أزمة الرأسمالية ومهام المناضلين الماركسيين- الجزء الثال

Arabic translation of The Crisis of Capitalism and the tasks of the Marxists – Part Three (28 September 2009)

في الجزء الأخير من مقاله، يؤكد آلان وودز على الأهمية الكبيرة للثورة الإيرانية والأثر الذي سيكون لها على كل منطقة الشرق الأوسط وخارجها. وشرح كيف أن جميع الشروط الضرورية لنجاح الثورة كانت متوفرة، باستثناء شرط واحد، أي القيادة الثورية، التي يتوجب علينا بناءها.

أيها الرفاق، إن الوضع العالمي يسبح الآن في مياه مجهولة. يحاول الأمريكيون في الوقت الحالي أن يخرجوا من العراق. إن أوباما "رجل سلام"، لذا فهو يريد إخراج جيوشه من العراق وإرسالهم إلى أفغانستان. أتعلمون، لو أنني كنت جنديا أمريكيا في بغداد، لكنت فضلت أن أبقى حيث أنا! إن الأمريكيين لا يستطيعون كسب الحرب في أفغانستان، وقد تسببوا في ضرب استقرار باكستان.

لقد ناقشنا خلال اجتماع اللجنة التنفيذية الأممية الوضع في الهندوراس، ومن الواضح أن الطبقة السائدة الأمريكية منقسمة على نفسها. من الواضح أن وكالة المخابرات الأمريكية والمافيا الرجعية كانتا متورطتين في الانقلاب الذي شهدته الهندوراس. لكن هذا لم يعجب أوباما، فلديه سياسة خارجية مختلفة، سياسة خارجية أكثر "ذكاء" من سياسة سابقه. لقد كان جورج بوش ممثلا غبيا للرأسمالية الأمريكية. لا أعتقد أن يكون قد قرأ ولو كتابا واحدا في حياته، باستثناء الكتاب المقدس ربما، وحتى في هذه الحالة، لا أعتقد أنه قد تجاوز الفصل الأول من سفر التكوين. لو أنكم جلستم إلى جوار بوش ونظرتم في أذنه لرأيتم ضوء النهار من الجهة الأخرى! إنه يمثل القسم الأكثر غباء والأشد رجعية بين صفوف الطبقة السائدة الأمريكية، أي مافيا تكساس. وهم ما يزالون جد مؤثرين في السياسة الأمريكية.

كان بوش يريد وضع الصواريخ النووية في جمهورية التشيك وبولندا، وهو الشيء الذي لم يعجب الروس مطلقا، إذ أنهم اعتبروا، لسبب ما، أن هذه الصواريخ ستكون موجهة إليهم! وقد قال بوش: لا، لا،لا، إنها ليست موجهة ضد روسيا، لا تقلقوا إنها موجهة ضد إيران. إذن هو سيضع الصواريخ في بولندا من أجل استهداف إيران! هذا جنون، والروس لم يكونوا مسرورين، وقالوا، الآن كفى. وقد أوضحوا موقفهم بشكل تام عندما قاموا بغزو جورجيا. حيث قالوا للأمريكيين: “لقد بلغ السيل الزبى”

ذهب أوباما ليلتقي الرئيس الروسي ميدفيديف وقد حمل ابتسامته الشهيرة معه. لكنه، بطبيعة الحال، لم يكن يتحاور في الواقع مع ميدفيديف، بل مع بوتين. ليس ميدفيديف سوى دمية في يد بوتين. وبالتالي فإن أوباما استهلك ابتسامته دون أي جدوى. قال له بوتين: لا حاجة لنا بابتسامتك، سيدي الرئيس، فقط اسحب صواريخك من بولندا. وسيضطر الأمريكيون إلى القيام بذلك. إن هذا يبين حدود قوة الإمبريالية الأمريكية.

يبين الشرق الأوسط حماقة سياسة بوش. فكل ما نجح في تحقيقه هو ضرب استقرار كل المنطقة. جميع الأنظمة الموالية للغرب معلقة بخيط رفيع. لبنان معلق بخيط رفيع، نفس الشيء بالنسبة للأردن وكذلك المغرب. وقد ارتعبت تلك الأنظمة من المظاهرات التي اندلعت خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.

كتبت في يناير الماضي مقالا عن الحرب في غزة، وكان ذلك قبل انتخاب أوباما. وقد توقعت في ذلك المقال أن أوباما سيسارع إلى الوصول إلى اتفاق مع سوريا وإيران بمجرد ما سيصل إلى السلطة، لكي يتمكن من الخروج من العراق. وهذا بالضبط ما حدث. وكما سبق لي أن شرحت، من بين أسباب غزو إسرائيل لغزة كان هو توجيه الإسرائيليين لرسالة تحذير لأوباما مفادها: "لا تنس أننا هنا. لا تتوهم أنه بمقدورك عقد اتفاق من وراء ظهورنا"، لأن سوريا وإيران سيطلبون بعض الأشياء في مقابل التعاون مع الولايات المتحدة. قالوا له: "لا يمكنك أن تقوم بأي شيء في الشرق الأوسط بدون موافقتنا"، وهذا صحيح.

يود أوباما التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، لأن ذلك سيساعد أصدقائه في الشرق الأوسط، وسيكون ذلك مفيدا جدا بالنسبة له. لكن للإمبرياليين الإسرائيليين مصالحهم الخاصة وهم غير مستعدين للتوصل إلى أي اتفاق. إن نتانياهو يقول: "نعم، إننا نريد التوصل إلى اتفاق"، لكنه يضع شروطا لا يمكن للفلسطينيين أبدا أن يقبلوا بها. إنه يطلب منهم أن ينزعوا سلاحهم، أي إنه، في الواقع، يطلب منهم أن يقبلوا بالسيطرة الإسرائيلية عليهم.

أي نوع من الدول ستكون تلك الدولة الفلسطينية؟ وأي استقلال سيكون ذاك؟ إن هذا يذكرني بعبارة قالها مارلون براندو في فيلم The Godfather: "لقد اقترحت عليه عرضا، لا يمكنه أن يرفضه"، باستثناء أن المعنى هنا مختلف، حيث أن نتانياهو يقول: "لقد اقترحت عليه عرضا، لا يمكنه أن يقبله". إنهم جميعا مافيا. لكن هذه هي طبيعة الدبلوماسية البرجوازية. وسأكرر هنا ما سبق لنا أن قلناه عدة مرات: لا يمكن أن يكون هناك أي حل للقضية الفلسطينية على قاعدة الرأسمالية.

إيران

إن ما حصل في إيران فاجئ أغلب الناس. إذ بدا ذلك وكأنه برق ينزل من سماء صافية زرقاء. لكن التغيرات المفاجئة والحادة من هذا النوع مسألة كامنة في صلب الوضع القائم. في الواقع لقد تمكنت أمميتنا من توقع حدوث مثل هذه الأحداث، ليس الآن، بل قبل عشرة سنوات مضت، إبان أول تحرك قام به الطلاب.

وقد كتبت آنذاك مقالا عنوانه: "The First Shots of the Iranian Revolution" [الطلقات الأولى للثورة الإيرانية]. وها نحن الآن نشهد الفصل الثاني من الثورة. أيها الرفاق، ما أروعها من حركة هذه! لقد كانت حركة ملهمة. فبعد ثلاثين سنة من الحكم الديكتاتوري الوحشي العنيف، بعد ثلاثين سنة من حكم نظام همجي، مبني على المزاوجة بين أشد أنواع الرجعية والتعصب الديني، ويلجأ إلى أشد أنواع القمع والاغتيالات والاختطافات والتعذيب، ها نحن رأينا دخولا ثوريا للجماهير إلى مسرح التاريخ.

هذا هو الرد المفحم على جميع هؤلاء الجبناء والمتشائمين، والكلبيين، والماركسيين السابقين، والشيوعيين السابقين، وجميع هؤلاء الذين شككوا في إمكانية اندلاع الحركات الثورية في عصرنا الحالي. فبالرغم من كل القمع الرهيب، خرج مليون شخص إلى شوارع طهران، وربما مليونان. لقد كانت تلك حركة ثورية مذهلة. إلا أنه ما يزال هناك بعض اليساريين المزيفين، والماركسيين المزيفين، من قبيل جيمس بيتراس (James Petras)، الذين يرتكبون خطئا بسيطا جدا: حيث أنهم عاجزون عن رؤية الفرق بين الثورة والثورة المضادة.

لقد سبق للينين أن شرح الشروط الأربعة للثورة. وقد سبق لنا أن ذكرناها، لكننا سوف نعيد ذكرها مجددا. الشرط الأول هو حدوث انشقاق في القمة، انشقاق داخل صفوف الطبقة السائدة: أي أن الطبقة السائدة لم تعد قادرة على الحكم بالطرق التي استخدمتها في الماضي. لقد رزح الشعب الإيراني، طيلة ثلاثين سنة، تحت ثقل هذا الحكم الدكتاتوري، الذي قمع جميع الحريات بدون استثناء. لقد حاول الملالي [رجال الدين] التحكم في الطريقة التي يفكر بها الناس، والطريقة التي يعيشون بها، والتحكم فيما يفعلونه، وما يلبسونه. إن إيران بلد شاب جدا، وهو بلد شاسع جدا، و70% من سكانه شباب سنهم أقل من ثلاثين سنة، لم يعرفوا في حياتهم أي نظام آخر ما عدا هذا. وبعد ثلاثين سنة، ها هي الجماهير قد سئمت من حكم الملالي.

لقد مثل آية الله الخميني صورة "السيد الطاهر"، في مواجهة الشاه الفاسد وعصابته الموالية للغرب. وفي هذا السياق أشير إلى كم هي قذرة ومقززة ومنافقة تلك الأنظمة الغربية الديمقراطية المزيفة. فسنة 1953، عندما كانت هناك حكومة برجوازية ديمقراطية في إيران، وهي المرة الأولى التي يشهد فيها تاريخ إيران صعود مثل هذه الحكومة، بقيادة لبرالي يدعى مصدق، كان هؤلاء الإمبرياليون المجرمون يريدون السيطرة على ثروة البلد النفطية. فقام البريطانيون والأمريكان ووكالة المخابرات الأمريكية بإسقاط مصدق وأقاموا دكتاتورية الشاه الهمجية، التي كانت واحدة من أكثر الأنظمة الدكتاتورية دموية في القرن العشرين.

لقد كان نظام الشاه نظاما شديد الفساد. فقد كان الناس في هذا البلد الغني بالنفط يتضورون جوعا، بينما كان الشاه يتباهى علنا بأشد مظاهر البذخ. لقد كان الشاه يمتلك جهازا قمعيا هائلا، وأحد أكبر الجيوش في العالم، وكان بوليسه السري يعرف باسم سافاك، والذي كان يسيطر على كل تفاصيل الحياة، لقد كان جهازا جد فعال، مثله مثل الغيستابو. لقد كانت لديه عادات جد مسلية من قبيل شوي الناس حتى الموت بالكهرباء. كان هذا هو النظام الذي أقامه البريطانيون والأمريكان ودعموه حتى النهاية.

وقد سقط هذا النظام بثورة 1979، التي لعب فيها العمال الإيرانيون دورا حاسما. لقد واجهوا تلك الأجهزة القمعية في الشوارع. لقد سلحوا أنفسهم، لأن الجنود فروا بكثافة، وقدموا أسلحتهم للشعب. ليس معروفا لدى الجميع أن العمال الإيرانيين قد أقاموا مجالس سوفييتات، أطلقوا عليها اسم: شوراس. لقد كانت السلطة بين يدي الطبقة العاملة. لكن مع الأسف لم يرد الحزب الشيوعي الإيراني أن يحسم السلطة. وقد ساعد عصابة الخميني على أخذ السلطة. فقال لهم الخميني: شكرا جزيلا لكم، ثم قام بحضر الحزب الشيوعي ووضعهم في السجن.

إن الثمن الذي دفعه الشعب الإيراني كان هو صعود هذا النظام الدكتاتوري الأصولي الوحشي واستمراره طيلة ثلاثين سنة. لكن هذا النظام قد انتهى الآن. والشيء الوحيد الذي يبقيه قائما هو الخوف، لكن وكما ترون بدأ هذا الخوف يتبخر. هناك دائما جانب مضحك في السياسة. وأنتم ترون هذا هنا؛ من جد المضحك أن نرى ما حصل. فقد كان، المرشد العام، خامينئي، جد واثق من أنه سمح بتنظيم حملة انتخابية حرة نسبيا. لقد كان واثقا من ذلك لأنه كان سيزور الانتخابات. لقد فحص رجال الدين بدقة جميع المترشحين، وعملوا على إقصاء 400 مترشح، وبما أن كل الأربعة مترشحين الذين أبقي عليهم كانوا جميعا من رجال النظام، فإنه لم يكن هناك من مشكلة، أو هكذا بدا الأمر...

لكن بعد ذلك حدث شيء غريب. كان هيغل يقول، وطالما ردد لينين ذلك، إن الضرورة تعبر عن نفسها من خلال الصدفة. لقد كان موسوي صدفة، كان واحدا من رجالات النظام. كان رئيسا للوزراء خلال زمن الحرب على العراق. لكنه بعد ذلك شارك في بعض النقاشات التلفزيونية حول الاقتصاد، الذي يعتبر أهم قضية مطروحة في إيران مع انهيار أسعار النفط. وبالتالي فقد عكست هذه النقاشات الكثير من السخط والكثير من المصالح المتضاربة.

وبالمناسبة، صحيح أن أحمدي نجاد كان قد قام ببعض الإصلاحات. لقد كان بإمكانه ذلك لأنه كان يمتلك أموال النفط. فقدم بعض المساعدات للفلاحين الفقراء في البوادي على وجه الخصوص، الشيء الذي جعله يحصل على قاعدة دعم بين صفوف هذه الشرائح. لكن قاعدة الدعم هذه بدأت تتآكل بشكل متصاعد، وأوضاع الجماهير بدأ تصبح أسوء فأسوء وقد شهدت إيران اندلاع موجة من الإضرابات. عند ذلك، حدث شيء غريب خلال الحملة الانتخابية. في الماضي لم يكن الناس يهتمون بالانتخابات، وفي الغالب لم يكونوا يكلفون أنفسهم عناء التصويت. لكن خلال هذه الانتخابات شهدت الشوارع تنظيم مسيرات هائلة في طهران. وقد بين هذا الواقع حصول تغير في مزاج الجماهير.

بالرغم من أن موسوي لم يكن يمثل أي معارضة حقيقية، فإن الجماهير رأت فيه مرشحا معارضا ومن ثم فإنها رأت فيه فرصة لتوجيه ضربة إلى النظام. كان أغلب الملاحظين مقتنعين بأن موسوي سيفوز بالانتخابات. من المستحيل أن نقول ما هي الأرقام حقيقية، إذ لن نعرفها مطلقا، لكن النظام ارتكب خطأ. فقد ظهر أحمدي نجاد فورا على شاشة التلفزيون وأعلن أنه سيفوز بأغلبية ساحقة. فحتى في البلدان الرأسمالية المتقدمة تكون هناك حاجة إلى بعض الوقت قبل الإعلان عن النتائج النهائية. أما إيران فبلد شاسع جدا ولديه بنية تحتية جد متخلفة في المناطق القروية. وبالتالي كيف تمكن أحمدي نجاد من القيام بهذا التصريح بهذه السرعة؟

لو أنه قال: "لقد فزت بأغلبية ضئيلة"، لكان بعض الناس قد صدقوه ربما. لكنه عوض ذلك أعلن فوزا ساحقا، والناس لم يصدقوا ذلك. فحدثت ردة فعل فورية. حيث خرج الشعب إلى الشوارع: الطلاب (الذين كانوا أول من خرج في البداية)، وأيضا أشخاص من الطبقة الوسطى، والمعلمون، أي هؤلاء الناس الذين كانوا يدعمون النظام في السابق. وقد لعبت النساء دورا هائلا، على اعتبار أن النساء هن إحدى أكبر ضحايا هذا النظام.

دعونا نذكر أنفسنا بالشروط التي وضعها لينين، أي الشروط الأربعة للثورة:

  1. أن يكون النظام منقسما على نفسه؛ أن يكون النظام في أزمة.

  2. أن تكون الطبقة الوسطى تتذبذب بين قوى الثورة وبين الطبقة السائدة.

  3. أن تكون الطبقة العاملة مستعدة للنضال وتقديم التضحيات الجسام.

  4. وجود الحزب والقيادة الثورية.

إن النظام في إيران يعيش انشقاقا من قمته إلى قاعدته. وهذا يحدث دائما في بداية أية ثورة عبر التاريخ. لقد حدث هذا في فرنسا سنة 1789 وفي روسيا خلال فبراير 1917. عندما يدخل النظام في مأزق بدون مخرج، يظهر خلاف بين جناحين في القمة. جناح يقول: يجب علينا أن نقوم ببعض الإصلاحات من فوق من أجل تلافي حدوث ثورة من تحت. بينما يقول الجناح الآخر: لا، إذا ما بدأنا في الإصلاحات من القمة فستحدث ثورة من تحت، فلنحافظ على الأوضاع كما هي عليه. وكلاهما على صواب.

أما بالنسبة للنقطة الثانية، فإن الطبقة الوسطى لم تكن متذبذبة، بل لقد انضمت في الواقع إلى جانب الثورة. لقد كانت هناك مشاركة بعض العمال، مثل سائقي حافلات طهران. بل كانت هناك أحاديث عن الإضراب العام، لكن هذا لم يتحقق، بالضبط بسبب غياب العامل الأخير: أي الحزب الثوري والقيادة.

لقد كانت هذه الحركة هي الأضخم التي شهدتها إيران منذ سنة 1979. وقد أخذت النظام على حين غرة. لقد فاجأت موسوي نفسه. كما أخذت الأمريكيين أيضا على حين غرة. إن القول بأن وكالة المخابرات الأمريكية كانت وراء هذه الحركة هو مجرد افتراء بشع. لقد قام موسوي بكل ما في مستطاعه لوقف هذه الحركة. كان كل يوم يصرح قائلا: "لا تخرجوا إلى الشوارع، سوف تتعرضون للقتل، إنني أريد أن أنقذ حياتكم."، كان كل يوم يردد هذا القول، وكل يوم كان هناك المزيد من الجماهير الذين يخرجون إلى الشوارع. وليس الطلاب والطبقة الوسطى وحدهم.

وصفت صحيفة The Economist الجماهير التي كانت مشاركة في هذه المظاهرات قائلة: لقد كانوا خليطا، طلابا وأناسا من الطبقة الوسطى، ونساء، كان هناك الكثير من النساء، وكان هناك أيضا أناس فقراء من ضواحي طهران الفقيرة، نساء يضعن غطاء الرأس، بل وحتى بعض رجال الدين. لقد كانت هذه حركة هائلة. إنها من ذلك النوع من الحركات التي نشهدها في بداية جميع الثورات الحقيقية، التي تشق المجتمع بشكل عميق. لقد حاولت السلطات أن تقمع الحركة؛ وقد تعرضت الجماهير للضرب من طرف قوات الباسيج. وتعرضت للاعتقال، وقتل بعض الأشخاص. لكن لا شيء يمكنه أن يوقفها. بل وفي لحظة محددة ظهرت مؤشرات عن وجود تصدع داخل صفوف البوليس.

إن هؤلاء المتظاهرين رائعين، لأنه لم ينظمهم أي أحد. أظن أنه إذا ما كانت هناك حجة لصالح الفوضوية فستكون هي هذه. لقد كانت الحركة عفوية، بكل معاني الكلمة. لقد استخدم الشباب الهواتف النقالة وكل أنواع التكنولوجية الحديثة التي في متناولهم.

حاول النظام منع الانترنت وقطع الاتصالات الهاتفية، لكنهم بالرغم من ذلك تمكنوا من مراوغة الحظر. كيف يمكن وقف حركة عندما لا تكون هناك قيادة، ولا يكون هناك من يمكن اعتقاله؟ هذا هو السبب الذي جعل النظام يعجز عن وقف الحركة. لا بد أن الفوضويين مبتهجين جدا بهذا. لكن ينبغي علينا أن ننبه الفوضويين إلى أنه إذا كان غياب القيادة قد شكل من جهة نقطة قوة للحركة، فإنه قد شكل أيضا نقطة ضعف لها.

في النهاية فشلت الحركة في تحقيق أهدافها. ينبغي أن نتساءل عن السبب. لقد كانت عند الحركة نقطتا ضعف خطيرتين. في المقام الأول هناك عفويتها بالضبط. لم تكن هناك أية قيادة، ولا خطة، ولا إستراتيجية. من المستحيل إبقاء الجماهير في الشوارع بدون هذه الخطة. ففي النهاية سوف تتشتت الحركة، مثلما يتشتت البخار في الهواء ما لم يتم تكثيفه بواسطة المكبس.

ثم لم تكن هناك أية مشاركة للعمال المنظمين. وقد كانت هذه هي نقطة الضعف الحاسمة الثانية. وهذا يبين مرة أخرى قصور القيادة العمالية. لقد شهدت إيران العديد من الإضرابات في إيران خلال المرحلة السابقة، لكن في اللحظة الحاسمة، أين كانت القيادة؟ مع الأسف عجز من يسمون أنفسهم بطليعة العمال عن دعم الحركة ولم يقوموا بدعوة العمال إلى الالتحاق بها.

لدي شعور بأن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم طليعة عمالية هم إما ستالينيون سابقون، أو عناصر محبطة من الجيل القديم الواقعين تحت تأثير الأفكار الستالينية. وأيا كانوا فإنهم تصرفوا بطريقة جد سيئة. هناك مقال رائع كتبه تروتسكي سنة 1930، يتضمن إشارات مباشرة تفيد في فهم ما يحصل الآن في إيران. عنوان المقال هو: "الثورة الإسبانية ومهام الشيوعيين". في ذلك الوقت كانت هناك مظاهرات طلابية هائلة، وقد أكد تروتسكي على ضرورة أن يقوم العمال والشيوعيون الإسبان بدعم تلك المظاهرات وتمكينها من مطالب ديمقراطية ثورية.

لكن في إيران قام قادة الحركة العمالية، مع الأسف، بمقاطعة الانتخابات وقاطعوا هذه الحركة، الشيء الذي يعتبر تصرفا سيئا للغاية. كانت الدعوة إلى إضراب عام غير محدود ستؤدي إلى إسقاط هذا النظام، خاصة إذا كان مصاحبا بإقامة مجالس عمالية، أو شوراس بالتعبير الفارسي. لقد كانت فكرة الإضراب العام تترد في الهواء، وحتى موسوي قام ببعض التلميحات العامة إليها. كل ما كان مطلوبا هو تحديد يوم معين، وكان هذا سيكون كافيا. لكن هذه الدعوة لم تر النور مطلقا.

أشرنا في المقال الذي نشرناه على صفحات موقعنا الالكتروني، إلى أنه لا يمكنك أن تحصل على وضع تطالب فيه الناس بالخروج إلى الشوارع بقولك: تظاهروا، تظاهروا، تظاهروا، دون أن تقدم أي منظور. إن الجماهير تخرج إلى الشوارع كل يوم وتتعرض للقمع، وليس هناك أي منظور. وبالتالي ما حصل كان حتميا. لقد قلت في مقالي الأول: إذا ما استمر الوضع هكذا فإن الحركة ستتراجع. وهذا هو ما حصل.

في الظاهر يبدو وكأن النظام قد استعاد السيطرة، لكن الواقع ليس كذلك. إذ لم يتم حل أي من المشاكل القائمة، والانشقاق الحاصل في صفوف النظام يزيد اتساعا. لقد حدث انشقاق نحو اليسار (إذا كان من الممكن تسمية الإصلاحيين يسارا)، وحدث انشقاق نحو اليمين أيضا. والمثير للاهتمام بوجه خاص هو الموقف الذي اتخذه رفسنجاني، الذي يعتبر واحدا من أهم أعضاء العصابة الحاكمة في إيران، وهو عضو عصابة جد ثري، وجد ذكي. وقد اتجه الآن نحو المعارضة.

قبل عشرة أيام خطب رفسنجاني خلال صلاة الجمعة، في أحد أهم مساجد طهران. وهذا ليس شيئا جديدا؛ فقادة النظام الإيراني يقومون بذلك كثيرا. وقد قام أحمدي نجاد بذلك مؤخرا. لا يمكن للمرء في أفضل الأحوال أن يجمع في تجمع كبير مثل هذا أكثر من 50,000 شخص، فكم كان عدد الناس الذين حضروا الصلاة مع رفسنجاني؟ لقد كان عددهم مليون شخص! هل من الممكن أن يكون كل هؤلاء المليون شخص قد أحسوا جميعا وبشكل مفاجئ برغبة ملحة في الصلاة. ربما يكون الأمر كذلك، لكنني لا أعتقد ذلك. لقد كان ذلك التجمع تجمعا سياسيا جماهيريا. وقد قام خلاله نفس عضو العصابة ذاك، رفسنجاني، بإلقاء خطاب جد جذري.

لا أعتقد أنه قال الشيء الكثير عن الله، إن ما قاله هو الدعوة إلى الديمقراطية، قال إن الانتخابات كانت مزورة، وقال إنه من غير المقبول استعمال العنف ضد الشعب الإيراني ودعا إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين. هذا غريب. والأكثر غرابة هو أنه كان مدعوما بعدد من رجال الدين القياديين من مدينة قم، التي تعتبر أهم مركز ديني في إيران. أعتقد أن أربعة أو خمسة من آيات الله على الأقل جاؤوا لدعم رفسنجاني. هذا يعني أن هناك انشقاق هائل ويبدو أن خامنئي قد بدأ يفقد سيطرته.

خامنئي هو القائد الأسمى، ليس فقط فيما يتعلق بالمسائل الدينية، بل هو القائد الأسمى في الدولة، ويسيطر على الجيش والبوليس والقضاء، وها هو يتعرض للتحدي على يد رفسنجاني. والشيء الأكثر تعبيرا في هذا السياق، هو تعرض 24 ضابط سام، من بينهم جنرالان اثنان، للاعتقال، خلال ليلة الخميس التي سبقت صلاة الجمعة. لماذا تم اعتقالهم؟ لقد اعتقلوا بسبب تخطيطهم للحضور في هذا اللقاء بزيهم الرسمي، وقد كان هذا تعبيرا خطيرا عن التمرد.

ومن ثم فإن جميع الشروط التي وضعها لينين للثورة حاضرة في إيران باستثناء شرط واحد، أو للدقة نقول، شرط واحد ونصف، لأن البروليتاريا، وبسبب غياب القيادة، لم تلعب مرة أخرى الدور القيادي الذي ينبغي لها أن تلعبه. كتب لينين سنة 1905 أنه في وضعية مثل هذه، ينبغي على البروليتاريا أن تضع نفسها على رأس الأمة. يجب على البروليتاريا وحزبها أن يكافحا من أجل أكثر المطالب الديمقراطية الثورية تقدما، المطالب التي يمكنها أن تحث على النضال ليس فقط العمال وحدهم، بل حتى الطبقات الوسطى، والطلاب والشباب والنساء.

ويجب أن تتوج كل هذه المطالب الديمقراطية بشعار واحد: هيا إلى إضراب عام وطني وإقامة السوفييتات (شوراس). لو أن البروليتاريا وحزبها قاما بذلك، فإن النظام كان سيسقط. والآن دعونا نفكر قليلا فيما يعنيه هذا. فقط تخيلوا تأثير انتصار الثورة في إيران. تخيلوا التأثير الذي سيكون لها على جميع البلدان في هذه المنطقة، على بلدان من قبيل مصر، والأردن، والسعودية، كانت جميعها ستسقط، الواحدة منها بعد الأخرى. هذا هو السبب الذي جعل الإمبرياليين يقفون صامتين اتجاه تلك الأحداث.

تسألونني عن الشكل الذي يمكن لهذه الحكومة أن تتخذه. أجيب: لو كان هناك حزب بلشفي (ولو من 8000 عضو، كما كان الحزب البلشفي في فبراير سنة 1917)، لشهدتم ثورة بروليتارية كلاسيكية في إيران. لكن ليس هناك من حزب مثل ذاك. وبالتالي فإنه من شبه الأكيد أنه سيكون على الثورة الإيرانية أن تمر خلال مرحلة معينة من شكل من أشكال النظام البرجوازي البرلماني، مثلما حدث في إسبانيا سنة 1931. إلا أن هذا، في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية الحالية، لن يشكل أبدا وصفة للسلام.

لقد تأجل إسقاط النظام إلى الأزمة التالية، التي يمكنها أن تحصل بعد ستة أشهر، أو اثنتي عشرة شهرا، أو سنتين. لكنها حتمية. وسوف تفتح أبواب مرحلة جد عاصفة في إيران. لا يمكننا أن نكون دقيقين بخصوص ما سوف تكون عليه طبيعة النظام الذي سوف ينشأ عنها، لكن يمكنني أن أقول لكم ما سوف لن تكون عليه: لن يكون نظاما أصوليا إسلاميا آخرا في إيران. لقد انتهى هذا. وبالتالي فإن الثورة الإيرانية، وللمرة الأولى، ستقطع مع كل الجنون الأصولي الذي يوجد في الشرق الأوسط.

المنظورات والمهام

لقد دخلنا مرحلة ثورية ستستمر طيلة بضع سنوات، مع موجات مد وجزر، كما كان الحال في إسبانيا ما بين سنة 1930 و1937، لكن الجماهير في ظل هذه الظروف ستتعلم بسرعة كبيرة جدا. لقد بدأت أفكارنا تلاقي صدى كبيرا داخل إيران نفسها، وهذا مرشح للتزايد خلال المرحلة المقبلة.

من الواضح أن الطلاب قد بدءوا يستخلصون الدروس. صار بإمكانهم أن يروا محدودية موسوي والإصلاحيين. إن حقيقة أن الموقع الإيراني للتيار الماركسي الأممي قد استقبل مئات الزيارات من طرف طلاب يستفسرون عن ماهية الاشتراكية والماركسية هي مسألة ذات أهمية قصوى. إنني أعتقد أن رد فعل التيار الماركسي الأممي اتجاه الأحداث في إيران كان سريعا جدا. وأؤكد لكم أن مقالاتنا قد ترجمت فورا إلى الفارسية في نفس اليوم الذي نشرناها فيه؛ وتم توزيعها فورا في إيران وقد كان لها، حسب ما تؤكد تقاريرنا، تأثير رائع جدا.

وعلى كل حال، أيها الرفاق، لم يتسنى لي في هذه الكلمة سوى ملامسة أكثر القضايا تفجرا في السياسة العالمية، وليس لي ما يكفي من الوقت لكي أحلل هذه النقاط بتفصيل أكبر. وفي الخلاصة أريد فقط أن أقول ما يلي: لقد سبق للينين أن كتب مقالا عنوانه "مواد متفجرة في السياسة العالمية"، أيها الرفاق، هناك الآن مواد متفجرة في كل مكان، وشروط الثورة آخذة في النضوج.

بطبيعة الحال، لا ينبغي لنا أن نبالغ: فما زالت في طور أولي. وكما قال تروتسكي: يجب علينا أن نكون صبورين. لكن هناك شيئان واضحان: يمكننا أن نرى على الأقل بداية تغير في وعي الجماهير. ملايين الناس صاروا منفتحين على الأفكار الماركسية بشكل غير مسبوق. لقد قضيت حوالي 50 سنة مناضلا في التيار الذي شيده تيد غرانت، وقد سبق لي أن رأيت حركات كبيرة في الماضي. لكنني لم أر أبدا وضعا مثل هذا الوضع الحالي، ولا يمكنني أن أتذكر شبيها للأحداث التي تتطور الآن أمام أعيننا.

والنقطة الثانية والأخيرة هي دور هذه الأممية. إن قوانا ما تزال جد ضعيفة، ونحن نناضل من أجل بناء الخلايا الأولى للتيار الماركسي الأممي في العديد من البلدان، لكننا بدأنا نتطور. ونحن الآن لم نعد مجرد ملاحظين للأحداث، بل صرنا مشاركين نشيطين في الحركة في بعض أهم البلدان. وبالتالي يمكننا أن نكون واثقين جدا بالمستقبل، إننا نمتلك الأفكار الصحيحة، نمتلك أفكار الماركسية الرائعة العمق. ونمتلك التكتيكات الصحيحة وطرق الاشتغال الصحيحة، ونحن، فوق كل شيء، مصممون على إيصال هذه الأفكار إلى المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة.

أيها الرفاق! يمكننا أن نتقدم إلى الأمام بثقة تامة في الأفكار الماركسية، وبثقة تامة في الدور الثوري للطبقة العاملة، وبثقة تامة في أنفسنا، وبثقة تامة في انتصار التيار الماركسي الأممي.

النهاية

Source: Marxy.com