المغرب: أغنية عاش الشعب بشير الثورة المغربية القادمة

“فجأة” وبدون مقدمات، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي أغنية راب لثلاثة شبان، كانوا مغمورين حتى تلك اللحظة، فحققت ملايين المشاهدات في وقت قياسي جدا. لقد تمكنت الأغنية، التي عنوانها “عاش الشعب”، من أن تحتل المرتبة الأولى على قائمة أكثر الفيديوهات المغربية مشاهدة على يوتوب، وهو الأمر غير المسبوق في تاريخ الأغنيات المعارضة، حيث كان ذلك المكان محتكرا دائما من طرف فيديوهات التفاهة والأغاني المنحطة الرديئة.

[Source]

إنها أغنية لثلاثة شبان من الهامش، (الكناوي، ولد الكرية، لزعر)، قادمون من أعماق الأحياء الشعبية، بكل ما تخلفه من ندوب جسدية ونفسية. ثلاثة شباب مثلوا بطريقة لبسهم وتسريحة شعرهم ولغتهم أغلبية الشباب المغربي الكادح. وقد جاءت تلك الأغنية تتحدث باسم كل الفئات الشعبية المقهورة: باسم المغربي الذي أتى بالاستقلال ولم يشعر بنتائجه، وباسم الأم التي مات أبناؤها في البحر والمواطن المقهور والمجاز المعطل والمتعاقد المنبوذ والموظف الصغير الغارق في الديون وباسم المعتقلين السياسيين، الخ قبل أن تردد لازمة: عاش الشعب وعاش اللي درويش، يا مَّا راني ساخط كيف بغيتيني ماندويش (يا أمي إني ساخط كيف تريدينني ألا أتكلم). ثم تستمر الأغنية بمثل هذه الوتيرة لتعبر عن الوضع المأساوي الذي يعيشه الشباب من فقر وظلم وبطالة… لذلك فقد رأى فيها ملايين الشباب صوتهم وتعبيرا عنهم ورأوا في الشباب الثلاثة ممثلين شرعيين لهم.

وإذا كانت هذه الأغنية، التي مدتها خمسة دقائق، تشكل قطيعة مع تلك الصورة النمطية التي استطاع الاعلام تكريسها عن مغني الراب بكونه ابن الطبقة الوسطى المدلل الذي يستعمل الآلات الموسيقية (التي اشتراها له السيد بابا والسيدة ماما خلال عيد ميلاده) لكي يعلن تمرده على السلطة الأبوية أو يسب الجماهير التي لا تستحق تضحياته أو يتوعد حبيبته الخائنة التي تركته لكي تركب سيارة صديقه…

كما أنها تشكل قطيعة مع تلك الأغاني التي تنتقد مقدم الحي وضابط الشرطة وقائد المقاطعة، وتبعث رسالة إلى “صاحب الجلالة” لكي يرى أن المحيطين به سيئون. إذ جاءت الأغنية واضحة مباشرة بكلمات مثل الرصاص. فلم تنشغل حتى بانتقاد الحكومة، بل اتجهت مباشرة نحو الملك محمد السادس بكلمات مثل: اللي حامينا حرامينا، وأمير المدمنين لابس سلهام الاسلام، وكلبنا سادسنا حاكمنا ظالمنا، الخ.

فإنها تأتي في نفس سياق الأغاني والأهازيج التي يرددها الشباب في مدرجات ملاعب كرة القدم، كأغنية في بلادي ظلموني لمشجعي فريق الرجاء البيضاوي وأغنية “هادي بلاد الحكرة” لمشجعي فريق اتحاد طنجة وأغنية “القهر والظلام” لألتراس بلاك أرمي، وعشرات الأغاني الأخرى التي كلها تحد وغضب وتعبير عن الرغبة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

تسبب نجاح هذه الأغنية في خلق موجة من الخوف بين صفوف الأجهزة الأمنية ومختلف المدافعين عن النظام وأقلامه المأجورة. تحركوا في ارتباك مثير للسخرية، فقام البوليس باعتقال أحد الشباب المشاركين في الأغنية (الكناوي)، كما حاولوا في البداية إلقاء القبض على الشابين الآخرين اللذين اضطرا إلى الاختفاء. لكن وأمام التضامن الشعبي الكبير مع أعضاء الفرقة، الذي ظهرت أولى بشائره في ملاعب كرة القدم، حيث تغنى آلاف الشباب بكلمات “عاش الشعب”، تراجعت الأجهزة عن محاولة اعتقال الشابين الآخرين، وأعلنت أنها لا تبحث عنهما، وأن متابعة الكناوي لا علاقة لها بأغنية عاش الشعب، بل إنه يتابع بتهمة “سب هيئة منظمة”!!

هنا جاء دور الأقلام المأجورة في الصحافة “المستقلة”، التي وجهت لها الأوامر لكي تقوم بمهمتها في تشويه صورة هؤلاء الشباب باتهامهم بأنهم مجرد “شمكارة” و”حشاشين” الخ، لكن ولسوء حظ النظام فإن تلك الحملة وتلك التهم لم تزد الأغنية إلا شهرة وانتشارا.

وأخيرا تحركت الحكومة بدورها، وقد جاء تحركها مثيرا للسخرية. صرح، وزير حقوق الانسان، مصطفى الرميد، إن كلمات الأغنية “مقززة ومستفزة ومسيئة لمؤسسات الدولة”، مما يعبر عن حجم الألم الذي سببته له، كما صرح الناطق باسم الحكومة، الحسن عبيابة، إن الحكومة قررت “منع الأنشطة الفنية التي تتضمن أغاني الراب” (اقرأ: فقط تلك التي تنتقد الأوضاع، أما الأخرى فمرحب بها طبعا). مما يجعلنا نتحرق شوقا لكي نعرف كيف سيتمكن عبد سيده العبيابة من منع تلك الأغاني التي تزعجه!

لا يمكن للطبقة السائدة ودولتها أن يروا الأسباب العميقة لهذا السخط الموجود في المجتمع، لذا فهم يفسرونه بأنه نتاج للمؤامرات والنيات السيئة، وأنه يمكن التخلص منها ومن أصحابها بالقمع أو السجن أو الاحتواء، الخ. إنهم في الواقع ليسوا أغبياء بالضرورة (رغم أنه يوجد الكثير من الأغبياء بينهم) لكن نظرتهم إلى الواقع محكومة بموقعهم الطبقي. إنهم يعتبرون أن نظامهم هو أفضل الأنظمة الممكنة، وعالمهم هو أفضل العوالم الممكنة (كيف لا وهم يتمتعون في ظله بكل ما يريدونه وأكثر)، وأن كل مظاهر الفقر والبطالة والقهر، الخ أمور طبيعية وعادية، وغالبا ما يحمِّلون الضحايا المسؤولية فيها، فالعاطلون والفقراء هم كذلك لأنهم أغبياء وكسالى، الخ. لذلك فإنهم لا يرون في أغاني مشجعي كرة القدم سوى شغب و”قلة الحيا”، ولا يرون في أغنية عاش الشعب سوى نزوة بعض “الشماكرية والحشاشين” وما إلى ذلك.

لكن الأسباب الحقيقية لرواج هذه الأغنية هي الأوضاع المعيشية البئيسة التي يعيشها أغلبية الشباب المغربي، مع البطالة والفقر والتهميش والقمع. إنها الأوضاع التي سبق للمندوبية السامية للتخطيط نفسها أن أكدت مأساويتها عندما فضحت أن مليون و685 ألف شاب مغربي، ممن تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، أي حوالي 25%، هم عاطلون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين. كما أكد عليها تقرير للأمم المتحدة، حين أشار إلى أن 60% من المغاربة يعيشون في حالة فقر وتهميش في أتعس حالاته، مما يجعل منه أحد أفقر بلدان افريقيا، إلى جانب زمبابوي ومالي والصومال والغابون

النتيجة ملايين الشباب الفقراء المهمشين المحرومين من أبسط الحقوق، التعساء الغاضبون والذين يريدون التغيير الآن فورا، وعندما لا يجدون أي وسيلة للتعبير عن هذه الرغبة يدمرون ذواتهم بالمخدرات ويحاولون ركوب قوارب الموت وينتحرون… لكنهم سيستمرون في البحث عن مخرج لأوضاعهم وسيستقبلون كل خطاب جريء صادق بحماس كبير. لذا فإنه حتى إن تمكن النظام من قمع هؤلاء الشباب الثلاثة، أو أجبرهم على الصمت أو الهجرة (كما سبق أن فعل مع آخرين مثل الحاقد) فإن كثيرا من الأغاني والشعارات وأشكال الاحتجاج الأخرى ستستمر في الخروج إلى السطح تباعا، لتعبر عن السخط العميق الذي يغلي تحت السطح وينتظر فقط الفرصة لكي ينفجر على شكل حركة شبابية ثورية عظيمة.

أغنية “عاش الشعب” مؤشر لوصول الغليان بين الشباب إلى مستويات مبشرة بنهوض ثوري قريب، سيحتل فيه الشباب الطليعة بمطالبهم وشعاراتهم وأغانيهم. إن الثورة المغربية قادمة، هذا هو المنظور الذي يجب علينا الاستعداد له. ومطالب هؤلاء الشباب: التعليم الجيد والعمل الكريم والحرية والرفاه، مطالب ثورية بطبيعتها لا يمكن للرأسمالية ونظامها الدكتاتوري توفيرها. ليس عند هذا النظام الرأسمالي الدكتاتوري المفلس ما يقدمه لهؤلاء الملايين من الشباب سوى المزيد من الفقر والبطالة والقمع، لذا فإنهم قاعدة دعم حقيقية لليسار الثوري، وإليهم ينبغي أن يتوجه بخطابه وبرنامجه وجهوده، في كل أماكن تواجدهم: في الأحياء العمالية والجامعات وأماكن العمل، ويقنعهم بأن مشروع الطبقة العاملة، المشروع الاشتراكي الثوري، هو وحده القادر على القضاء على الفقر والبطالة والإقصاء الاجتماعي من جذورها وبناء مغرب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

  • عاش الشعب!
  • فليسقط النظام الرأسمالي الدكتاتوري!
  • من أجل مغرب اشتراكي حر وديمقراطي!