في الدفاع عن الثورة السورية: الموقف الماركسي من الثورة، وما يزعم عن موقع الأسد من معاداة الامبريالية

مر حتى الآن أكثر من سنة منذ وقوف الشعب السوري بوجه نظام الأسد. منذ آذار 2011، واجهت الدولة مظاهرات الشعب السوري، وإضراباته، وعصيانه المدني، بهمجية مفتوحة الدفعة تلوَ الأخرى. هذا الحراك جاء ردا على الدكتاتورية الخانقة، وبوجه التفاوت الطبقي، والبطالة والفقر في المجتمع السوري.

الإحصائيات تقدر العدد الإجمالي للضحايا المدنيين المقتولين على يد النظام بين 7500 و9000، بحسب مصادر متعددة، حيث هذا المعدل يتسارع كل يوم. بالإضافة إلى ذلك، يوجد تقارير عن إعدام الكثير من الجنود الذين لم ينصاعوا لأوامر قتل المدنيين. بالخلاصة، القتل والتعذيب والاعتقالات الجماعية، كلها تستخدم من قبل نظام الأسد لقمع الحراك الثوري في سوريا.

عنف الدولة وهمجيتها لم يؤدي إلا إلى إثارة الهمم الثورية. الثورة السورية، بعد أن كانت في بداياتها محدودة الامتداد في دمشق وحلب، تقدمت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. حلب، مركز الثقل الصناعي والتجاري في سوريا، حصل فيها موجات كبيرة من العصيان المدني كاستجابة للدعوة للإضراب العام في ديسمبر 2011. والأهم امتداد الحراك إلى داخل دمشق، عاصمة الدولة، والتي ينظر إليها كأنها في قبضة النظام. ثم برزت ظاهرة تحول مواكب تشييع الشهداء الكبيرة إلى مظاهرات حاشدة. وهذا كلاه يدل على قفزة نوعية في الوضع السياسي لصالح الثورة.

ألوف العسكريين والضباط الذين انشقوا عن النظام شكّلوا الجيش السوري الحر. هذا الجيش الثوري عمد إلى محاربة جهاز الدولة وحماية المتظاهرين. لمواجهة المجازر، الكثير من المدنيين قرروا الانضمام إلى هذا الجيش الثوري، حيث تزايد عدد أفراده حتى أصبح يناهز 10 - 20 ألف بحسب بعض الإحصاءات.

في بعض المناطق، ولفترات قصيرة، فقد النظام السيطرة، وكان هناك ميل للناس نحو الانتظام في تنسيقيات شعبية تعنى بالكثير من المهمات التي تسيّر أمور الناس، كتأمين الحماية، الوضع الصحي، توزيع الطعام وحماية اللاجئين الهاربين من القمع. لدينا مثال الزبداني، التي تبعد حوالي 50 كلم فقط من دمشق، حيث تم استبدال جهاز الدولة الأساسي بـ "المجلس المحلي الحر للزبداني"، حيث انتخب كل ألف من السكان ممثلا عنهم في المجلس.وفي المجلس أيضا ممثلين عن الأقليات الدينية والجنود المنشقين. بقيت المنطقة تحت إدارة هذه السلطة الشعبية لعدة أسابيع قبل أن يدمرها جيش النظام للأسف.

في هذا النص سنحدد ما نعتقد أنه الموقع الماركسي الصحيح في علاقته مع الثورة السورية، ومع الامبريالية، والمهمات التي تنتظرنا. إنه واجب الماركسيين أن يدعموا ثورة الشعب السوري في التغلب على همجية نظام الأسد، واستشراف الطريق القادم بشكل متماسك.

علينا أن ننظر إلى الواقع ونفهم أن الثورة السورية تواجه عدة عقبات، ليس أقلّها الدور الذي تلعبه من تدّعي "قيادة المعارضة". هذه القيادة السياسية لها برنامجها السياسي الذي لا يلتقي مع الحاجات الحقيقية للشعب السوري. ينتج عن ذلك محدودية حراك الطبقة العاملة بوجه النظام، على شكل إضرابات صناعية مثلا، التي قد تستطيع بسهولة شل النظام.

هذا هو المفتاح لفهم كيف أن الثورة لم تستطع أن تثمر سريعا كما طمح الكثير من الناشطين. وهذا يفسر أيضا كيف أن النظام استطاع أن يحجب على الأقل فئة من هذا الشعب عن الانخراط في الثورة، وبالتالي استطاع المحافظة على ركيزة يستطيع من خلالها قمع الحراك الثوري. ومن الضروري أن نوضح بشكل قاطع أن فشل "قيادة المعارضة" هذا هو السبب في ذلك.

من أجل أن تنتصر الثورة السورية في النهاية عليها أن تكسب تأييد الطبقة الحاسمة في المجتمع، وهي تحديدا جماهير الطبقة العاملة. وإلا، قد يطول أمد الثورة، وقد تجوبها مخاطر كبيرة، حيث يتم ملء الفراغ الناتج عن غياب هذه القوى، بقوى أخرى، هي قوى الثورة المضادة، التي تسعى لخطف الحراك واستغلال رغبة الناس في التغيير، لتقديم برنامجها الرجعي الخاص.

دفاع بعض "اليساريين" عن الثورة المضادة

لسوء الحظ أنه يوجد بعض التنظيمات، التي تدعى كونها "يسارية"، اتخذت موقعاً يحاكي بروباغاندا حكم الأسد، حيث تصوّر الحراك الثوري كهجمة امبريالية، أو فورة إسلامية. بعض القوى اليسارية وصفت الجيش الحر بأنه مجرد عصابات إرهابية ولصوص. عندما يفقد المرء الخلفية الماركسية في تحليله للأحداث في سوريا، لا يفاجئنا فهمه المشوَّه لها. يجب القول بدون أدنى شك أن هؤلاء قد اتخذوا جهة الثورة المضادة.

إن الموقف الذي اتخذته العديد من النشرات "اليسارية" كمجلة صوت الشعب، التابعة للحزب الشيوعي الكندي، هي مثال على هذا الموقف السخيف. نشِر بحثين في مجلة صوت الشعب العدد 19، الإصدار الثاني، حيث اتخذت المجلة فيهما موقفاً معارضاً للثورة السورية، تحذر المجلة من اغتصاب الحركة الشعبية عبر قوى ذات خلفية امبريالية تتظاهر بالثورية، ومن ثم توجه نقدا لاسعاً للجيش السوري الحر، الذي تصفه بـ "العصابات المسلحة". بحسب صوت الشعب، هذا الحراك يسعى لفصل سوريا عن موقعها الوطني المعادي للامبريالية. الخلاصة التي يصل إليها البحث أن صوت الشعب تطالب نظام الأسد بإجراء إصلاحات، زاعمة أن إعطاء الطبقة العاملة امتيازات جدية، بما فيها الانضواء مع العمال في جبهة وطنية قوية، سوف "يصلح" سير الأمور.

هذه التحليلات هي تشويه كامل للتحليل الماركسي الصحيح والموقف المفترض للماركسيين في سوريا، ولا يمكن أن ينتج إلا ضياعاً في بوصلة الشباب الثوري والعمال في كندا وخارجها. كل هذا ساهم أيضا في قيام بعض الشكوك من قبل الجماهير السورية والثوار تجاه اليسار بشكل عام. نتفهم هذه الشكوك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قتل الآلاف من قبل نظام يدعمه مثل هؤلاء "الشيوعيون".

طبيعة الثورة

يتم توجيه وتنظيم الحراك الجماهيري، في سوريا، منذ البداية عبر لجان التنسيق المحلية، "التنسيقيات". وقد أوجدت هذه التنسيقيات قبل تشكيل الجيش السوري الحر. ولهذه التنسيقيات ثقل سياسي مهم في الثورة، ولديها سيطرة كبيرة على الوضع على الأرض. وقد أمدّت الحراك بدعم كبير، وهي حتى الآن تمنع الانحراف نحو حرب أهلية طائفية.

الجيش السوري الحر تشكل من الجنود المنشقين عن الجيش النظامي ومن المدنيين الذين قرروا حمل السلاح ضد النظام. وقد أنشئ كرد فعل مباشر على القتل الجماعي للمتظاهرين العزل الذي مارسته الشرطة والجيش. أيضا، الكثير من الجنود الذين رفضوا الأوامر بمهاجمة المتظاهرين تم إعدامهم. بعيدا عن وصف صوت الشعب للجيش السوري الحر على أنه مجموعة عصابات، يدعم الحراك الشعبي الجيش السوري الحر ويمده الشعب بالكثير من المتطوعين. إن الجيش السوري الحر هو نتاج عفوي وتلقائي للثورة، ولو توفرت له القيادة الصحيحة، لتمكن فعلا من تقويض الجهاز القديم للدولة باتجاه بناء جهاز تحت السيطرة المباشرة للشعب.

بالطبع، الجيش السوري الحر هو جهاز غير متجانس، ولا يخلو من التناقضات لأنه انعكاس صادق للثورة. تماما كما في باقي الثورات العربية، يوجد تشوش في الرؤية السياسية ل لجماهير السورية. قيادة الجيش السوري الحر أصرّت على أن لا يكون للجيش رؤية سياسة سعياً للحفاظ على وحدة هذا الجيش.

لكن كيف لهذه القيادات أن تجبر الجنود والمتطوعين على عدم امتلاك أي رؤية سياسية؟ هذه القيادات تتخوف فعلا من خروج الوحدات المقاتلة على الأرض من تحت سيطرة القيادات بشكل كامل. الحقيقة أن الأسئلة السياسية الضاغطة يجب أن يتم نقاشها في قلب الحراك الجماهيري وهي حيوية وأساسية لتطوير برنامج سياسي واقتصادي للثورة.

بالفعل، إنه بالضبط افتقاد التوجه السياسي هو الذي ترك الجيش السوري الحر مفتوحاً على محاولات اختطافه من قبل قوى من "النخبة" البرجوازية السورية المتمثلة بالمجلس الوطني السوري.

بات الآن من الواضح أن قيادات الجيش السوري الحر سيطرتها على الوحدات المقاتلة باتت محدودةً جداً، خصوصا أن هذه الوحدات المقاتلة لم تتلقى أي دعم فعلي من هذه القيادات، وأن هذه الوحدات المقاتلة باتت تتلقى توافد أعداد كبيرة من المتطوعين المدنيين المنضويين بشكر مباشر في الحراك.

بسبب هذا الفراغ في القيادة، بدأت دول الخليج بدفق المال إلى بعض المجموعات المحددة لتتلاقى مع برنامجها الرجعي. على كل حال، مستوى هذه العملية لا يزال غير واضح.

المجلس الوطني السوري هو الهيئة الأكبر "للمعارضة"، ومن ضمن أعضائه الإخوان المسلمين والبرجوازية "الليبرالية". وهو مرتبط بالامبريالية بوضوح، والتي تستخدمه كأداة لدفع برنامجها داخل سوريا. ولكن أيضا يبدو واضحا أن المجلس الوطني السوري ليس لديه ركيزة مهمة على الأرض في سوريا، وليس له سوى تأثير محدود على الصراع الثوري في الشارع.

إن الطبيعة الرجعية للمجلس الوطني السوري توضحها نداءاته المتكررة للتدخل الأجنبي في سوريا، الأمر الذي يستطيع الأسد أن يستغله بسهولة، آخذاً بعين الاعتبار المزاج الشعبي المعادي للامبريالية عند أغلبية الشعب السوري. إن حقيقة أن المجلس الوطني السوري رفض دعم الجيش السوري الحر لعدة أشهر، هو دليل أيضا على حقيقة أن هدف هذا المجلس ليس الثورة الحقيقية، التي تعطي السلطة فعلا للشعب، بل هدفه تبديل الحكم بحسب مصالح الامبريالية، حيث تنقل السلطة لحكم مؤيد للدول الامبريالية الغربية.

بسبب ذلك، تتزايد الشكوك، والغضب الشعبي، تجاه المجلس الوطني السوري (وحتى بعض قيادات الجيش الحر، إلى حد ما) بسبب عدم قدرته الكاملة على تنسيق ودعم وتوجيه الثورة حتى بالمعايير الإنسانية المحضة. فهو بالرغم من تلقيه تبرعات بملايين الدولارات، فشل بتأمين الدعم الإنساني للاجئين في الدول المجاورة، ولعائلات الضحايا داخل سوريا، ولمقاتلي الجيش الحر على الأرض.

إن المزاج الشعبي العام يتجه بشكل متزايد نحو إدانة الفشل الذريع للمجلس الوطني السوري حتى في المهمات البسيطة بتأمين المعونات. في الفترة القريبة الماضية حصل لدى الجماهير وعي حقيقي أنها عليها "أن تعتمد على نفسها" وأنه كان "يتم خداعها والكذب عليها". وهذا يؤشر أنه على الأقل ضمن العديد من الفئات الشعبية يتزايد الوعي بطبيعة المجلس الوطني المزيفة.

في الحقيقة، هذه "المعارضة" هي التي عملت على إضعاف الثورة. إن حقيقة أن المجلس الوطني السوري أنشئ من أجل المطالبة بالتدخل العسكرية الامبريالي، تفضح الدور الحقيقي له والمصالح التي يدافع عنها فعلا.

لم يغير المجلس الوطني السوري موقفه من الجيش السوري الحر إلا بعد أن خضع لضغوطات شعبية شديدة. وقد غير موقفه لأسباب تكتيكية من أجل الحفاظ على ما تبقى له من شرعية عند الشعب السوري.

وهذا أدى بالمجلس الوطني إلى تغيير إستراتيجيته، من معارضة الجيش السوري الحر، إلى محاولة السيطرة عليه. الهدف من ذلك واضح وهو محاولة عزل الثوار الحقيقيين والدفع بالعناصر الرجعية نحو الثورة. في هذه العملية تمثل السعودية وقطر رأس حربة الثورة المضادة، عبر إدخال عملائها نحو قلب الثورة، لتقويضها من الداخل وحرفها نحو مسار الثورة المضادة، كما فعلت في العالم العربي من المغرب إلى البحرين. وهذا أدى إلى تناقضات بين الشعب الثائر وبين "القادة السياسيين في المنفى".

الجنرال الأميركي دمبسي، صرّح مؤخرا أنه يعتقد أن المعارضة المسلحة في سوريا مرتبطة بالقاعدة. بحسب دمبسي إذاً، على الولايات المتحدة أن لا تثق بالجيش الحر ولا تمد الثوار بالسلاح. إن تصريح الضابط الأكبر في الجيش الأميركي هذا هو مؤشر على الشكوك التي لدى الامبرياليين تجاه الجيش السوري الحر. فهم لا يعرفون مع من يتعاملون وبالتالي لا يثقون بهم. وهم يريدون بدلا عن ذلك قوة مسلحة يمكنهم الوثوق بها في تأسيس نظام جديد يحقق المصالح الامبريالية. وهم لا يرون الآن ذلك في الجيش السوري الحر.

بالرغم من هذا، يجب الإقرار أنه من المنطقي جداً أن تحاول القاعدة وغيرها من التنظيمات السلفية الاختراق والتغلغل في وحدات الجيش الحر، ويمكنهم استغلال افتقار الجيش لقيادة ثورية ذات رؤية سياسية واضحة، من أجل الدفع ببرنامجها الرجعي. وهذا ما يقوم النظام باستغلاله في محاولة لوسم المعارضة كلها بالسلفية.

إن استقلالية الجيش الحر عن السيطرة المباشرة للمجلس الوطني أمر مقلق جدا للنخبة البرجوازية السورية في المجلس الوطني، التي تحاول خطف الثورة، وللامبريالية على حد سواء. في الحقيقة، يوجد أقسام من الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، تعتبر الأسد موثوقا به أكثر. هؤلاء لديهم تخوف كبير من الثورة السورية، ولديهم قلق من مرحلة ما بعد الأسد التي قد تكون أقل تعاونا. إن الحزب الشيوعي الكندي، من خلال إدانته للجيش الحر، هو في الحقيقة يتخذ موقفا مشابها لموقف الامبرياليين، بالرغم من ترديده لشعارات فارغة عن معاداة الامبريالية.

كما أشرنا سابقاً، يحاول المجلس الوطني السوري السيطرة على قيادة الجيش السوري الحر. بالرغم من "الاعتدال السياسي" المفترض للجيش الحر، طالب العديد من قادته، متجاهلين نداءاتهم الذاتية لإبعاد الجيش الحر عن اتخاذ اتجاه سياسي ما، بإقامة مناطق حظر جوي. قد يعكس هذا نوع من اليأس من الضعف العسكري للجيش الحر في مواجهة جيش النظام، ولكنه حتما موقف خاطئ، وهو ما يريده الأسد بالضبط، والذي يحاول أن يسم الثورة بالارتباط بالامبريالية. وهذا أيضا يؤكد أنه بغياب البرنامج السياسي الواضح الذي يكسب القادة ثقة الشعب، تصبح الاعتبارات الرجعية في المقدمة. إن المطالبة بتدخل امبريالي عسكري هو خيانة كبيرة للثورة.

بالرغم من ضعف القيادة، إن نشوء وتطور تنظيم شعبي مسلح هو بحد ذاته خطوة نحو الأمام. وإن حقيقة أن النظام السوري، بجيشه الكبير، يشقى في محاولة هزيمة هذا الجيش الثوري هو بحد ذاته شهادة على صحة دعمنا له، وهذا يؤكد أنه ليس عصابة مسلحة كما يعتبره البعض. لو لم يحظى هذا الجيش بدعم شعبي ولو لم تلتف الجماهير حول هذا الجيش، لما كان له أن يصمد أسبوعاً بوجه جيش النظام الذي يفوقه بأضعاف مضاعفة.

بالرغم من كل هذا، تعاني الثورة من عدة عقبات جدية. تحديداً في حمص وإدلب، حصنَا الثورة، الحرب الأهلية، التي تم رفضها منذ البداية، يحاول نظام الأسد أن يشعلها، فالنظام يحاول الدفاع عن نفسه عبر افتعال صراعات اثنية وطائفية، ويهدف من ذلك أيضاً تخويف الأقليات الدينية والإثنية في محاولة لجرهم إلى مواقف معادية للثورة. إن المجزرة الأخيرة في كرم الزيتون في حمص حيث تم الإبلاغ عن قتل واغتصاب 50 امرأة وطفل من السنّة من قبل رجال ميلشيا "علوية"، كان هدف النظام منها تأجيج الحقد الطائفي للضحايا تجاه العلويين بشكل عام. إن هذه السياسة مقصودة بشكل واضح من قبل النظام لكسب دعم العلويين للنظام، الذين سيشعرون نتيجة هذه الممارسات، بالخوف من الثورة!

إن الأنظمة الرجعية الإقليمية كالسعودية، متورطة بشكل جدي أيضا في صناعة وتأزيم الصراعات الإثنية والطائفية.

تدافع الامبرياليين نحو سوريا

لفهم علاقة الامبريالية بالأسد، من الضروري دراسة تاريخ تطور الاقتصاد في سوريا. سوف نناقش هذا بالتفصيل لاحقا. لتبسيط الموضوع، يمكننا القول أن الاقتصاد السوري كان موجها ومؤمّما إلى حد كبير. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، اعتمد نظام الأسد النموذج الصيني في استعادة الرأسمالية، مما أدى إلى، المزيد من الاستثمارات الأجنبية،توسع شديد للملكية الخاصة، وتزايد الفروقات الاجتماعية في سوريا. وهذا كان عاملا أساسيا ومهما لقيام الثورة الحالية. إن شعارات "معاداة الامبريالية" و"التقدمية" التي ينسبها البعض للنظام، هي شعارات مخادعة وخاطئة بشكل كامل. وفي أقصى الأحول، في السنوات الأخيرة، كان لدى الأسد تضارب في المصالح مع بعض أطراف الامبرياليين، وتلاقٍ مع أطراف أخرى منها.

إن علاقة الأسد مع روسيا-بوتين الامبريالية، والتي سارعت إلى نجدة نظام الأسد، ودعمت عنف الثورة المضادة، هي مثال على ذلك. لروسيا مصالح اقتصادية كبرى في سوريا، سواء من حيث الاستثمارات أو من حيث تجارة الأسلحة. ولروسيا مصالح إستراتيجية مهمة في سوريا التي تسمح للجيش الروسي وقواه المسلحة باستخدام مجالاتها الجغرافية. إنها هذه المصالح الامبريالية السخيفة والضيقة هي التي دفعت بالطبقة الرأسمالية الروسية التي تسيطر على روسيا، بالقدوم لنجدة النظام السوري.

لا يوجد أي شك في أن مختلف الدول الامبريالية تحاول التدخل في الحراك السياسي في سوريا. وهذا ليس أمراً مفاجئاً، إذا أخذنا بعين الاعتبار الأهمية الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، والموقع الاستراتيجي الحيوي لسوريا. إن جميع القوى الرأسمالية تتسارع لتثبيت مصالحها في سوريا. الأنظمة في روسيا، والصين وإيران تقف بشكل مفتوح مع نظام الأسد، وتقدم العون العسكري لها.

في الجهة الأخرى، الولايات المتحدة، كندا، إسرائيل، دول الخليج العربي، وسائر قوى الناتو منقسمة حول كيفية التعامل مع سوريا. هذه القوى الامبريالية المتشابهة، كانت سعيدة في الماضي بالتعامل مع الأسد، وتعاملت بإيجابية شديدة مع خطواته في تحويل الاقتصاد نحو اللبرلة والانفتاح، وبتعاونه في تحقيق "استقرار" المنطقة. الآن بدأت هذه القوى الامبريالية استشعار قرب انهيار نظام الأسد. وهذا هو الأساس في الموقف المتناقض لهذه القوى الامبريالية من النظام السوري. تخاف من مرحلة ما بعد النظام السوري، ولكن أيضا تحاول أن يكون لها تأثيراً من ضمن الحراك الذي من المرجح أن يطيح بالأسد، وذلك لحماية مصالحها في سوريا.

هذا هو الخطر الجدي على الثورة السورية. الامبرياليات الغربية، وحلفائها، الدول الخليجية، تحاول خطف الثورة وحرف سكة الحراك الثوري. إن التدخل في سوريا، والذي يشمل العلاقات المشبوهة لهذه الدول بالمجلس الوطني السوري، ساهم في خلق الارتباك والضياع وفي إضعاف الثورة. وهذا أيضاً كان لصالح نظام الأسد من حيث أعطاه الحجج لتبرير استخدام العنف لقمع الحراك الثوري. إنه من واجب الماركسيين أن يفضحوا تأثير الامبرياليين على الثورة السورية.

بعد سقوط الأسد، سيكون محور اهتمام الطبقة النخبوية البرجوازية السورية والامبرياليين تحقيق مصالحهم الخاصة والمحافظة الفاعلة على النظام الاقتصادي السابق، ونهب ثروة الوطن. وهم قلقون أن الشعب الثائر والمسلح سيكون عقبة كبرى أمام هذا الهدف.

التخلي عن المنظور الثوري

إن الموقف الذي اتخذه الحزب الشيوعي الكندي، كالكثير من الأحزاب التي تسمى شيوعية في هذا العالم، أن نظام الأسد هو نظام معاد للامبريالية، وعليه أن يقوم بإصلاحات لمصلحة العمال. إنه موقف سخيف وبعيد عن الواقع. إن الأسد يقوم بثورة مضادة وحشية، والحزب الشيوعي الكندي يطالب الثورة المضادة أن تقوم بإصلاحات لمصلحة العمال. إنها بالضبط الإصلاحات المعادية لمصلحة الطبقة العاملة، وسياسات اللبرلة، وخسارة مكتسبات الطبقة العاملة في السابق، هي بالضبط ما يقوم به النظام. إن خلق الأوهام بأن الأسد سوف يقوم بهكذا خطوات إصلاحية هو في أحسن الأحوال محاولة لذر الرماد في العيون لتشويش صورة الواقع لدى الجماهير.

إن مطالبة الأسد بالقيام بإصلاحات، في هذه الظروف، يعني تماماً الوقوف بجانب الثورة المضادة. المئات من السوريين يقتلون كل يوم في خضم هذا النضال الثوري. أن يقوم الأسد بالإصلاحات التي يطلبها منه الحزب الشيوعي الكندي، يعني أنه عليه أولا أن يقضي على الحراك الجماهيري. مهما حاول الحزب الشيوعي الكندي تجميل هذا الموقف، فالأسد يقوم بأعمال الإجرام الجماعي المضاد للثورة، وهو يقوم بدعمه.

إن هذا خيانة للأممية وتخلٍ عن النظرية الماركسية. إن موقف الحزب الشيوعي الكندي الذي يدعو نظام الأسد لإجراء إصلاحات وبناء جبهة وطنية هو موقف سلبي جدا، مثل الموقع الذي اتخذه التنظيم الشقيق له، الحزب الشيوعي السوري، كشريك محامٍ عن نظام الأسد، في الجبهة التقدمية الوطنية. كان الحزب الشيوعي السوري، لعقود، يسند النظام بينما كان هذا النظام يمارس أشد أنواع القمع (بما فيه القمع تجاه الحزب الشيوعي السوري نفسه!)، مع تدمير جميع التنظيمات العمالية المستقلة، وتأسيس نظام الحزب الواحد وتبنيه برنامج الانفتاح الليبرالي، الخصخصة... في الوطن. بينما رفع بعض المرات مستوى لهجته النقدية (كما فعلت مجلة صوت الشعب) فالدور الذي لعبه لا يعدو عن كونه دورا مخادعا للجماهير. وهذا ما زاد من صعوبة العمل الثوري الحقيقي، من خلال إرسال رسالة للعالم أن "اليسار" يدعم نظام الأسد.

إن الموقف الإجرامي الذي اتخذه هؤلاء الذين يدّعون الشيوعية التي تعود إلى الإيديولوجية الستالينية، هو حقا موقف خطير جداً لأنه يشوه كلمة "شيوعي" في وسط الجماهير في وقت أن الماركسية الحقيقية هي الأكثر تعبيرا عن الجماهير في سوريا اليوم. إن من واجب الماركسيين الحقيقيين أن يفضحوا محاولات الامبرياليين خطف الثورة. فضلا عن ذلك، إن الثورة السورية بحاجة للفكر الماركسي كي تنجح في بناء الديمقراطية الحقيقية، وفي حل المشكلة الاقتصادية المتفاقمة والحاجات الاجتماعية للشعب. فقط من خلال نظام اشتراكي حقيقي، مبني على أساس سيطرة العمال الديمقراطية على الاقتصاد الوطني، يمكن أن تحَلُّ التناقضات داخل المجتمع السوري التي أدت إلى الثورة في المقام الأول.

الحزب الشيوعي الكندي ليس الطرف اليساري الوحيد الذي اتخذ موقفا معاديا للثورة، ولكن لأن الموقف الذي تبناه التنظيم الشقيق له في سوريا، الحزب الشيوعي السوري، لعب دوراً سلبيا جدا خلال الأحداث الثورية التي تمر فيها سوريا، كان من الجدير الإشارة إليه.

ولكن علينا التمييز دائما بين قيادة تنظيم، كالحزب الشيوعي السوري، وبين الشباب اليساري والشيوعي الذي يشارك بفعالية في الحراك وبشكل واسع. إن المشاركة في هذا الحراك هو وسام هم يكسبونه، وهؤلاء الشباب هم فعلا العاملين المثاليين في الحراك الثوري وهم الشباب الناشط الذي يمكنه أن يلعب دورا مهما جدا في نشر الأفكار الماركسية الحقيقية.

إن هدفنا هو توضيح أن الفكر الماركسي اللينيني هو الأكثر تعبيراً عن الحراك الجماهيري في سوريا، وتوضيح أي تشوش يمكن أن يحصل لدى بعض الثوار الحقيقيين تجاه هذا الموضوع المهم. وبالتالي، الجزء الثاني من هذا البحث سوف يتمحور حول دراسة العوامل التاريخية والاجتماعية التي ساهمت في قيام الثورة السورية، والبرنامج السياسي الذي على الثوار السوريين أن يتسلحوا به لضمانة هزيمة الأسد وسقوطه.

Translation: marxy.com