إسرائيل: الإصلاح القضائي لنتنياهو يقسم المؤسسة الحاكمة ويثير احتجاجات هائلة

اندلع صراع داخلي حاد داخل الطبقة السائدة في إسرائيل. بنيامين ‘بيبي’ نتنياهو عاد إلى منصبه منذ شهرين فقط، وهو مصمم على تنفيذ مجموعة من الإصلاحات القضائية من خلال الكنيست الإسرائيلي (البرلمان). وبقيامه بذلك، فقد أغضب غالبية الرأسماليين الكبار، الذين اتخذوا خطوة غير عادية بدعم حشد جماهير هائلة في الشوارع. عندما تنحدر الطبقة السائدة إلى صراع مفتوح مثل هذا، فإنها تجلب لنفسها خطر إسقاط الواجهة التي تخفي في الأوقات “العادية” المكائد الحقيقية لحكمها. الصراع الحالي ليس استثناء.

[Source]

الوضع الحالي له جذور عميقة تمتد إلى عقود من الزمن حيث قامت الطبقة السائدة بأكملها في إسرائيل (المحافظون وما يسمى بأجنحتها “الليبرالية” على حد سواء) بانتهاج سياسة وحشية ومنهجية للاحتلال والاستيلاء على الأراضي وإنشاء المستوطنات والتمييز ضد الفلسطينيين. وقد استخدمت الكراهية والخوف كسياسة خاصة للتفرقة بين اليهود والعرب، لتجميع العمال الإسرائيليين اليهود حول الدولة.

لقد ساعدت كل الحكومات في تعزيز عقلية الحصار هذه. ولكن مثلما خرج الوحش الذي استحضره الدكتور فرانكشتاين عن سيطرته، فقد أنشأت الطبقة السائدة في إسرائيل حركة متعصبة لا يمكن السيطرة عليها من الصهاينة اليمينيين المتطرفين والأصوليين الأرثوذكس المتطرفين، وخاصة المتجذرين بعمق في حركة المستوطنين في الضفة الغربية. لقد تولوا بشكل متزايد دور صانعي الملوك، ودفعوا ممثليهم إلى مناصب عليا في المؤسسة السياسية، وشقوا طريقهم دون اعتبار لأولويات هذه المؤسسة.

الآن – بعد الاستراحة القصيرة التي دامت 18 شهرًا لتحالف بينيت – لابيد “الجميع ما عدا نتنياهو”، وبفضلهم جزئيًا – عاد نتنياهو إلى السلطة. هذه المرة، يرأس ائتلافًا من أحزاب اليمين المتطرف، بما في ذلك حزب كهاني الجديد “عوتسما يهوديت” بزعامة إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي الحالي) الذي يؤيد الضم الكامل للضفة الغربية وطرد العرب من إسرائيل، والحزب الصهيوني الديني بقيادة بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية الحالي)، وهو رجل قال ذات مرة عن نفسه: “أنا فاشي كاره لمثليي الجنس، لكنني رجل أحترم كلمتي”.

ما إن وصلوا إلى السلطة حتى طرحوا أجندة تشريعية وضعت الحكومة في مواجهة مع الجزء الأكبر من الطبقة السائدة. لقد حددوا لأنفسهم هدف “إصلاح” القضاء، بحيث لا تتمكن المحكمة العليا من إبطال التشريعات، في حين أن الأغلبية البسيطة في الكنيست ستكون كافية لتعيين القضاة.

لكل حزب في الائتلاف دوافعه الخاصة. يرى المتعصبون اليمينيون المتطرفون في مجلس الوزراء المحاكم على أنها حصن للبلشفية، مصممة من أجل إحباط حلمهم بإعادة احتلال أرض إسرائيل بأكملها لشعب الله المختار حصريًا. بالنسبة لنتنياهو، هناك المزيد من العوامل الشخصية والعامة، حيث يحاول تفادي العديد من الاتهامات بالفساد والرشوة والاحتيال. ولكن لكي يحافظ على نفسه في السلطة، يضطر إلى الاعتماد على المزيد والمزيد من القوى الرجعية، وهي قوى بعيدة كل البعد عن أن تكون تحت سيطرته.

بيبي ضد البرجوازية

أشعلت هذه الإصلاحات ثورة مفتوحة من جانب جزء كبير من الطبقة الرأسمالية. ببساطة، تطالب الطبقة الرأسمالية ككل بفصل السلطات في ظل “ديمقراطية” رأسمالية، بحيث لا يمكن لفرد واحد أو مجموعة أفراد من طبقتهم قلب النظام لصالحهم. هذا ما يرقى إليه الحديث عن “الديمقراطية” و”استقلال القضاء” من جانب الرأسماليين. إنهم قلقون من أن نتنياهو وزمرته سيستخدمون سيطرتهم على الدولة “بشكل غير عادل” لصالح أنفسهم.

والطبقة الرأسمالية لا تخفي حقيقة أن هذا هو دافعهم الحقيقي. تشرح صحيفة “التايمز أوف إسرائيل” هذه الحقيقة بوضوح في مقال يستحق الاقتباس بإسهاب:

في الأسابيع الأخيرة، حذرت شركات التكنولوجيا وصناع الأموال والمنظمات التجارية وصناع السياسات والاقتصاديون البارزون مرارًا وتكرارًا من أن خطة الإصلاح القضائي، التي يقولون إنها تهدد الديمقراطية، ستضر بمكانة إسرائيل كمركز مستقر للاستثمارات.


الخوف هو أن يؤدي إضعاف النظام القضائي إلى حالة من عدم اليقين وإبعاد المستثمرين الأجانب عن ضخ الأموال في الشركات في إسرائيل. وهذا بدوره قد يدفع الشركات المحلية والعالمية على المغادرة وإنشاء سوق في مكان آخر.


أعلنت عدد من الشركات الإسرائيلية التي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار بأنها ستسحب أموالاً كبيرة من الحسابات المصرفية الإسرائيلية وتضعها في الخارج بسبب ضغوط المستثمرين الأجانب المعنيين.


شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية “Wiz”، التي تقدر قيمتها بنحو 6 مليارات دولار وبدعم من شركتي الاستثمار الأمريكتين “Insight Partners” و”Greenoaks Capital”، أكدت الأسبوع الماضي أنها تنقل عشرات الملايين من الدولارات من البنوك الإسرائيلية لتنويع أموال المستثمرين.

وعبر السفير الأمريكي توماس نيدز عن مخاوفه قائلاً: “أنت تفعل شيئًا صحيحًا، حسنًا؟ لقد كان النظام القضائي قائمًا منذ فترة طويلة، مما سمح بازدهار الابتكار والتكنولوجيا وكسب الأموال وزيادة الجودة – لقد حدث ذلك بالفعل”.

“كسب الأموال” – هذا كل ما في الأمر! لماذا نقلب الزورق ونحن نحقق كل هذه الأموال؟

بدأت الاحتجاجات بموجة من الالتماسات من رجال الأعمال. أصدر كلا من HSBC وJP Morgan تحذيرات. اتخذت وكالة التصنيف الدولية S&P خطوة غير عادية للغاية بالتهديد بخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل. حذر الكثيرون من أن هذا قد يؤدي إلى انهيار السوق، كما فعلت تجربة ليز تروس الصغيرة في بريطانيا الخريف الماضي.

ولكن عندما لم تنجح الالتماسات، قرر الجزء الأكبر من الطبقة الرأسمالية الاستعداد للصراع.

صعدت وسائل الإعلام الرئيسية من خطابها، مشيرة إلى تحرك نتنياهو بلغة مروعة للغاية: بعيدًا عن “الهجوم على الديمقراطية”، فإنهم يطلقون عليها “ثورة” و”انقلاب” وحتى “تغيير النظام”.

كل يوم سبت منذ يناير/كانون الثاني، يلقي أرباب الأعمال بثقلهم وراء الاحتجاجات “المؤيدة للديمقراطية” في الشوارع التي تستمر في النمو.

لعب قطاع التكنولوجيا دورًا مهمًا بشكل خاص في هذا “النشاط” الغريب. ولديه سبب خاص للقلق، بالنظر إلى أنه وافد جديد نسبيًا على السوق الإسرائيلية ويفتقر إلى التأثير في الائتلاف الحاكم. وهو يشغل الكثير بين الشرائح الحضرية الأكثر ليبرالية اجتماعيًا، ويُعتبر بعيد تمامًا عن الحريديم الأصولي الذي يعتمد عليه نتنياهو، الذي يرفض التعليم العلماني.

كُتب على إحدى اللافتات “أنقذوا دولتنا الناشئة”، في مسيرة يوم 21 يناير/كانون الثاني، رفعتها كتلة تمثل هذه الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا. في 13 فبراير، تم تنظيم يوم “إضراب”، ليس من قبل “اتحاد نقابات الهستدروت” بل من قبل مجموعة من 300 شركة تكنولوجية وصناديق رأس المال الاستثماري.

وقد تم توجيه الاحتجاجات من قبل الرؤساء التنفيذيين والجنرالات السابقين ورؤساء الوزراء السابقين. حتى رئيس الموساد السابق، تامير باردو، قد أبدى قلقه في مقابلة صحفية مع صحيفة هآرتس: “هناك قلق عميق من أننا نقترب من الهاوية”. وعبر رئيس الوزراء اليميني السابق نفتالي بينيت عن مشاعر مماثلة، وحذر من “حرب أهلية في إسرائيل”.

مع الدعم الكامل من غالبية وسائل الإعلام وكامل ثقل أصحاب الأعمال، نمت هذه الاحتجاجات و”الإضرابات” وحواجز الطرق، حيث قدر بعض المنظمين أن ما يصل إلى 500.000 شاركوا في تحرك عطلة نهاية الأسبوع الماضي.

حتى الجيش قد تأثر. حيث شهد يوم 8 فبراير مسيرة لجنود الاحتياط في جيش الدفاع الإسرائيلي. وقد تصاعد هذا الأمر الآن إلى 350 ضابطًا وجنديًا يوقعون عريضة يعلنون أنهم سيرفضون العمل كجنود احتياط إذا استمر الإصلاح القضائي في المضي قدمًا. حيث تمتد الانقسامات من رأس الدولة حتى أسفلها. كما في أحد الحوادث الأخرى، رفض سرب كامل من أكثر من 40 طيارًا الحضور للتدريب، وهددت أسراب أخرى بأن تحذو حذوه.

في الظروف الطبيعية، تهاجم الطبقة السائدة في إسرائيل ووسائل الإعلام بعنف هؤلاء “الرافضين”، وتدينهم بوصفهم خونة، كما فعلوا في كل مرة يرفض فيها الجنود الإسرائيليون دعم اضطهاد الفلسطينيين. الآن هم يتعاطفون مع قضيتهم – على الرغم من ذلك يمكن أن نضيف أنهم قد يندمون في المستقبل على تشجيع هذه السابقة الخطيرة.

مقال مثير جدا للاهتمام في هآرتس

نشرت صحيفة هآرتس اليومية الليبرالية الإسرائيلية، في 16 فبراير/شباط، مقالاً صغيرًا لافتًا بعنوان “خطأ بيبي: لقد صنع عداء مع النخبة الإسرائيلية”.

ما يجعلها جديرة بالملاحظة هو صراحتها في تحديد ما يفترض أن تكون عليه “الديمقراطية” الرأسمالية بالضبط. نقتبسها هنا بإسهاب لأنها، بصراحة نادرة، تخبرنا الكثير ليس فقط عن كيفية عمل الديمقراطية البرجوازية في إسرائيل، ولكن في كل مكان آخر أيضًا:

… حتى في الديمقراطيات الحديثة حيث يحق لكل شخص بالغ الحصول على صوت واحد، فإن الواقع الاجتماعي والسياسي هو أن بعض الناخبين يتمتعون بسلطة أكبر من غيرهم، والتي يمكنهم استخدامها بالفعل بعد فترة طويلة من إغلاق صناديق الاقتراع.


يمتلك المستثمر ذو التقنية العالية والمدير التنفيذي لشركة كبيرة صوتًا واحدًا فقط عندما يذهب إلى مكان الاقتراع ولكن لديه الكثير من “الأصوات”، أو بشكل أكثر دقة يتمتع بنفوذ سياسي أكبر بكثير، بفضل قدرته على إنشاء الوظائف وقوته الاقتصادية. وينطبق الشيء نفسه على كبار النشطاء السياسيين والصحفيين والعلماء والمهندسين والمفكرين، الذين ليس لديهم أيضًا صوتًا واحدًا في يوم الانتخابات ولكن مساهمتهم في الاقتصاد والمجتمع تجعل آراءهم ذات أهمية أكبر.


إنهم الأشخاص الذين جعلوا إسرائيل دولة قوية ومزدهرة ومبتكرة من الناحية التكنولوجية كما هي اليوم. بالتأكيد، لا تعارض كل هذه النخبة الإصلاح القضائي. لكن أرقام الاستطلاع تقدم لمحة عن الانقسام الاجتماعي والاقتصادي بين مؤيدي ومعارضي التغييرات.

ضع في اعتبارك أن هذه الصحيفة تدعم تمامًا الحركة “المؤيدة للديمقراطية”، ولا يمكن أن تكون أكثر حماسة بشأن “النخبة” باستخدام “الأصوات” الإضافية التي يمنحها لهم موقعهم الطبقي. ومع ذلك، لا ينبغي أن نتفاجأ لأن هذه هي الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية البرجوازية في كل مكان. في ظل الديمقراطية الأكثر حرية، تتمتع الجماهير بحقوق تصويت متساوية – على الورق. ولكن بمجرد أن تتعرض مصالح الطبقة الرأسمالية للتهديد من قبل فصيل أو فرد من طبقتهم، أو- وهو الأمر الأكثر خطورة – من قبل حكومة يسارية مدعومة من الطبقة العاملة، فإننا نرى من لديه السلطة حقًا.

يتابع المقال:

… هنا تكمن مشكلة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: الانتخابات أعطته وحلفائه من المتدينين واليمينيين أغلبية واضحة في الكنيست، لكن الإصلاح القضائي لا يحظى بدعم بين الناس الذين يجعلون إسرائيل تعمل. يمكن لنتنياهو أن يتجاهل المسيرات في تل أبيب، ولكن عندما يعرب قادة التكنولوجيا الفائقة والمصرفيون والاقتصاديون ورجال الأعمال عن معارضتهم، فقد حان الوقت ليشعر بالقلق.

بعبارة أخرى، لا يمكنك تنفيذ سياساتك في ظل الرأسمالية لمجرد أن “العملية الديمقراطية” منحتك أغلبية برلمانية. بشكل أساسي، تتطلب أي حكومة موافقة أولئك الذين يديرون المجتمع حقًا: “قادة شركات التكنولوجيا الفائقة، والمصرفيون، والاقتصاديون، ورجال الأعمال”! وكما يشير المقال، فإن نتنياهو يدرك هذه الحقيقة بلا شك بشكل مؤلم:

إن شركاءه في اليمين المتطرف والحريديم يهتمون أكثر بتعزيز رؤاهم الأيديولوجية وخدمة جمهورهم. لكن نتنياهو ليس هذا النوع من الإيديولوجيين. إنه أكثر اهتمامًا بإنشاء دولة قوية عسكريًا واقتصاديًا.


المستوطنون لا يجتذبون مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية كل عام، والحريديم ليس لديهم التعليم والمهارات اللازمة للعمل في وحدات التكنولوجيا الفائقة للجيش، ولن تُطبّع المملكة العربية السعودية العلاقات مع إسرائيل لأنها تتوق للمنتجات الصناعية الإسرائيلية ذات التقنية المنخفضة.

هذه هي المصالح الحقيقية وراء هذه الحركة لما يسمى بـ “الديمقراطية”. في الواقع، على الرغم من أن هذه الحركة حشدت بالتأكيد آلاف العمال، فإن قيادة أي من الطرفين في هذا الصراع لا تمثل مصالح العمال الإسرائيليين أو الجماهير الفلسطينية.

وبالفعل، فإن السؤال الذي طرحه بعض المعلقين اليساريين (في خيبة أمل وارتباك) كان: لماذا لم ترفع الحركة شعارات ضد الاستهزاء الحقيقي بالديمقراطية الذي ترتكبه دولة إسرائيل: قمع الفلسطينيين واحتلال أرضهم؟ لكن هذا الجناح “المؤيد للديمقراطية” من الطبقة السائدة له مصلحة في استمرار اضطهاد الفلسطينيين، كما فعل منذ عقود. الشاغل الرئيسي لكبار الرأسماليين هو أن نتنياهو، من خلال دفع هذه السياسة إلى أقصى حدودها من أجل مصالحه الفردية الضيقة، فإنه يطلق العنان لقوى من المستحيل السيطرة عليها، ويمكن لهذه السياسة أن ترتد ضد مصالحهم الخاصة.

بعيدًا عن إثارة المطالب التي قد تجلب الفلسطينيين إلى الحركة، شرح بعض معارضي نتنياهو في الصحافة اليمينية كيف أن تضاؤل الدعم للحكومة في الجيش، والأضرار الاقتصادية للإصلاح القضائي، والطريقة التي تُنفر بها الحكومة الولايات المتحدة الإمبريالية “ستمنع نتنياهو من ضم الأراضي في الضفة وربما تمنع أي عمل عسكري أحادي الجانب ضد إيران” بعبارة أخرى، يتظاهرون بأنهم المدافعون الحقيقيون والجادون عن سياسة صهيونية عدوانية!

هذا واضح تمامًا للجماهير الفلسطينية، التي تكاد تكون غائبة تمامًا عن هذه الحركة، على الرغم من كراهيتها العميقة لنتنياهو. كيف يمكن أن يخرجوا بجدية دفاعًا عن نفس النظام القضائي الذي وافق على قانون الدولة القومية اليهودية، والذي يحبس الآلاف من شبابهم، والذي يحكم بانتظام لصالح عمليات الإخلاء الفلسطينية مثل الشيخ جرّاح، وبناء مستوطنات جديدة؟

ومع ذلك، فإن الأمر يستحق جهود الثوريين في إسرائيل وفلسطين لدراسة هذا الانقسام في الطبقة السائدة بعناية، لأنه مليء بالدروس الإرشادية للعمال في المنطقة وخارجها.

كيف سينتهي هذا؟

من المرجح أن تتعمق الأزمة قبل أن تصل إلى ذروتها. إذا تراجع بيبي، فقد يؤدي هذا إلى سقوطه. لكن لا أحد آخر قادر على تشكيل ائتلاف حاكم، وانتخابات بعد انتخابات فشلت في كسر الجمود في الكنيست الذي مزقته الأزمة.

إذا لم يتراجع بيبي، فإن الطبقة السائدة تحذر من “أم الأزمات الدستورية” إذا مُررت الإصلاحات القضائية.

ماذا سيحدث عندما تحكم المحكمة العليا ضد نفس القوانين التي تم تمريرها على وجه التحديد لقص أجنحتها؟ وقد تصل النقطة عندما تضطر الأجهزة الأمنية إلى الاختيار بين الأوامر المتضاربة الصادرة عن رئيس الوزراء من جهة والنائب العام من جهة أخرى. باختصار، إسرائيل تتجه إلى منطقة مجهولة.

في الماضي، عندما حوصر نتنياهو، سعى باستمرار لتحويل الانتباه عن طريق حروب قاتلة جديدة على الفلسطينيين، كما حدث في غزة في عام 2021. ولا يمكن استبعاد أنه لن يفعل ذلك مرة أخرى، مع عواقب وخيمة. وتكثف الحكومة بالفعل من عدوانها على الفلسطينيين، وتوافق على بناء مستوطنات جديدة، وتغلق وتغزو المدن الفلسطينية في الضفة الغربية.

خلال شهرين من هذا العام ، قُتل حتى الآن 67 فلسطينيًا على أيدي قوات الأمن التابعة للدولة الإسرائيلية، مقارنة بـ 170 قتيلًا في الضفة الغربية والقدس الشرقية في عام 2022. يجب أن نلاحظ أيضًا أن عام 2022 شهد ما يقرب من ضعف عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في الضفة الغربية في عام 2021، مما يجعلها أكثر الأعوام دموية منذ 2005 – وكان ذلك في عهد حكومة بينيت – لابيد.

لكن وجود الأحزاب اليمينية المتطرفة في الحكومة قد شجع بالتأكيد المستوطنين المتعصبين الذين يسعون إلى مواجهات مباشرة مع الفلسطينيين. اجتاح المئات بلدة حوارة الفلسطينية في 26 فبراير، وأحرقوا عشرات السيارات والمنازل وقتلوا شخصًا فيما وصفه جنرال إسرائيلي كبير بـ “المذبحة”. استجاب سموتريتش لهذه الأحداث بالدعوة إلى “محو” حوارة.

هذه المعاملة الوحشية المتواصلة للفلسطينيين تخلق شعوراً باليأس، لا سيما بين الشباب. إن القيادة الفاسدة للسلطة الفلسطينية، التي تتعاون يوميًا مع الاحتلال، فقدت مصداقيتها تمامًا. حيث تريد أغلبية كبيرة من الفلسطينيين الآن رؤية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يغادر الرئاسة، بينما يرى 59% من الفلسطينيين أن السلطة الفلسطينية مجرد عبء على ظهورهم. تم التعبير عن هذا بوضوح في “انتفاضة الوحدة”، الإضراب العام الفلسطيني الموحد الشامل الذي حدث في مايو 2021.

يوجد فراغ كبير في القيادة، والضغط يتراكم باستمرار على الشعب الفلسطيني. مع عدم ظهور قيادة بديلة من الحركة الجماهيرية لـ “انتفاضة الوحدة”، فإن الشباب يأخذون الأمور بأيديهم ويسلحون أنفسهم في مجموعات في جنين ونابلس مع جماعة “عرين الأسود” وفي أماكن أخرى بهدف القتال. بينما تجلس السلطة الفلسطينية ساكنة لا تفعل شيئا. في الوقت الذي تتزايد فيه الحركة الجماهيرية في إسرائيل، شهدنا أيضًا إضرابين عامين للفلسطينيين منذ بداية العام – في القدس الشرقية ضد الوجود المتزايد للشرطة الإسرائيلية، وعبر غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ضد غارات جيش الدفاع الإسرائيلي لاغتيال المسلحين الشبان في نابلس.

في حين أن الهجمات الفردية الانتقامية ضد قوات الأمن الإسرائيلية مفهومة تمامًا – وربما لا مفر منها نظرًا للوحشية ضد الفلسطينيين – فإن ما هو ضروري هو تطوير مجموعات مسلحة للدفاع عن النفس مرتبطة بحركة جماهيرية ذات أهداف ثورية واضحة كبديل لجميع الفصائل الفاسدة للقيادة الفلسطينية.

إن الوضع السابق ليس حلاً

بالعودة إلى الانقسامات الشديدة التي تقسم الطبقة الرأسمالية في إسرائيل، يوضح لنا التاريخ أن مثل هذه الانقسامات في الطبقة السائدة هي في الغالب اللحظة التي تنتهز فيها الطبقة العاملة الفرصة للانفجار على الساحة بمطالبها الخاصة. في الواقع، لا يمكن إلا لبديل مستقل وثوري من الطبقة العاملة أن يتخطى البربرية التي نراها، والتي تتحمل مسؤوليتها جميع أجنحة الطبقة السائدة الإسرائيلية.

في سياق أزمة عميقة للرأسمالية وأزمة إسكان ضخمة والعديد من الأزمات الاجتماعية الأخرى التي تعصف بالمجتمع الإسرائيلي، هناك بالتأكيد إمكانية لمثل هذه الحركة. إن حقيقة أن هذه الاحتجاجات قادرة على التعبئة على هذا النطاق – نصف مليون يمثل تعبئة هائلة في بلد يبلغ عدد سكانه 9 ملايين – يشير إلى تخمر للأزمة في المجتمع، وخاصة الطبقات الوسطى. هذا عرض مهم، حتى لو كانت الاحتجاجات ذات طابع رجعي بشكل عام. نتنياهو الذي كان في السلطة من 2009 إلى 2021، هو الوجه المكروه للتقشف وعدم الاستقرار طوال الفترة الماضية.

في حين أن القيادة البرجوازية قد أعطت هذه الاحتجاجات لونها السياسي الرئيسي، مع الشعار الوهمي لـ “الديمقراطية”، وهو مجرد إخفاء لهدفهم المتمثل في نقل السلطة من أيدي نتنياهو إلى أيديهم، فهذه ليست الطريقة التي يرى بها معظم المحتجين الأمور. بينما قال المتحدثون في المنصة القليل جدًا أو لم يذكروا شيئًا على الإطلاق عن الاحتلال والوحشية التي يتعرض لها الفلسطينيون، تم رفع شعارات الاشمئزاز ضد مذبحة حوارة بشكل عفوي في بعض الاحتجاجات. وقد شاركت “كتلة راديكالية ” و”كتلة مناهضة للاحتلال ” منذ البداية ونمت بشكل متواضع مع الأسابيع – على الرغم من أنه تجدر الإشارة إلى أنه بينما أبلغوا عن تلقي بعض الردود الإيجابية، خاصة من الشباب، فقد قاموا أيضًا بذكر أنهم تعرضوا للمضايقات باستمرار من قبل العديد من الآخرين.

النقطة المهمة هي على وجه التحديد هي تقسيم هذه الاحتجاجات على أسس طبقية من خلال تعبئة مستقلة للطبقة العاملة، إبراز القضايا الطبقية. لكن هناك عقبة رئيسية أمام هذا: عدم وجود قيادة بديلة للفصائل البرجوازية المختلفة. في إسرائيل، ظل زعماء “العمل” والنقابات العمالية يتذيلون منذ عقود الطبقة السائدة الصهيونية. يجب طرح مسألة إنشاء منظمة ماركسية قادرة على توحيد العمال والمضطهَدين على برنامج ثوري حقيقي، يمكن أن يناضل من أجل الإطاحة بالرأسمالية في جميع أنحاء المنطقة ومن أجل تشكيل فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط. هذا وحده سيكون قادرًا على توفير مستقبل يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين أن يعيشوا فيه جنبًا إلى جنب بسلام. هذا وليس العودة إلى الوضع السابق، هو ما يناضل من أجله التيار الماركسي الأممي.