون أن تصب في المجال العام".

«إلا انه يمكن لهذا أن يتغير إذا ما غذى الاستياء المتصاعد على نطاق أوسع من التضخم في أسعار المواد الغذائية، الشعور بالسخط ضد الركود السياسي والاقتصادي وانعدام الفرص والحرية».

قال صندوق النقد الدولي انه مع الارتفاع الحالي في معدلات البطالة، المرتفعة أصلا، تكون المنطقة بحاجة إلى خلق ما يقرب من 100 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2020. لكن ذلك سيكون مستحيلا في ظل وضع تستنزف فيه الميزانيات بسبب ارتفاع تكاليف المواد الغذائية المستوردة والوقود، ولا سيما في تلك البلدان التي تفتقر إلى احتياطات طاقية كبيرة.

وقال ستيفن كوك من مجلس الولايات المتحدة للعلاقات الخارجية في موقع الكتروني، هذا الأسبوع،: «من الخطير. . . الثقة في الحجة القائلة بأن "الدول العربية ستنجو". قد لا تكون هذه هي الأيام الأخيرة لـ. . . [الرئيس المصري حسني] مبارك أو غيره من القادة الشرق أوسطيين. لكن من الواضح أن هناك شيئا ما يجري في المنطقة».

الحاجة إلى منظور ثوري

يمني الخبراء السياسيون البورجوازيون أنفسهم بالفكرة القائلة بأن مثال تونس لن ينتشر ويطيح بالحكومات الاستبدادية من الرباط إلى الرياض، لأن حركات المعارضة ضعيفة ومحبطة. لكن هذه الحجة تغفل تماما عن جوهر المسألة.

لم تكن انتفاضة تونس من تنظيم المعارضة، التي هي أيضا ضعيفة ومحبطة. لقد كانت انتفاضة عفوية للجماهير، وكان من المستحيل وقفها بالتحديد لأنه لم تكن هناك أية منظمة إصلاحية "مسؤولة" لتقوده نحو مسارات آمنة. ليس ضعف أو عدم وجود المنظمات الجماهيرية الإصلاحية انعكاسا لقوة الأنظمة الاستبدادية، بل لضعفها. فبمجرد ما تبدأ الجماهير في التحرك، تصير مثل سيارة تنزل من منحدر بدون فرامل.

وكما سبق لنا أن أشرنا في العلاقة مع إيران، يشكل الطابع العفوي للحركة نقطة قوتها وضعفها في نفس الوقت. في تونس كانت الجماهير قوية بما يكفي لإطاحة النظام الفاسد والمتعفن. لكن السؤال هو: ماذا يحدث الآن؟

قال نزار الهمامي، أحد قادة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان يتحدث إلى Mediapart، ظهر يوم الاثنين في تونس: «مشكلتنا الكبرى هي عدم وجود منظور سياسي. لم يظهر أي حزب، والحزب الديمقراطي التقدمي (حزب المعارضة الشرعية) ضعيف جدا. واتخذ الاتحاد العام التونسي للشغل موقع المعارضة لإطلاق الشعارات، والقيام بالأنشطة التضامنية الخ، لكن فيما يتعلق بالمشروع [السياسي]. . . ومع ذلك، فإن استقرار النظام قد تزعزع حقا، وهذا شيء لم يسبق له مثيل. »

إيما ميرفي أستاذة في كلية الشؤون الحكومية والدولية في جامعة دورهام وخبيرة في الشؤون التونسية. طرحت عليها الإذاعة البريطانية السؤال التالي:

«هل يمكنهم [المعارضة القانونية] تقديم أي شيء للشعب التونسي؟»

فأجابت:

«ربما لا. لكن إذا تحققت الديمقراطية، على مجلس القيادة إعطاء مؤشرات في أقرب وقت ممكن بوجود إصلاحات جوهرية للنظام السياسي الحزبي، والعمليات الانتخابية، وحرية تكوين الجمعيات، والحقوق المدنية وحرية الصحافة في وقت سابق على الانتخابات.

«نهاية مبكرة لحالة الطوارئ وبعض المؤشرات الواضحة حول أن لجنة التحقيق في الفساد التي أعلنت قبل بضعة أيام ستحقق بصورة مباشرة في أنشطة بن علي وأسرة الطرابلسي سيقطع شوطا طويلا نحو إقناع التونسيين أن الوعود، هذه المرة، بالوفاء للحكم الدستوري، وأن المصالحة الوطنية حقيقية هذه المرة، وان الجيش، في دفاعه عن الاستقرار، لن يتحول مرة أخرى إلى الدفاع عن الحكم الاستبدادي ».

يمكننا أن نتوقع بكامل الثقة أنه في الأسابيع والأشهر المقبلة سينزل جيش من "أصدقاء الديمقراطية" على تونس: ممثلي النقابات "الحرة" بحقائب مليئة بالدولارات، ورجال بهندام أنيق من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعشرات المنظمات غير الحكومية، والأممية "الاشتراكية"، ومؤسسة فريدريك ايبرت، وغيرهم من الواجهات "المحترمة" لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وكلهم حرص على تقديم المشورة مع موارد مادية كبيرة (للراغبين في إتباعها). ويمكن تلخيص هدف هؤلاء الناس في كلمة واحدة: استعادة النظام.

يمكن استعادة النظام بوسائل مختلفة. يمكن إنجاز الثورة المضادة بغطاء ديمقراطي كما يمكن إنجازها بالديكتاتورية. والشيء الذي عجز بن علي عن تحقيقه من خلال الرصاص والهراوات، يأمل خلفاؤه وأسيادهم الإمبرياليون تحقيقه من خلال الابتسامات والكلمات الرقيقة، المدعومة بالدولار والأورو. لكن الهدف يبقى هو نفسه: التمكن من إبعاد الشعب عن الشوارع، إعادة العامل إلى آلته والفلاح إلى حقله، والطالب لدراسته. إن ما يرغبون فيه بشدة هو العودة السريعة إلى الحياة الطبيعية، أي: العودة السريعة إلى العبودية القديمة تحت اسم جديد.

يجب عدم وضع أي ذرة ثقة على الإطلاق في هؤلاء "الديمقراطيين" المنافقين. هذه الحكومة نفسها هي التي كانت تدعم النظام الدكتاتوري لزين العابدين بن علي. وقد حققت الشركات الكبرى الغربية أرباحا وفيرة هناك ولم يكن لديها أي سبب للشكوى من انخفاض الأجور، لأن ذلك هو أساس أرباحها في المقام الأول. لقد حافظ هؤلاء السيدات والسادة على الصمت المطلق طيلة عقود اتجاه النظام الفاسد والقمعي في تونس، لأن ذلك النظام نفسه كان يدافع عن أرباحهم. والآن بعد أن تمت الإطاحة بذلك النظام، استعادوا فجأة صوتهم للدعوة إلى "الهدوء".

تسير الأحداث بسرعة البرق. وبينما أنا أكتب هذه السطور قد تم بالفعل الاستعاضة عن الغنوشي برئيس البرلمان فؤاد المبزع الذي يحاول تشكيل حكومة وحدة وطنية للدعوة لإجراء انتخابات جديدة في غضون 60 يوما. يدل هذا على أن النظام ضعيف وممزق بالانقسامات.

يا عمال وشباب تونس، كونوا حذرين! إن ما حققتموه هو نتيجة لنضالاتكم الباسلة وتضحياتكم. لا تسمحوا لما حققتموه بالدم أن يؤخذ منكم عن طريق الغش! لا تثقوا في الخطب الجميلة والوعود الجوفاء. لا تثقوا إلا في قوتكم الخاصة، وفي تنظيمكم الذاتي، وفي تصميمكم.

إن فكرة وجود "حكومة وطنية"، مكونة من مختلف الأحزاب السياسية الشرعية، إضافة ربما إلى واحد أو اثنين من الأحزاب التي لا يعتبرها الجيش تهديدا لاستقرار البلاد وعلاقاتها مع حلفاء مهمين مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ليست سوى فخ آخر. إن "المعارضة الشرعية" هي مجموعة من الانتهازيين الضعاف والجبناء، الذين تواطئوا طيلة سنوات مع نظام بن علي.

ليس الشعب التونسي مجموعة من الحمقى أو الأطفال الصغار الذين يمكنهم أن يركنوا للنوم بفعل الكلمات المنافقة. يجب عليه ألا يتخلى عن التعبئة، بل على العكس من ذلك يجب تكثيف التعبئة، وإعطائها تعبيرا منظما ومعمما. يجب ألا تعطى لبقايا النظام القديم أية هدنة. يجب ألا يسمح لتلك العصابات بإعادة تنظيم نسخة "ديمقراطية" جديدة للنظام القديم. لقد انتهى وقت الحديث. لا مزيد من المؤامرات! فلتسقط الحكومة ! فليوضع حد فوري لحالة الطوارئ! من أجل الحرية الكاملة للحق في التجمع والتنظيم والتعبير ! من أجل تشكيل جمعية تأسيسية ثورية! من أجل الحل الفوري لجميع الأجهزة القمعية ومحاكمة شعبية للقتلة والجلادين!

من أجل تحقيق هذه المطالب، لا بد من تنظيم إضراب عام. الطبقة العاملة هي القوة الوحيدة التي لها القوة اللازمة لإسقاط النظام القديم وإعادة بناء المجتمع من أساسه إلى قمته. يجب على البروليتاريا أن تضع نفسها على رأس المجتمع. وهذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما. ولقد وجدت الدعوة إلى إضراب عام صدى لها بالفعل في مجموعة من فروع الاتحاد العام التونسي للشغل. ووفقا للتقارير، اندلعت مجموعة من الإضرابات العامة الإقليمية في مناطق عدة خلال الأسبوع الماضي (في القصرين وصفاقس وقابس والقيروان وجندوبة).

ومن أجل إعداد إضراب عام يجب تشكيل لجان معارك على جميع المستويات: المحلية والإقليمية والوطنية. الحياة نفسها تعلمنا أن الطريقة الوحيدة للحصول على الحرية والعدالة هي من خلال العمل المباشر للجماهير. لقد طرحت مسألة السلطة في تونس بشكل صريح وواضح. من الضروري تنظيم وتعبئة الشعب كله لتحقيق الإطاحة التامة بالنظام القديم.

كانت هناك تقارير عن حدوث عمليات نهب على نطاق واسع طوال الليلة الماضية. وقد كانت هذه العمليات منظمة بشكل واضح من قبل قوات البوليس وعناصر استفزازية موالية لبن علي. إنهم يريدون خلق حالة من الفوضى يأملون أن تسمح لهم بعرقلة الثورة وضمان عودتهم إلى السلطة. كما أن هناك أيضا تقارير عن تشكيل لجان أحياء أنشئت من أجل الدفاع عن النفس.

يجب على العمال أن يتآخوا مع الجنود الذين يقفون إلى جانبهم. يجب أن يكون هناك نداء إلى الجيش لتشكيل لجان الجنود لترتبط مع الشعب. على العمال والفلاحين الحصول على الأسلحة للدفاع عن النفس وتشكيل ميليشيات شعبية في كل مصنع، وكل حي وكل قرية للحفاظ على النظام والدفاع عن أنفسهم ضد اللصوص والمعادين للثورة. هذا أمر بالغ الأهمية لنجاح الثورة.

عودة القوى الماركسية العربية إلى الحياة

لا يساورني شك في انه سيكون هناك أناس "أذكياء"، يعتبرون أنفسهم، لسبب غير مفهوم، أنهم ماركسيين سوف يقولون إن ما يحدث في تونس "ليس ثورة"، رغم أنهم لا يستطيعون أن يحددوا ماهية تلك الأحداث. في كتابه الثورة الدائمة، شبه تروتسكي المناشفة بمعلم مدرسة قديمة استمر لسنوات عديدة يعطى دروسا عن فصل الربيع. ثم في صباح أحد الأيام فتح النافذة، وعندما رأى الشمس المشرقة والعصافير المزقزقة، أغلق النافذة وأعلن أن هذه الأشياء انتهاك فضيع للطبيعة.

ينطلق الماركسيون الحقيقيون من واقع الحياة، وليس من المخططات الميتة. تشبه الثورة في تونس في نواح كثيرة ثورة فبراير في روسيا عام 1917. لقد بدأت الثورة بشكل واضح، لكنها لم تنته بعد. لقد نجحت في إسقاط النظام القديم، لكنها لم تتمكن بعد من وضع أي شيء في مكانه. ولذلك، فمن الممكن أن تتعرض الثورة للهزيمة، وخاصة في ظل غياب قيادة ثورية حقيقية.

لو لم يكن الحزب البلشفي موجودا، لانتهت ثورة فبراير إلى الهزيمة. وعلاوة على ذلك، لو لم يكن هناك وجود للينين وتروتسكي، لكان الحزب البلشفي نفسه غير قادر على لعب الدور الذي لعبه. كانت القيادة ستبقى مع قادة السوفييتات الإصلاحيين، وكانت الثورة ستتحطم. لو أن هذا حدث، لما كان هناك من شك في أن نفس هؤلاء الماركسيين "الأذكياء" سيكتبون الكتب ليوضحوا أنه لم تكن هناك، بطبيعة الحال، أي ثورة في روسيا، وذلك بسبب ألف وباء وجيم ودال.

بينما كنت أحضر لصياغة هذا المقال وأقرأ مختلف التقارير المنشورة على الإنترنت، قمت بتصفح بعض المواقع الفوضوية. كنت مهتما أن أرى أن هناك أناس "أذكياء"، ليس فقط بين الماركسيين بل أيضا بين الفوضويين. اشتكى صاحب أحد المواقع المذكورة أعلاه، بمرارة من عدم وجود أي دعم للثورة في تونس لأنها لا تنسجم مع الأفكار المسبقة الفوضوية. انه على الأقل يمتلك غريزة ثورية سليمة، خلافا للأدعياء الذين يرفضون إعطاء شهادة ميلاد للثورة التونسية لأنها لا تنسجم مع أفكارهم المسبقة الغبية.

على مدى عقود كان يتم بعناية نشر فكرة أنه لا يوجد أساس للاشتراكية والماركسية بين الجماهير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وإذا ما كانت هناك أية المعارضة - تقول الحجة - فستكون تحت راية الأصولية الإسلامية. لكن هذه الحجة خاطئة بشكل كامل وقد دحضتها الأحداث في تونس. النساء الشابات اللائي خرجن إلى الشوارع لمواجهة الشرطة لم يكن يرتدين البرقع. إنهن متعلمات وذكيات يتكلمن الفرنسية والانكليزية بشكل جيد. إنهن لا يطالبن بتطبيق الشريعة الإسلامية بل يطالبن بالحقوق الديمقراطية ومناصب الشغل.

هؤلاء اليساريون المزعومون الذين يتلاقون مع الأصولية الإسلامية يظهرون ازدراء بمستوى وعي العمال والشباب العرب. إن تصوير الأصوليين باعتبارهم تيارات ثورية هو خيانة لقضية الاشتراكية. إن الثورة العربية المستقبلية لن تندلع تحت راية الأصولية الإسلامية الظلامية، بل تحت علم الاشتراكية الأحمر.

في الماضي كانت هناك تقاليد اشتراكية وشيوعية قوية في العالم العربي. لكن جرائم الستالينية كانت لها آثار رهيبة جدا في هذا الجزء من العالم. وقد تم تدمير الأحزاب الشيوعية الجماهيرية في العراق والسودان بسبب سياسة "المرحلتين" الخيانية، التي سلمت السلطة على طبق من ذهب إلى "البرجوازيين التقدميين" المزعومين مثل قاسم ونميري. لقد أدى ذلك إلى إبادة الطليعة الشيوعية وتوطيد الأنظمة الديكتاتورية مثل نظام صدام حسين، بكل ما كان يعنيه هذا بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط.

الطبيعة تكره الفراغ. وينطبق الشيء نفسه على السياسة. ومن خلال الفراغ الذي خلفه انهيار الستالينية صعد الأصوليون الإسلاميون، الذين يتظاهرون بأنهم "معادون للامبريالية"، بالرغم من حقيقة أنهم كانوا مدعومين وممولين من قبل الإمبريالية الأمريكية لمكافحة "الشيوعية" ومحاربة القوات السوفيتية في أفغانستان. ويكفي أن نذكر بأن أسامة بن لادن كان عميلا لوكالة الاستخبارات المركزية قبل أن يتخاصم مع أصدقائه القدامى في واشنطن.

خلال المظاهرة التي نظمت في بروكسل بعد ظهر هذا اليوم (15 يناير)، أخبرني أحد الرفاق عن محادثة أجراها مع امرأة تونسية مسنة. سألته: "هل رأيت رجال بلحى طويلة في المظاهرات لدينا في تونس؟ كلا! لأننا لسنا في حاجة لهؤلاء الناس لتحرير أنفسنا". لقد استخدم الأصوليون دائما كوسيلة لتحويل الجماهير عن الثورة الاشتراكية. وليس من قبيل الصدفة أنه قد سمح للزعيم الإسلامي راشد الغنوشي، بأن يعود من المنفى وتعطاه الدعاية من طرف وسائل الإعلام التونسية. العديد من الناس يقولون: "إننا لم نطرد بن علي لنقع في الإسلاميين!"

من المهم جدا أن نؤكد أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط دكتاتور عربي من قبل الجماهير نفسها بدون تدخل خارجي. يمثل هذا قطيعة حاسمة مع وجهة النظر الجبرية التي انتشرت مع الأسف على نطاق واسع في العالم العربي والتي تقول: "نعم لقد كانت هناك العديد من النضالات لكننا تعرضنا دائما للهزيمة". ومما له دلالته أن الشعار الرئيسي الذي تردد في مظاهرة بروكسل اليوم كان هو: "نعم نستطيع!"

وفيما يتعلق بتأثير الثورة في بلدان أخرى، قال ناشط في الحركة، كتب على صفحة موقع nawaat.org، الذي هو واحد من أصوات الانتفاضة: "لقد قدم الشعب التونسي درسا للعالم أجمع، ولهؤلاء المضطهدين في العالم العربي على وجه الخصوص: لا تتوقعوا أي شيء من أي كان وتوقعوا كل شيء من أنفسكم، وتغلبوا على الخوف الذي يشل إرادتكم وطاقتكم".

تقاليد الاشتراكية لا تزال على قيد الحياة وتزداد قوة. هناك جيل جديد من المناضلين العرب يكبرون في ظل ظروف الأزمة الرأسمالية. إنهم يتعلمون بسرعة في مسار الصراع. إن ما يبحثون عنه هو الأفكار الماركسية. وقد بدأ العمل الرائع لموقع Marxy. com يحقق نتائج هامة، ليس فقط في الدفاع عن الأفكار والمبادئ الماركسية، بل أيضا في تنظيم العمل الثوري والتضامن، كما تظهر ذلك حملتهم لدعم الثورة التونسية.

مساء أمس وخلال برنامج على التلفزيون التونسي نسمة (تلفزيون المغرب الكبير) طرح سؤال على بعض المثقفين والصحفيين حول كيفية استرجاع الثروة التي نهبتها عائلة بن علي من الشعب. قال أحد الصحفيين: يجب أن نأمم البنوك وجميع ممتلكات عائلة الطرابلسي. عندها ذكر أحد الصحفيين "الربيع التونسي"، فرد آخر بصورة عفوية "نعم أعرف ذلك المقال الماركسي (في إشارة إلى عنوان المقال الأول الذي نشره موقع marxy.com عن الانتفاضة التونسية) لكننا لم نصل إلى هذا الربيع بعد".

هذه إشارة صغيرة، لكنها تكشف الصدى الذي بدأت الأفكار الماركسية تلقاه بين صفوف اليسار في تونس. إن ما شهدناه للتو في تونس ليس أقل من بداية الثورة العربية، وهو الحدث العظيم الذي من شأنه أن يغير مسار التاريخ العالمي. ومن بلد إلى آخر سوف يمتد لهيب الثورة من المحيط الأطلسي إلى نهر الفرات. وسوف تتطور الحركة الثورية وتنضج، وسترفع نفسها إلى مستوى المهام التي يطلبها التاريخ. والقوى الماركسية التي تكافح جنبا إلى جنب مع الجماهير، ستنمو معهم. الثورة العربية ستنتصر كثورة اشتراكية أو أنها لن تنتصر على الإطلاق.

  • فليسقط نظام فؤاد المبزع!

  • كامل الحقوق الديمقراطية الآن فورا!

  • من اجل تشكيل جمعية تأسيسية ثورية!

  • من أجل مصادرة جميع ملكيات طغمة الطرابلسي!

  • النصر للعمال والشباب التونسيين!

  • عاشت الثورة الاشتراكية العربية!

Translation: Marxy.com