مجزرة حديثة: لقد اغتالت الدمقراطية الأسرة التي كانت هنا

Arabic translation of The Haditha massacre: “Democracy assassinated the family that was here” by Rob Lyon (June 2, 2006)

 « لقد اغتالت الديمقراطية الأسرة التي كانت هنا»، هذه هي الكلمات التي نقشت على جدار منزل أحد الأسر التي قتلتها - القوات الأمريكية بمدينة حديثة يوم 19 نونبر 2005 - كلمات لاذعة تصف بدقة مشاعر السخط التي يشعر بها الشعب العراقي اتجاه احتلال وطنه.

  لقد تبنى بدون شك العديد من العراقيين في البداية موقف المراقبة والانتظار، وإن على مضض، بينما القوات الأمريكية والبريطانية تهاجم بلدهم. لم يكن هناك أحد مستعد للدفاع عن نظام صدام حسين. سنوات قليلة بعد ذلك، لم يحصل الشعب العراقي على أي شيء مما وعدتهم به قوات الاحتلال. ويمكن لمجزرة حديثة أن تكون الحدث الذي سيغير مسار التيار ضد الاحتلال وربما سيدفع بالإمبرياليين خارج العراق.

  الديمقراطية عبر المجازر

  من المحتمل أن العديد من العراقيين قد صدقوا، وإن قليلا، الوعود التي قدمها الأمريكيون والبريطانيون، "بالحرية" و"الديمقراطية" التي ستحملها لهم جيوش "التحرير". لكن لم يمر وقت طويل قبل أن تتحول هذه الآمال والأحلام إلى رماد. لم يعد للعراقيين سوى أن يقفوا جانبا ويشاهدوا بلدهم يقصف ويدمر بينما جيوش الاحتلال تحرق البلد في محاولة لتأمين حقول النفط وباقي نقاط الإنتاج الهامة.

  لقد وعد المخَلِّصُون المزعومون باستعمال السلاح اللطيف والمهذب، في محاولة لكسب قلوب وعقول أبناء الشعب العراقي. كما يجب أن لا ننسى هؤلاء الذين تمكنوا من العودة إلى ديارهم.

  لكن بعد عرض صور تعذيب معتقلي أبو غريب، ممارسات البريطانيين في البصرة وجنوب البلاد، مجزرة الفلوجة (التي لا تزال نتائجها مجهولة) والآن المجزرة الرهيبة في حديثة، أواخر السنة الماضية، يجب أن يكون المرء ساذجا جدا لكي يصدق أكاذيب ونفاق الإمبرياليين.

  لقد انتظر العراقيون بصبر وصول "الديمقراطية". لكن ما هي هذه الديمقراطية المزعومة؟ إنها انتخابات نظمت في ظل الدبابات، الصراعات الطائفية والمشاورات السرية حول الدستور والتكتيكات الوقحة التي نهجتها الإمبريالية خلال اختيار الرئيس، الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية المتصاعدة وطبعا التكتيكات الهمجية التي استعملها الإمبرياليون لإخماد المقاومة بهدف حماية مصالحهم. هذه هي الديمقراطية كما تبدو للشعب العراقي. إن الكلمات المكتوبة على جدار ذلك المنزل في حديثة تقول كل شيء: لقد اغتالت "الديمقراطية" تلك الأسرة في حديثة.

  تحول المسار

  لقد اتضحت أهداف الإمبريالية في العراق بشكل واضح للجميع. فكل الأسباب والمبررات التي استعملت لشرعنة الحرب ظهرت مجرد أكاذيب. لم تكن هناك أي أسلحة دمار شامل ونظام صدام حسين لا علاقة له بالقاعدة وهجمات 11 شتنبر.

  ليس للأمريكيين والبريطانيين أية مصلحة في بناء "الديمقراطية" في العراق. لقد كانت الحجة هي أنه بجلب "الديمقراطية" إلى العراق، ستظهر تكتيكات الإمبرياليين كمثال مشرق في الشرق الأوسط، مما سيعبد الطريق أمام إقامة الأنظمة "الديمقراطية" في كل المنطقة.

  بسحق العراق واحتلاله أراد الإمبرياليون إقامة نقطة ارتكاز استراتيجية قوية لهم في المنطقة. وبتهديدهم بغزو أي بلد لا يخضع للإمبرياليين أراد الأمريكيون والبريطانيون إخافة المنطقة وإخضاعها ومن ثم ضمان مصالحهم الاقتصادية والسياسية في المنطقة. لن يكون هذا مجرد تهديد محتمل، فإذا ما شكك أي كان في جدية نوايا الإمبرياليين، فليس عليه سوى أن ينظر عبر الصحراء إلى أنقاض العراق المحترقة.

  إن جيوش الإمبرياليين لم تكن أبدا جيوش تحرير، بالرغم من كل ادعاءاتهم. لقد كانت دائما جيوش احتلال. أي نظام جديد سيقام في العراق سوف يقام بدعم من دبابات الأمريكيين والبريطانيين. إذ لكي يجتاز الدمار الذي خلفته الحرب، سيكون عليه الاعتماد كليا وبشكل مطلق على جيوش الاحتلال لطلب الدعم. وبدون هذا الدعم لن يكون في مقدور النظام الحالي أن يستمر ولو خمسة دقائق.

  لقد لجأ الإمبرياليون، من أجل إقامة نظام طيع لهم، إلى استخدام التكتيك القديم: "فرق تسد". إذ أن الإمبرياليين دفعوا بالشيعة والسنة والأكراد ليتصارعوا مع بعضهم البعض بغية إضعافهم جميعا، لتأمين هيمنة الإمبريالية. لكن لهذه الخطة جانب سلبي، إذ أن الإمبرياليين بإثارتهم لهذه الانقسامات فتحوا أبواب الجحيم: حركة التمرد الحالية والحرب الأهلية (أنظر: Iraq - Opening the Gates of Hell). بالتأكيد يمكن للإمبرياليين أن يهيمنوا في الوقت الحالي، لكن حالة الاضطراب التي خلقوها في العراق تهدد ليس بإغراق البلد وحده بل المنطقة كلها، وستضرب جميع المكاسب التي يمكن أن يكون الإمبرياليون قد حققوها.

  مجزرة حديثة

  حديثة هي مدينة زراعية صغيرة تتواجد على ضفاف نهر الفرات، في المنطقة التي تشهد أغلب المواجهات بين قوى التمرد وقوات الجيش الأمريكي والعراقي. يوم 19 نوفمبر 2005، كانت قافلة إمدادات تابعة للمارينز مارة عبر المدينة عندما انفجر لغم مزروع على جانب الطريق، في واحد من بين أهم الطرق بالمدينة، مما خلف مقتل ميغيل تيرازاس وجرح اثنين آخرين. كان اللغم مزروعا في مكان فارغ من الناس لتلافي قتل المدنيين (على حد تعبير سكان حديثة).

  بعد استيقاظهم من الصدمة، بدأ المارينز يفتشون المنازل المجاورة. وهناك تقارير غير مؤكدة عن طلبهم لدعم جوي وعن بداية القصف في المنطقة دون التأكد من أماكن سقوط الصواريخ.

  انقسم المارينز إلى فرق وبدأوا في اقتحام المنازل واحدا بعد الآخر. في هذه الأثناء كان هناك أربعة طلاب عائدون إلى منازلهم في عطلة نهاية الأسبوع مستقلين إحدى سيارات التاكسي. قتلوا جميعا ومعهم السائق داخل السيارة عندما كانوا يحاولون مغادرة المكان. ومن غير الأكيد هل حدث هذا قبل أو بعد عملية اقتحام المنازل.

  تم اقتحام ثلاث منازل وفي جميع الحالات كان المارينز يكسرون الباب ويدخلون المنزل وهم يطلقون النار، ألقيت قنابل يدوية في غرف المطبخ، بعدها قاموا بتجميع الأسر معا وأعدموهم. كان من بين القتلى شيوخ ونساء وأطفال بل حتى الرضع. حاول أحد الرجال الهروب من المذبحة لكنه أردي بطلق ناري.

  لقد تم قتل 18 شخصا في المجموع خلال عملية اقتحام البيوت، وإذا أضفنا إليهم الرجل الذي حاول الفرار والخمسة أفراد الذين كانوا في سيارة التاكسي، يصبح المجموع 24 قتيلا. هؤلاء الذين قُتلوا في منازلهم أطلق عليهم النار من مسافة قريبة على الجزء العلوي من أجسادهم، على طريقة الإعدام (يمكن الإطلاع على المزيد من التفاصيل حول المجزرة هنا: www.washingtonpost.com وهنا: www.time.com).

  تمكن بعض الأطفال من النجاة من المجزرة، من بينهم طفلة في الثامنة من عمرها، إيمان رحمان، وطفل في الخامسة، عبد الرحمان، من سكان المنزل الأول، وصفاء يونس 13 سنة من سكان المنزل الثاني. لقد شاهدت إيمان وعبد الرحمان المارينز وهم يطلقون النار على جديهما في الرأس مباشرة وبعدها قام والداهما بحمايتهما عندما جمع المارينز أفراد الأسرة لإعدامهم.

  بعد المجزرة جاء المزيد من قوات المارينز. سادت الفوضى المكان ووقع تبادل لإطلاق النار بين الجنود. حاصر المارينز الحي وبدأوا يدخلون ويخرجون من المنازل ولم يسمح لأي كان بالدخول إلى المنطقة حتى صباح اليوم الموالي.

  وفي الأخير، جمع المارينز الجثث وألقوا بها في حديقة أحد المستشفيات المحلية وتركوها دون أي تفسير. وتشير بعض التقارير إلى أن بعض الجثث كانت محترقة.

  بعد تلقي، الشكاوي، قامت قوات المارينز بدفع ما بين 1500 دولار و2500 دولار كتعويض عن الخمسة عشر رجلا وامرأة وطفل الذين قتلوا في المنزلين الأولين (هل هذا ثمن حياة البشر؟) وقد رفضوا دفع أي تعويض عن التسعة رجال الآخرين، بحجة أنهم متمردون.

  إخفاء الحقائق

  بعد المجزرة، أعلن المارينز أنهم هوجموا بواسطة عبوة كانت على جانب الطريق ثم هوجموا من طرف متمردين من المنازل المجاورة. وفي اليوم الموالي أعلن المارينز أنه سقط في الانفجار جندي أمريكي و15 مدني عراقي. وأعلن أن الجنود الأمريكيين وبعد أن تعرضوا للهجوم من طرف المتمردين، ردوا بإطلاق النار فأردوا ثمانية مقاتلين وجرحوا آخرين.

  أرسل محافظ مدينة حديثة، بعد المجزرة، بعثة غاضبة إلى معسكر المارينز. وصرح قائلا: « لقد اعترف القائد بأن رجاله قد ارتكبوا خطأ. قال أن رجاله اعتقدوا وجود إرهابيين قرب المنازل ولم يقدم أية مبررات أخرى».

  إلا أن الجيش تمسك بروايته للأحداث. ومباشرة بعد الهجوم وصلت فرقة عسكرية أخرى، إلى مسرح الأحداث، للتحقيق وتصوير المكان والجثث. كان هذا إجراءا روتينيا بعد الحادث. لا بد أن الفرقة لاحظت وجود التناقض بين الوقائع وبين التقارير التي يدلي بها المارينز، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء لحد اللحظة.

  في الواقع لم يتم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق وتمسك الجيش بروايته إلى حدود شهر يناير. يوما واحدا بعد الحادث، صور طالب صحفي مسرح الأحداث والمشرحة والمنازل التي شهدت المذبحة. توصلت العديد من منظمات حقوق الإنسان بالشريط وقدمته لمجلة التايم. يظهر الشريط أن العديد من النساء والأطفال كانوا يرتدون ملابس نومهم عندما تعرضوا للقتل وتظهر اللقطات المصورة داخل المنازل الجدران وعليها آثار الرصاص ومغطاة بالدماء. ومن الواضح في الشريط أنه لا توجد هناك آثار للرصاص خارج أي من تلك المنازل مما قد يدل على أن المارينز لم يتعرضوا لأي إطلاق نار وأنه لم تحدث هناك أية مواجهة مسلحة.

  قدمت التايم، شهر يناير، ضباطا عسكريين ببغداد مع الوقائع المصورة وروايات عما قام به المارينز، من خلال حوارات مع سكان حديثة. بعدها فتح الجيش الأمريكي تحقيقا في الحادث وقد تولى التحقيق جهازان منفصلان.

  أثبتت التحقيقات أن المدنيين لم يسقطوا جراء انفجار العبوة الناسفة بل بسبب رصاص المارينز. وأكد الجيش والحكومة أن أعضاء المارينز المتورطون في ارتكاب المجزرة سوف يخضعون للمحاكمة بتهمة القتل.

  السقوط وبداية النهاية

  سوف يعرض المسؤولون عن هذه المجزرة للمحاكمة. وإذا ما ثبت تورطهم فسوف يتعرضون للعقوبة على هذه الجريمة. لكن وكما حدث أثناء محاكمة المتورطين في أحداث أبو غريب، سوف يعمل الجيش الأمريكي على حصر التهم في صفوف قواعد الجيش وحماية الضباط من أي متابعة قانونية ومن أي عقوبة.

  إن أحد الجوانب الهامة لهذا الحادث هو القصف الجوي. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن المارينز قام بإحراق المنازل في حديثة، يوم المجزرة، إلا أن تقارير أخرى أشارت إلى قيام الطائرات بإلقاء الصواريخ عليها. يجب أن يوافق على عمليات القصف قادة عسكريون كبار. فإذا كانوا قد وافقوا على عملية القصف التي حدثت خلال ذلك اليوم، فإن هذا يعني أن هؤلاء القادة كانوا متابعين، عن قرب، لأحداث ذلك اليوم.

  لماذا تهتم المؤسسة العسكرية وإدارة بوش بحماية القادة العسكريين الكبار من المتابعات؟ لأنه إذا ما تمت متابعة هؤلاء الضباط بجرائم الحرب، فإن هذا سيفتح الباب للمتابعات القانونية ضد الضباط الكبار في إدارة بوش. وما دامت الإدارة تحاول إلصاق جميع جرائم الحرب والمجازر بالجنود الصغار، فإنها ستدعي أن تلك الممارسات مجرد أحداث معزولة، وليست لصيقة بالحرب نفسها. إذا ما حملت المسؤولية، في تلك الممارسات، للجهات العليا فإن هذا سوف يضع الحرب كلها ومؤسسة الجيش نفسها موضع تساؤل. سوف تلصق المسؤولية في هذه المجزرة الدموية بكل المؤسسة العسكرية وسوف يعطي ذلك المزيد من القوة للأصوات المطالبة بالانسحاب من العراق.

  إن المسؤولية في مجزرة حديثة - وجميع المجازر الأخرى التي يعرفها العراق وأفغانستان- تتحملها مباشرة قيادة إدارة بوش، بما فيها الرئيس، ففي حرب احتلال وحشية، يواجه خلالها الجنود مقاومة متصاعدة ومحيطا معاديا، يصير من الحتمي حدوث الجرائم والمجازر. فخلال الحرب الكورية مثلا، قتل الجنود الأمريكيون مئات اللاجئين في مجزرة NO GUN RI، سنة 1950 والتي تم التستر عليها هي أيضا ولم تعلن سوى سنة 1999. وفي فيتنام حدثت مجزرة MY LAI، سنة 1968، ذهب ضحيتها 500 مدني، وكانت السبب في تحويل مسار الرأي العام ضد الحرب.

  يجب أن يُتابع المسؤولون المباشرون عن تلك المجازر. لكن المسؤولية النهائية يتحملها، بشكل أساسي، هؤلاء الرجال والنساء الذين يبعثون بالجنود إلى هناك. كان هذا هو ما نصت عليه اتفاقية جنيف، بعد الحرب العالمية الثانية، والذي رمت به الحكومة الأمريكية عرض الحائط، كما رأينا في مثال غوانتنامو ومعاملة "المحاربين الأعداء" (عكس أسرى الحرب).

  حديثة، مثلها في ذلك مثل أبو غريب، تمثل الوجه الحقيقي للحرب. إن الوجه الحقيقي للديموقراطية المزعومة هو الانتهاكات والتعذيب والوحشية والمجازر. وهذا هو السبب الذي يجعل إدارة بوش والمؤسسة العسكرية يستميتون في إخفاء جرائم أبو غريب وحديثة. هذا هو السبب الذي جعل رامسفيلد غاضبا على هؤلاء الذين صوروا وحشية أبو غريب ونشروها على العموم، وليس على هؤلاء الذين ارتكبوها. إن كل حادثة من قبيل أبو غريب وحديثة وغيرها كثير، هي مسامير في نعش الاحتلال في العراق وفي نعش إدارة بوش. وليست مجزرة حديثة، بدون شك، سوى جزء صغير من جبل الثلج الهائل في العراق وأفغانستان.

  هناك العديد ممن يشبهون مجزرة حديثة والانعكاسات التي ستكون لها بتلك التي كانت لمجزرة MY LAI خلال حرب فيتنام، حيث قتل 500 شخص وتم التستر عليها أيضا. لكن عندما انفضح حجم الوحشية، كان لها تأثير عميق على جميع جوانب الحرب. لقد شوهت الحرب صورة الجيش الأمريكي وأشعلت مشاعر السخط وانحطاط المعنويات بين صفوف الجنود. لقد اعتقد الجنود أن قادتهم يخفون أخبار جرائم أخرى من هذا القبيل. وقد أعطى هذا المزيد من القوة للمقاتلين الفيتناميين ضد الأمريكيين وقوت الحركة المعادية للحرب. فبدأ هؤلاء الناس الذين كانوا غير مباليين أو غير مهتمين، يسجلون الملاحظات وبدؤوا يعارضون الحرب. بعد هجوم Tet ومجزرة MY LAI، سقطت شعبية الرئيس إلى 30 % (وهي التي كانت 80%) وسقط معدل الموافقين على تدبيره للحرب إلى 26%. وقد كان ذلك بداية النهاية للإمبريالية في فيتنام، ويجب أن لا ننسى أن الولايات المتحدة قد خسرت الحرب داخل حدودها.

   سوف يحدث نفس الشيء في العراق مع مجزرة حديثة. سوف يكون لها تأثير هائل على جميع النواحي. ويمكنها، إلى حد بعيد، أن تكون بداية النهاية للمغامرة المأساوية للإمبريالية الأمريكية في العراق. سيكون لها انعكاس هائل على الجبهة الداخلية. يمكن لمجزرة حديثة أن تحول موقف الرأي العام الأمريكي في مسار معاد للحرب. بعد هجمات 11 شتنبر كان بوش يتمتع بدعم يقارب 90%. إلا أن استطلاعا للرأي أجري مؤخرا أكد أن شعبيته سقطت إلى 29% فقط (الشيء الذي يعتبر واحدا من أدنى المستويات التي سجلت منذ بدأ القيام باستطلاعات الرأي). قال ثلثا المستجوبين أنهم يملكون ثقة ضئيلة أو لا يثقون إطلاقا في أن بوش قد يستطيع إنهاء الحرب ولم يقل سوى 23% من المستجوبين أن الولايات المتحدة تسير في الاتجاه الصحيح. كان هذا قبل انفضاح مجزرة حديثة، التي سوف تدفع بهذه الأرقام إلى المزيد من الانحدار لتصل مستويات تاريخية. سوف يستيقظ الناس الغير مبالين بالحرب وسيسجلون ملاحظاتهم. وسوف تتقوى الحركة المعارضة للحرب، إذ أن مجزرة حديثة فضحت كل الأكاذيب حول طبيعة الحرب. وستقوى الدعوات إلى إنهاء الحرب وإسقاط بوش.

  المجزرة ستدفع بالعراقيين نحو المزيد من معارضة الحرب والاحتلال. 80% من العراقيين يساندون المقاومة. وسوف ترفع مذبحة حديثة هذه الأرقام إلى الأعلى. ولقد بدأت السلطات العراقية في البصرة في رفض إجراء المحادثات مع البريطانيين وسوف تؤكد حديثة أسوء مخاوف العراقيين من الولايات المتحدة. ستعطي هذه المجزرة الدليل على أنه لا يمكن الثقة في الإمبريالية الأمريكية وستقوي الأصوات العراقية المطالبة بانسحابها. كم من الوقت يمكن للحكومة العراقية أن تتحمل ضغوط المطالبين برحيل الولايات المتحدة؟

  لن تعمل المجزرة سوى على المزيد من تسعير نار المقاومة. وتشير التقارير إلى أن المتمردين والقاعدة قد بدأوا يستعملون الشريط، الذي يصور المجزرة، لاستقطاب مقاتلين جدد. إن هذا سيعني المزيد من تقوية التمرد ضد قوات الاحتلال ولن تؤدي سوى إلى المزيد من الخسائر بين المدنيين والجنود. لقد قتل حتى الآن 2500 جندي أمريكي و113 جندي بريطاني. وسوف يكون للمزيد من الخسائر تأثير عميق لا سواء على الجيش أو على المواطنين في الداخل. وكما أشرنا في مقال سابق فإن معنويات الجيش في انحدار. 72% من الجنود بالعراق يؤمنون أنه يجب على الولايات المتحدة أن تنسحب من العراق خلال السنة المقبلة. ويؤمن حوالي 25% من الجنود أنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تنسحب فورا. ويعتبر 70% من الجنود أن معنوياتهم منحطة أو منحطة جدا. ويعتقد 75% منهم أن قادتهم يسيئون القيادة ولا يولون اهتماما لسلامة وظروف الجنود. مجزرة حديثة سوف ترفع من هذه الأرقام أكثر فأكثر. وكما حدث في فيتنام، فإن السخط سوف يرتفع وستنهار المعنويات بين الجنود. سترتفع الشكوك لدى الجنود في قادتهم. وسيتساءل العديد منهم عماذا يخفيه قادتهم أيضا. وسيعمل بعضهم على فضح ممارسات أخرى من هذا القبيل. إذا أضفنا كل هذا إلى تصاعد عمليات التمرد والمزيد من الخسائر، فإن الجيش الأمريكي سيتعرض للانهيار. قد تتحول حديثة إلى مفجر للعديد من الأحداث التي ستنتهي بهزيمة الجيش الأمريكي في العراق.

  مجهودات الولايات المتحدة الحربية أفلست، وجميع المبررات التي قدمت لإعلان الحرب انفضحت كمجرد أكاذيب وقحة. كما انفضحت أمام الجميع كل الادعاءات المنافقة حول حمل الديموقراطية إلى العراق، عبر "جيش التحرير". لقد قام الجيش الأمريكي، مباشرة بعد غزوه للعراق، بإسقاط تمثال ضخم لصدام حسين واعتبر ذلك رمزا للحرب، رمزا للحرية والديموقراطية، رمزا لعصر جديد من السلام للشعب العراقي. لكن سنوات قليلة بعد ذلك، لم يعد أحد يتذكر وصلة الدعاية الرخيصة تلك. لقد استبدلت وعود الحرية والسلام بصور الأسر المقتولة في حديثة. وكما صارت مجزرة MY LAI، رمزا لحرب فيتنام، فإنه وبعد سنوات ستبقى مجزرة حديثة هي كل ما سيتذكره الشعب عن حرب العراق. تلك المجزرة التي ستصبح رمزا لحرب العراق طيلة السنوات المقبلة.

عنوان النص بالإنجليزية :

The Haditha massacre: "Democracy assassinated the family that was here"