بريطانيا: حكومة بوريس جونسون المأزومة

نشر الرفاق في موقع “النداء الاشتراكي“، الفرع البريطاني للتيار الماركسي الأممي، هذا المقال تحت عنوان: “بعد عام من الانتخابات – حكومة بوريس المأزومة”، بتاريخ 14 دجنبر/كانون الأول 2020، أي بعد عام منذ تولي حكومة بوريس جونسون السلطة. وقد قامت مجلة “الشيوعية والحرية” بترجمته ونشره في عددها السابع، الذي صدر في مارس/آذار 2021، ونعيد نشر هذا المقال لأنه ما زال يحتفظ براهنيته حيث اثبتت الأزمات الأخيرة لحكومة جونسون استمرار غرقها في الاضطرابات والانقسامات.


[Source]

قبل عام واحد، في 12 ديسمبر/ كانون الأول، حقق حزب المحافظين فوزاً ساحقاً في الانتخابات العامة لعام 2019. وعد بوريس جونسون وحزب المحافظين بـ “إنهاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي” في أسرع وقت، وحصلوا على 43,6% من الأصوات، مما منحهم أغلبية 80 مقعداً في البرلمان.

توقع المعلقون والمراقبون من اليمين واليسار أن حكومة جونسون الجديدة لن تكون قابلة للتحدي ولن يوقفها شيء. وأن رئيس الوزراء سيدخل التاريخ كزعيم غيّر مشهد السياسة البريطانية إلى الأبد.

بعد مرور 12 شهراً، تحوم الرأسمالية البريطانية الآن فوق هوة سحيقة، وتواجه عاصفة كاملة من الأزمات، من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والوباء، والانهيار الاقتصادي الحاد. لكن هذه الأزمة ليست قصيرة، إنها مجرد بداية أزمة طويلة الأمد وعميقة للنظام.

وهذا بدوره يؤدي إلى تمزيق حكومة المحافظين “القوية والمستقرة”. بوريس جونسون بالفعل ستذكره كتب التاريخ، لكن لأسباب مختلفة، مثل أنه رئيس الوزراء الذي أشرف على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والاستجابة الفاشلة المميتة للوباء والأزمة الصحية، و-من المحتمل جداً- تفكك المملكة المتحدة.

كما توقعنا قبل عام، تكشف أزمة الرأسمالية جميع التناقضات الضمنية داخل الوضع، وتكشف ان حكومة جونسون “عملاق بأقدام من طين”، وتوضح أن هذه الأغلبية العظمى من المحافظين في البرلمان على ما يبدو “بنيت والديناميت مزروع بأساسها”.

ومع توقع اشتداد الأزمة وتعميقها، تنتظرنا أحداث متفجرة وصراعات طبقية حادة.

إيذاء النفس

نظراً لضعف الرأسمالية البريطانية، كان انهيار الاقتصاد البريطاني بسبب أزمة فيروس كورونا أكبر من أي دولة في مجموعة الدول السبع.

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي -فكرة مجنونة فيما يتعلق بمصالح الشركات الكبرى- يؤدي إلى تفاقم الأزمة، وقطعت عن الرأسمالية البريطانية حرية الوصول إلى السوق الموحدة والاتحاد الجمركي.

الاحتمال الوشيك لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق يرعب الجناح المهيمن للطبقة الرأسمالية. في هذه المرحلة، حتى الصفقة التي يتم التفاوض عليها ستكون محدودة، وستظل تضر بشكل خطير بأرباح أرباب العمل. سيؤدي هذا “الإيذاء الذاتي” إلى إلحاق أضرار لا حصر لها بالرأسمالية البريطانية، وتعطيل التجارة وسلاسل التوريد مع أوروبا، والتي كانت تمثل ما يقرب من 50% من الصادرات البريطانية.

لكن أزمة الرأسمالية البريطانية لم تبدأ مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو الوباء. في الواقع ، كانت الرأسمالية البريطانية في حالة تدهور منذ أكثر من 100 عام ، حيث خضعت “للانحلال البطيء المشين” ، كما وصف كارل ماركس ذات مرة زوال إسبانيا.

ستؤدي كارثة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تفاقم وتيرة تدهور الرأسمالية البريطانية. إن الحديث عن تحرير بريطانيا لغزو الأسواق الخارجية في جميع أنحاء العالم هو حلم غير منطقي، وسيصبح ذلك واضحاً قريباً جداً.

التدهور

في الماضي، كانت وجهات النظر الماركسية مبنية على فكرة أن الطبقة الحاكمة وممثليها السياسيين سيتبعون مصالحهم الطبقية الخاصة. سيكون في الأغلب هناك تفكير عقلاني وراء قراراتهم. لكن هذا ليس هو الحال الآن.

تتصرف الزمرة الحاكمة التي تحكم بريطانيا بأكثر الطرق اللاعقلانية. لقد تدهوروا تماماً وأصبحوا مخمورين بدعايتهم القومية. هذا خداع تماماً. إنهم مثل القوارض يتجهون نحو المنحدر. إنه يذكرنا بالأيام الأخيرة للإمبراطورية الرومانية – ولكن في هذه الحالة آخر أيام البله السياسي.

لقد دافع بوريس جونسون وحزب المحافظين بحماس، عن جنون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بشعارات مثل “استعادة السيطرة” و”الفوز بحريتنا”.

هذا الحزب البرجوازي المتميز استولى عليه الحمقى الرجعيون. كان حزب المحافظين البريطاني هو الأكثر نجاحاً في أوروبا، إن لم يكن في العالم. لكن ذلك كان منذ فترة طويلة.

نتيجة رعب الشركات الكبرى، تم تحويله إلى حزب إنجليزي ضيق الأفق من المشككين في أوروبا؛ حزب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في كل شيء ما عدا الاسم، يهيمن عليه أكثر أنواع السياسيين رجعية وحماقة.

بشرت تاتشر بعملية التدهور هذه، لكنها اكتملت في عهد بوريس جونسون ومستشاره الرئيسي السابق دومينيك كامينغز.

وصف ديفيد كاميرون الحزب في الوقت الراهن، على نحو ملائم، بأنهم “مجنونون ذوو أعين دوارة”. في العقود الأخيرة، سُمح لهؤلاء الرعاع باختيار زعيم الحزب. وقد نتج عن ذلك حكومة المحافظين الأكثر فساداً وإفلاساً سياسياً في التاريخ، بقيادة زمرة من مؤيدي البريكسيت المتطرفين مع مهرج سياسي كملك لهم.

وهي أيضاً صورة توضح كيف فقدت الطبقة الحاكمة فعلياً السيطرة على حزبها التقليدي الذي حكمت به البلاد. تطورت عملية مماثلة في الولايات المتحدة، مع غزو ترامب للحزب الجمهوري وإعادة تشكيله على صورته، مما أثار رعب الطبقة الحاكمة الأمريكية.

انقلابات وتكتلات

تكافح الطبقة الحاكمة لاستعادة السيطرة على الوضع في حزب المحافظين، من الواضح أنهم دبروا “الانقلاب” ضد كامينغز وعصبته التي سيطرت على “10 داونينج ستريت”.

لقد وضع هؤلاء الصعاليك أنفسهم فوق القانون. فكامينغز وأنصاره داسوا بخشونة على كل شيء، مما أثار قلق المؤسسة الرأسمالية.

فضح هذا الحدث المقزز القذارة الموجودة في قمة الدولة البريطانية، وكشف نظام الترهيب الذي كان يعمل في مركز الحكومة. لقد كان ذلك بقيادة طغمة من أنصار البريكست المتعصبين الذين أحاط جونسون نفسه بهم.

مع رحيلهم أو تهميشهم إلى حد ما، كان البرجوازيون يأملون في إعادة فرض سيطرتهم. لكن لا يزال هناك طريق طويل لتحقيق هذا الهدف، نظرا لانحطاط حزب المحافظين.

“علاقة خاصة”

على مدى عقود، شهدت البرجوازية البريطانية تدهوراً حاداً في ثروات وقوة الرأسمالية البريطانية، والتي تحولت في النهاية إلى ظل لما كانت عليه في السابق.

مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تم تقليص المملكة المتحدة إلى قوة غير مهمة على أطراف أوروبا، وتفتقر إلى “علاقة خاصة” مع الولايات المتحدة أو أي أحد آخر.

كل الثرثرة حول “بريطانيا العظمى” التي تحررت من قيود الاتحاد الأوروبي، وعلى الاستعداد لغزو أسواق العالم، هي هذيان كبير. المؤسسة البريطانية وممثلوها في حزب المحافظين يعانون من أوهام العظمة المزمنة التي لا أساس لها في الواقع.

سيتم تقويض “العلاقة الخاصة” مع الولايات المتحدة – العلاقة بين الكلب وسيده – مع رئاسة بايدن الجديدة. نتيجة لذلك، لن يكون هناك اتفاق تجاري سريع مع واشنطن. لقد حذر بايدن جونسون بالفعل من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسيهتم أكثر بالتعامل مع أوروبا بشكل مباشر.

كانت هناك صيحات غاضبة وصاخبة من الشركات الكبرى بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن حكومة جونسون رفضت الاستماع إلى مثل هذه الشكاوى من قبل مركز ترويج الواردات وآخرين. في العديد من المناطق، ظل الرؤساء في الظلام – لا سيما فيما يتعلق بالأمور الحيوية لمصالحهم.

لم يكن هناك وضوح بشأن العلاقات التجارية المستقبلية للمملكة المتحدة مع أوروبا. كان رجال الأعمال يشدون شعرهم بينما تنتقل الحكومة من كارثة إلى أخرى. إنهم يعيشون في حالة من الرعب بينما تبحر بريطانيا في هذه المياه العاصفة و تقودهم حكومة تصم أعينها عن احتياجاتهم ومصالحهم.

انشقاقات وانقسامات

من الواضح أن حكومة حزب المحافظين هذه على وشك الارتطام بالأرض بضجة، حيث يعاني الاقتصاد – البعيد عن التعافي – من مزيد من التدهور. الموانئ البريطانية مزدحمة بالفعل، وهذا قبل أن تبدأ الفوضى في 1 يناير 2021.

لقد حدث هذا في أسوأ فترة على الإطلاق. أدت الضغوط والتوترات داخل الحكومة إلى سلسلة من التحولات المفاجئة: من درجات الامتحانات إلى الوجبات المدرسية المجانية.

تتمتع حكومة جونسون بجميع سمات حكومة الأزمة، على الرغم من حصولها على أغلبية مريحة تبلغ 80 مقعداً. حتى أنها اضطرت إلى الاعتماد على أصوات حزب العمال لتمرير بعض تشريعاتها.

الحكومة تتعرض لضربات متتالية من الأحداث. في هذه الأثناء، يعاني حزب المحافظين من انقسامات وانشقاقات، والتي تم التعبير عنها في تكاثر “مجموعات” ضغط جديدة – من مجموعة الأبحاث الأوروبية سيئة السمعة، إلى مجموعة الصين للأبحاث التي تم تشكيلها حديثاً، ومجموعة الأبحاث الشمالية، مجموعة مكافحة الإغلاق.

وبالتالي، فإن هذه الحكومة ستسجل في التاريخ على أنها أقل الحكومات كفاءة واكثرها كرهاً في التاريخ.

الاستقلال الاسكتلندي

إن الحكومة والطبقة الحاكمة مرعوبتان من احتمالات البطالة الجماهيرية والاضطرابات الاجتماعية التي ستنجم عنها. المشقة والاستياء يتصاعدان بالفعل في كل مكان. لن تكون هناك أي “تسوية” بالنسبة للشمال أو لأي مكان آخر. وفي غضون ذلك يواصل أصحاب الملايير وأصدقاء حكومة حزب المحافظين مراكمة الثروات من الأزمة.

هناك خوف وحتى ذعر بين نواب حزب المحافظين فيما يسمى بمقاعد “الجدار الأحمر”، الذين بدأوا يشعرون بالضغط. كما هو متوقع، ستكون هذه المناطق المتروكة هي الأكثر تضرراً على الإطلاق.

يمكننا أن نضيف لمسة أخرى إلى هذا السيناريو: التفكك المحتمل للمملكة المتحدة، مع احتمال انفصال اسكتلندا وحتى شمال أيرلندا.

تؤيد أغلبية ثابتة الآن الاستقلال الاسكتلندي، الذي يحاول المحافظون بشدة منعه. هذا يمكن أن يؤدي إلى وضع على غرار كاتالونيا في اسبانيا.

في مايو، سيحصل الحزب الوطني الاسكتلندي على أغلبية كبيرة من الأصوات والمقاعد في انتخابات هوليرود، التي ستدور حول قضية الاستقلال. إن حكومة حزب المحافظين الشريرة في وستمنستر – مع رئيس وزراء قومي إنجليزي يعتقد أن انتقال السلطة كان “كارثة” – لن يؤدي إلا إلى تكثيف الرغبة في الاستقلال.

لقد تبخرت الأرض الوسطى. لقد توسل أمثال جوردون براون الاسكتلنديين للبقاء داخل الاتحاد. لقد تم تهميش حزب العمال الاسكتلندي، الذي يعارض استفتاء ثانٍ على مغادرة المملكة المتحدة (Indyref2). لقد انهار الإجماع المؤيد للوحدويين. “يسار” حزب العمال جزء من هذا التحالف غير المقدس، الذي يكشف عن عجزه.

سوف يزداد دعم الاستقلال فقط. إذا رفض حزب المحافظين عقد استفتاء جديد، فسوف يزداد الدعم أكثر. هذا يمكن أن يؤدي إلى صدامات دستورية. ستكون الطبقة السائدة يائسة في التمسك بالاتحاد وستفعل كل ما في وسعها لتقويض إرادة الشعب الاسكتلندي.

بصفتنا ماركسيون، نحن ندافع عن حق الأمم في تقرير مصيرها. لكن الاستقلال على أساس الرأسمالية لا يمثل أيضاً حل للمشاكل التي تواجه العمال والشباب في اسكتلندا. بدلاً من ذلك، يجب أن نناضل من أجل فكرة جمهورية العمال الاسكتلندية، المرتبطة بفدرالية اشتراكية لهذه الجزر، والولايات المتحدة الاشتراكية في أوروبا.

هجمات على العمال

في جميع أنحاء بريطانيا، بدأت الاحتكارات والبنوك العملاقة الآن في التخلص من العمالة بمعدل ينذر بالخطر. سيكون لإلغاء نظام الإجازة أثر كبير على الطبقة العاملة.

في غضون ذلك، يتم سحق الشركات الصغيرة وإخراجها من العمل. فقد الكثيرون كل شيء ويكافحون لتغطية نفقاتهم.

وبعد عقد من التخفيضات في قيمة الأجور الحقيقية، من المقرر أن يواجه العمال ضغوطاً أكبر على الأجور في الفترة المقبلة.

صرحت هايدي شيرهولز من معهد السياسة الاقتصادية: “عندما تكون فرص العمل نادرة، كما هي الآن، فإن نفوذ العمال يتلاشى. ببساطة لا يتعين على أصحاب العمل الدفع عندما يعرفون أن العمال ليس لديهم خيارات أخرى.”

يشعر آخرون بالقلق من التأثير على الاقتصاد حيث يتم تقليل الإنفاق، مما يؤدي إلى زيادة تقويض الطلب.

قال ديفيد بيج، الخبير الاقتصادي في شركة Axa Investment Managers “إن الفترة الممتدة من ارتفاع معدلات البطالة والعمالة الناقصة مع وجود جيش من العمال المحبطين ينتظرون على الهامش، يهدد الانتعاش، لأنه سيؤخر نمو الأجور ودخل الأسرة والإنفاق”.

ديون وعجز

أودى الوباء بحياة أكثر من 60 ألف شخص في بريطانيا. على الرغم من التوصل إلي اللقاح، لا يزال كوفيد-19 موجوداً ولم تنته أزمة الوباء. وسوف نشعر بالآثار لفترة طويلة، حيث يتحدث الاقتصاديون البرجوازيون عن “ندوب” الاقتصاد. من المحتمل تماماً أن تكون هناك موجات متكررة من الوباء والمزيد من الإغلاق للاقتصاد.

إن حكومة حزب المحافظين، التي أنفقت مليارات الجنيهات لإنقاذ النظام الرأسمالي، عالقة بين المطرقة والسندان. تم دفع المليارات لشركات الأدوية الخاصة للتوصل إلى لقاح.

كما تم دفع مليارات أخرى للشركات مقابل معدات للوقاية الشخصية اتضح أنها غير فعالة.

كما أجبرت الحكومة على دفع أجور الإجازة ودعم التوظيف. المزيد والمزيد من الناس عاطلين عن العمل ويعيشون على إعانات الدولة. وفي الوقت الذي يرتفع فيه الإنفاق الحكومي، يتراجع فيه الدخل من الإيرادات الضريبية.

من المقرر أن يتضخم عجز الميزانية إلى 400 مليار جنيه إسترليني هذا العام، وهو رقم لم نشهده في وقت السلم من قبل. وبالمقارنة، في عام 2008، بلغ العجز 150 مليار جنيه إسترليني. كان هذا حينها إيذاناً ببدء عقد من التقشف.

ستكون الفترة القادمة أقسى بكثير من أي وقت مضى. ارتفع الدين العام إلى أكثر من 2 تريليون جنيه إسترليني، أي أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي – أي أكثر مما ننتجه في عام كامل. ومن المقرر أن يزداد هذا أكثر في الأشهر المقبلة.

ومن سيدفع ثمن كل هذا؟ كما في السابق، يُطلب من الطبقة العاملة دفع الفاتورة. وبعد عقد من التخفيضات في الأجور، هناك المزيد من التخفيضات في الأجور.

لقد تم بالفعل الإعلان عن تجميد رواتب القطاع العام، باستثناء بعض القطاعات. سيتم تخفيض الخدمات بشكل كبير وستزيد الضرائب – خاصة الضرائب غير المباشرة التي تقع على القطاعات الأكثر فقراً في النهاية.

مع أعمق أزمة منذ 300 عام، لن يكون حجم الهجمات مثل أي شيء رأيناه من قبل. صرح ريشي سوناك أنه يتعين عليه بصفته مستشار حزب المحافظين “موازنة الحسابات”.

ويدعو الاستراتيجيون البرجوازيون إلى تأجيل ذلك على الأقل حتى يعود الاقتصاد للوقوف على قدميه. لكن مثل هذا الانتعاش مستبعد في أي وقت قريب، إن وجد أصلا، خاصة مع عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

في الماضي، اتخذت الحكومات تقليدياً الإجراءات المؤلمة في البداية، من أجل تمهيد الطريق لانتخابات أخرى. لقد جعلت أزمة الوباء هذه الاستراتيجية صعبة الاستخدام. لقد مضى العام الأول بالفعل. السنة الثانية والسنة الثالثة ستكون ضرورية لإصلاح الشؤون المالية. لا يمكن تأخير التقشف أكثر إذا كان لديهم أي أمل في إعادة انتخابهم في عام 2024.

سيحاولون تجنب كلمة “تقشف”. لكن الوردة بأي اسم آخر لها رائحة جيدة. يمكنهم تسميته كما يحلو لهم، لكن الألم سيكون له نفس التأثير.

تخفيضات المجلس

يتمزق النسيج الاجتماعي للمجتمع البريطاني بشكل مطرد. أي فكرة عن “الاستقرار” انتهت بشكل مفاجئ. نحن نواجه عودة إلى ظروف ديكنزية، حيث يضطر الملايين إلى ترك العمل.

15,2 مليون شخص يعيشون بالفعل تحت خط الفقر، والرقم آخذ في الارتفاع. تعيش العائلات دون وجبات لإطعام أطفالها. الملايين معدمون. ستة ملايين في الوقت الحاضر على قائمة الائتمان الشامل.

عندما ينتهي مخطط الإجازة في مارس، ستنضم أعداد كبيرة إلى أولئك الذين تم إلقاؤهم بالفعل في أكوام الخردة. تمت زيادة الفوائد مؤقتاً، ولكن ذلك سيتوقف قريباً. وسيواجه آخرون الإخلاء، وينضمون إلى أولئك الذين أُجبروا بالفعل على النوم في ظروف قاسية في أماكن إقامة مؤقتة أو في الشوارع.

من خلال عقود من التخفيضات والخصخصة، أصبح هناك تراجع كبير في دولة الرفاه. في عام 2010، كان الإنفاق العام 42% من الناتج المحلي الإجمالي، اليوم هو 35%.

تم تخفيض ميزانيات السلطات المحلية. وهم الآن يعتمدون كلياً على الأعمال المحلية وضريبة المجلس على الدخل. مع انخفاض مصادر الدخل هذه، لا سيما في المناطق الأكثر فقراً، تواجه المجالس المحلية الإفلاس. أحدث مثال على ذلك هو كرويدون.

سيتكرر هذا في جميع أنحاء البلاد، مما يؤدي إلى تقليص الخدمات الأساسية وفصل العمال وخفض الأجور وظروف المعيشة.

في مواجهة الأزمة المالية، أقال مجلس حزب العمال، في تاور هامليتس، قواه العاملة وأعاد توظيفهم بشروط أسوء. لقد أصبحت سياسة “التسريح وإعادة التوظيف” منتشرة بشكل متزايد. ينتظر العاملين في مجلس كرويدون مصيرا مماثلا الآن. وكما هو الحال في تاور هامليتس، سيؤدي ذلك إلى تحركات نضالية من جانب القوى العاملة.

أحداث ثورية

في ظل هذه الأزمة على جميع المستويات، فإننا نواجه احتمال حدوث اضطرابات وصراع طبقي غير مسبوق في الأشهر والسنوات المقبلة.

يمكن بسهولة إسقاط حكومة جونسون، التي تغرقها الأزمات والانقسامات. لكن بدلاً من حشد العمال ضد حزب المحافظين وأجندتهم التقشفية، انشغل كير ستارمر واليمين في حزب العمال بمحاولة تطهير الحزب من اليسار.

بأخذ أوامره من المؤسسة الحاكمة، يتطلع “السير” ستارمر إلى جعل حزب العمال “مساعداً آمناً” للشركات الكبيرة. وهذا يفسر سبب عدم امكانية وجود “وحدة” مع اليمين في حزب العمال، الذي يعارض بشكل أساسي كل ما تمثله حركة كوربين – ولماذا يجب أن يكون هناك صراع سياسي لطرد ستارمر واليمين، وتأسيس حزب العمال باعتباره حزب اشتراكي واضح.

في بريطانيا وعلى الصعيد العالمي، ندخل في مرحلة ضبابية. ينفتح أمامنا فصل جديد من الأحداث الثورية. يجب أن نبني بشكل عاجل قوى الماركسية وأن نرتقي إلى مستوى التحديات التي تنتظرنا.