آل سعود : ملكية استبدادية تحتضر

خلال جنازة ولي العهد الأمير سلطان شاهدنا صورة عن وضع ليس فقط ملوك السعودية، بل أيضا معظم الحكام الذين حضروا الجنازة. لقد كان الخوف من الثورة الجماهيرية التي تجتاح المنطقة واضحا في هذا التجمع.

إن تردد الملك العجوز المريض عبد الله وحاشيتة في ترشيح ولي عهد جديد يدل على غياب الثقة بالنفس لدى هؤلاء الحكام الذين يواجهون ثورة الجماهير، وكذلك الانقسامات العميقة والصراعات الشرسة داخل عائلة آل سعود التي تتكون من أكثر 10000 من الأمراء وصغار الامراء الذين يشاركون في نهب الثروات الضخمة للبلاد.

إن الدعم الثابت من قبل الولايات المتحدة والامبريالية الغربية لهذا النظام الاستبدادي هو تفنيد صارخ لادعاءاتهم الدفاع عن "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان". ويبين الصمت الإجرامي من قبل ما يسمى بـ"المجتمع الدولي" والاعلام "الحر" عن الغزو السعودي الوحشي للبحرين قمة النفاق والخداع الذين يتصفون بهما. وعلى كل فإن هذه الدولة الزائفة بنظامها الملكي هي صنيعة القوى الامبريالية بهدف فرض هيمنتها في المنطقة ونهب ثرواتها النفطية. في الواقع لقد خلقت تلك القوى دولا مختلفة، معظمهما مصطنع، في بدايات القرن الماضي. وقد استخدم هؤلاء الحكام الذين تم وضعهم في السلطة هذه الدول الريعية لنهب حصتهم وتمويل حياتهم الفخمة.

لقد جاء في التماس التبعية الذي إرسله ابن سعود، مؤسس السلالة الحاكمة الحالية في المملكة العربية السعودية، إلى س.ا.كيمبال، المقيم البريطاني في منطقة الخليج ما بين 1900 و1904، ما يلي: " فلتبقى أعين الحكومة البريطانية ترعانا وليتم اعتبارنا تحت حمايتكم". بعد معاهدة دارين في عام 1915 مع المبعوث البريطاني السير بيرسي كوكس تحولت منطقة نفوذ ابن سعود إلى محمية بريطانية. وبعد الاستيلاء على الحجاز فى العام 1925 تأسست المملكة بشكل رسمي بدعم من الامبريالية.

وصل الأمريكيون سنوات الثلاثينييات. وصل رجل الاعمال تشارلز كرين ورجل صناعة النفط لويد هاملتون برغبة "الغزو الاميركي" لشبه الجزيرة العربية في العام 1933. لقد تبعت الشركات البريطانية الاستعمار البريطاني، لكن بالنسبة للاميركيين كان الدور لشركات النفط. سعى الساسة والدبلوماسيون الأميركيون في البداية لمحابات الحكام المحليين لكسب المال. وقد امتنع روزفلت عن التدخين خلال اجتماعه مع ابن سعود في 1945، لكن تشرشل المتغطرس لم يمتنع عن القيام بذلك.

تبنى الرئيس ترومان موقف ضمان حماية نظام العائلة المالكة الشيء الذي أعلنه من قبله الرئيس روزوفلت. وقد ساد هذا الموقف حتى اليوم. تنازلت الولايات المتحدة عن ادارة العلاقات مع المملكة العربية السعودية لشركات النفط. في الفترة االواقعة ما بين 1947- 1948 اعتمدت الحكومة الأمريكية على شركة أرامكو (شركة النفط العربية الأمريكية) لتوسيع قسم إدارة العلاقات الحكومية ونقل دبلوماسيين وعملاء من المخابرات المركزية الامريكية لتوظيفهم فيها. تم منح تخفيضات ضريبية تعرف باسم "وسيلة التحايل الذهبي" للمجموعة النفطية. وتم توسيع القاعدة العسكرية الأمريكية الموجودة في مدينة الظهران النفطية. ذهب كبار المسؤولين في وكالة المخابرات المركزية المملكة في عام 1950 لتقديم النصائح للملك بخصوص كل شيء بدءا من استخدام قاتلة الذباب الى استأجار شركة العلاقات العامة هيل آند نولتون. وقد صارت العملية أكثر تطورا الأن.

قام بن سعود وأبنائه الذين اصبحوا ملوكا بتنفيذ ذليل لإملاءات الإمبريالية في الشرق الأوسط وما يسمى بالدول الاسلامية. عندما برزت القومية العربية المعادية للامبريالية خلال الخمسينيات والستينيات وكانت التيارات اليسارية تتطور لعب النظام السعودي دورا معاديا للثورة. عارض السعوديون عبد الناصر في مصر والحكومات اليسارية التي جاءت الى السلطة في سوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى. استخدموا أموالهم لدعم الإسلام الوهابي، الممهد للاصولية المعاصرة، من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا إلى شبه القارة الاسيوية.; ضخوا الأموال داخل منظمة التحرير الفلسطينية للحد من قوة اليسار داخل الحركة الفلسطينية.

حاول هذا النظام الملكي تطوير هيمنته الاستعمارية الخاصة به في جميع أنحاء المنطقة. جاء في كتاب سعيد ك. ابو ريش، بيت آل سعود، ما يلي: "الإجراءات السعودية في العالم المسلم تتبع الخط ذاته. لقد أيدت الباكستان طالما أنها كانت تتبع الخط السعودي ولم تحاول التصرف باستقلالية ولعب دور قيادي. رفض الرئيس الباكستاني علي بوتو متابعة هذه الصيغة أدى الى تقديم السعودية الأموال لجيشه ووعود بأكثر من ذلك للإطاحة به. "

داخليا ربما هو النظام الأكثر وحشية على هذا الكوكب. فقطع الرؤوس، وبتر الأطراف، والإعدام دون محاكمة أمور تجري حتى يومنا هذا. يمكن أن يتخذ القضاء على المعارضين أشكالا بشعة. فقد أمر الملك فيصل بأن يتم رمي 29 ضباطا، اشتبه في اشتراكهم في مؤامرة، من الطائرات دون مظلات. المهام الوظيفية لملك المملكة العربية السعودية هي كالتالي في الترتيب من حيث الأهمية: رب أسرة آل سعود، رئيس مجلس الوزراء والرئيس التنفيذي للحكومة المركزية، الإمام الديني الاعلى، خادم الحرمين، القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس القضاء الأعلى. لا توجد أي سلطة حقيقية تنفيذية أو تشريعية أو قضائية تناقش قراراته.

إن هؤلاء الملوك أيضا سيئو السمعة بسبب أنماط حياتهم المليئة بالمتعة. ووفقا لمجلة شتيرن الالمانية، خسر الملك فهد بن عبد العزيز حوالي 20 مليون دولار في ليلة واحدة في مونتي كارلو. وبصرف النظر عن القصور العديدة على الأرض، لديه قصره الطائر، وهو من طراز بوينغ 747 مزود بساونا، مصعد، ثريات وتجهيزات حمام ذهبية، ويخته الفخم بقيمة 50 مليون دولار. ووفقا لصحفي عربي فأن لدى 42 من أبناء بن سعود أكثر من 1400 زوجة.

ظروف عيش الجماهير مروعة، وخاصة بالنسبة للملايين من العمال المهاجرين من باكستان ودول آسيوية أخرى. الأثرياء الجدد السعوديون الجشعون المستوردون للعمال يتاجرون بلا رحمة في السلع الإنسانية حيث يبيعوهم لاحقا لتجار اخرين. لا يمكن للعمال تغيير عملهم من دون موافقة صاحب العمل الذي استوردهم. يقتطع منهم هؤلاء التجار ما يصل الى 50 ٪ من رواتبهم فقط للحصول على التأشيرات. وهؤلاء العمال الذين ينامون في حاويات الشحن المهملة ليست لديهم تغطية للضمان الاجتماعي. ترحيل العامل المريض رهين بقرار رب عمله. أما النساء فهن يتعرضن للاضطهاد بطرق قروسطوية. ومثل ملاكي العبيد فإن قسوة اصحاب العمل هؤلاء تصل الى أقصى الحدود.

جاءت أولى الانتفاضات السياسية من قبل عمال النفط في شركة أرامكو في الظهران خلال الخمسينات. واندلع عدد لا يحصى من الاضرابات والاحتجاجات التي لم تذكر في وسائل الإعلام منذ ذلك الحين. معظم تلك الإضرابات اغرقت في الدم. حاليا صار النمو الاقتصادي وقطاع الاسكان يتراجعان بسرعة. ويشكل الإنفاق العسكري والإنفاق على رفاهية آل سعود عبئا هائلا على الاقتصاد. هناك عجز في الميزانية لسنوات على الرغم من ارتفاع عائدات النفط. والبطالة في تزايد سريع.

قلائل هم من توقعوا الثورات في مصر وتونس. سيؤدي الانفجار الثوري في المملكة السعودية الى سحق النظام الملكي الاستبدادي والنظام الرأسمالي الذي هو هناك للمحافظة عليه. وعلى هذا الأساس سيتم كسر القبضة الامبريالية على هذه المنطقة.