البلشفية طريق الثورة الفصل الخامس: سنوات الحرب بداية المد

أشار تروتسكي ذات مرة أن النظرية هي تفوق التبصر على الدهشة. وهذا ما نجده عند لينين الذي أكدت الأحداث صحة توقعه، إذ أن الهزائم العسكرية الروسية أعطت الثورة قوة دفع عظيمة. في بداية الحرب كان لينين معزولا بشكل كامل. لم يكن العديد من رفاقه المقربين أنفسهم يشاركونه آرائه بشأن الحرب. لكن الأمور صارت مختلفة الآن. إذ أن الأحداث بدأت تثبت أخيرا أنه على حق. كانت نقطة التحول ربما في أبريل- يونيو 1915. وصارت رسائله تعكس ثقة وتفاؤلا جديدين:

[Source]

«لقد أكدت الأحداث في روسيا بشكل كامل موقفنا، الذي أطلق عليه حمير الاشتراكية الوطنية (من أليكسينسكي إلى تشخيدزه) اسم الانهزامية. لقد أثبتت الوقائع أننا على صواب!! تساعد الانتكاسات العسكرية في هـز أسس القيصرية، وتسهيل التحالف بين العمال الثوريين في روسيا والبلدان الأخرى. يقول البعض: "ما الذي ستفعلونه، إذا تمكنتم أيها الثوريون من هزم النظام القيصري؟". أجيبهم: (1) سيشعل انتصارنا لهيب حركة "اليسار" في ألمانيا مائة ضعف؛ (2) إذا هزمنا النظام القيصري بالكامل، سنقترح السلام على جميع القوى المتحاربة بشروط ديمقراطية، وإذا تم رفض ذلك سنخوضحربا ثورية».[1]

كان فساد النظام واضحا على جميع المستويات، في القضاء والجيش والاقتصاد. وكانت هناك علاقة حميمة بين الحكومة وبين شركات صناعة الأسلحة.

«تلقى مصنع بوتيلوف الضخم، على سبيل المثال، طلبات قذائف بقيمة 113 مليون روبل –أي أكثر بكثير مما كان يمكنه تسليمه في الوقت المحدد- وذلك بسعر أعلى بستة أضعاف من متوسط سعر السوق. استخدم بوتيلوف تلك الأموال لدعم مشاريعه التي كانت تعاني من صعوبات، والاستمرار في أسلوب حياته الرائع، إلى أن أفلست شركته في نهاية المطاف واضطرت الدولة إلى تصفيتها في عام 1916».[2]

لذلك رد لينين بسخرية على شكاوى المسالمين الحزينة: «هل الحرب شيء "رهيب "؟ نعم، بالتأكيد. لكنها شيء مربح للغاية».[3]

لقد جلبت الحرب ارتفاع الأسعار ونقص الخبز والمضاربات والسوق السوداء. حققت الشركات المصنعة للأسلحة أرباحا هائلة. وقد أدت الظروف القاسية التي كانت تعيشها الجماهير إلى اندلاع موجة من الإضرابات. في عام 1915 كان هناك 1063 إضراب، أي 15 مرة أكثر مما كان عليه الحال خلال النصف الثاني من عام 1914 (أي الأشهر الستة الأولى من الحرب). وبلغ عدد المضربين 569.999 مضرب، أي أكثر بـ 15 مرة. أثرت الإضرابات بشكل خاص على المصانع الكبيرة. كما شهدت حركة الإضرابات صعودا متواصلا خلال الفترة الممتدة من أبريل إلى يونيو 1915. ففي هذه الأشهر الثلاثة وحدها كان هناك 440 إضرابا بمشاركة 181.600 مضرب، أي ضعف العدد الذي سجل خلال الشهور الثمانية السابقة للحرب. كان الرسم البياني المتصاعد لحركة الإضراب بمثابة تحذير للنظام بأن صبر الطبقة العاملة قد بلغ حدوده. وقد لعب عمال الغزل والنسيج في مصنع إيفانوفو فوزنيسك وكوستروما دورا رئيسيا في ذلك. إذ كانوا أول من تحرك.

وعلى الرغم من كل شيء فقد حققت تلك الإضرابات بعض الانتصارات. في يوليوز تمكن البلاشفة من عقد كونفرانس لمنظمة بتروغراد في أورانينباوم، بمشاركة 50 مندوبا يمثلون 500 عضو. كان هذا إنجازا كبيرا في ظل تلك الظروف. كان هناك أيضا كونفرانس في كييف. وتدريجيا بدأت الاتصالات بين المدن تتحسن. وفر إطلاق الشرطة النار على عمال إيفانوفو فوزنيسينك الأساس للدعوة إلى إضراب سياسي عام لعمال النسيج. بدأ هذا في 08 غشت، وانطلق في البداية بمطالب اقتصادية. في ليلة 10 غشت تم اعتقال 19 من قادة العمال. وفي اليوم الموالي شارك أكثر من 25.000 عامل من 32 مصنعا في مظاهرة احتجاجية. وعندما وصل العمال أمام السجن، للمطالبة بالإفراج عن رفاقهم المعتقلين، فتحت القوات النار عليهم، مما أسفر عن مقتل 100 شخص وإصابة 40 آخرين. وكان من بين القتلى أعضاء في الحزب البلشفي. لكن لم يكن في مقدور الرصاص أن يوقف الحركة. لقد كانت، مثل وحش هيدرا، كلما تمكن النظام من قطع أحد رؤوسه ينمو آخر في مكانه. كما اندلعت إضرابات في مناطق أخرى: في بيترسبورغ وتفير وتولا وخاركوف ونيجني نوفغورود ويكاترينوسلاف، وغيرها من المناطق. لقد أعلنت عاصفة الإضرابات عن استيقاظ البروليتاريا.

واصل منحنى الإضراب مساره التصاعدي. فمن غشت إلى أكتوبر 1915 كان هناك حسب المعطيات الرسمية، 340 إضرابا، بمشاركة 246.000 مضرب. لعب المناضلون العماليون البلاشفة دورا رئيسيا في الحركة، بعد أن تدربوا في مدرسة النضال خلال الفترة ما بين 1912 و1914. وبالتالي فإن دروس التاريخ لا تضيع سدى. فعلى الرغم من الحرب وعلى الرغم من اعتقال ونفي القادة وعلى الرغم من تعطل هياكل الحزب وتقلص منظماته إلى الحد الأدنى، وعلى الرغم من كل شيء آخر، فقد بقي هناك شيء ما. كان ذلك "الشيء" هو الوعي الثوري الذي تشربته البروليتاريا من تجاربها السابقة واستمر من خلال فئاتها الأكثر نشاطا وتطورا التي كانت تقضي وقتها في العمل بصبر في انتظار أيام أفضل. والآن، بعد إحساسهم بتغير مزاج العمال، عاد هؤلاء المناضلون -وأغلبهم من البلاشفة- مرة أخرى للظهور في مقدمة الصفوف. لعب أنصار الدفاع عن الوطن دور كاسري الإضرابات مما أدى إلى تزايد الرفض ضدهم في المصانع. وقد أصدر عمال العديد من المصانع قرارات تطالب بعزل ممثليهم من لجان مصانع الحرب.

شارك في إضراب شتنبر في بتروغراد 150 ألف عامل، احتجاجا على اعتقال 30 عاملا بلشفيا من عمال مصنع بوتيلوف. كانت هناك أيضا إضرابات أخرى في موسكو وغيرها. تحركت الجماهير وتذكرت الشعارات القديمة، التي لم تعد، منذ صيف 1914 المشؤوم، تسمع في المصانع إلا بصوت خافت، فإذا بها صارت الآن على كل الشفاه مجددا. وهي تلك الشعارات التي أصبحت معروفة باسم: "حيتان لينين الثلاث"، أي: «من أجل جمهورية ديمقراطية! من أجل مصادرة كل أراضي الملاكين العقاريين! من أجل يوم عمل من ثماني ساعات!»، كما رفعوا ضد المذبحة العالمية شعار: "التضامن الأممي للطبقة العاملة العالمية!" و"لتسقط الحرب!" و"الخزي لكل المسؤولين عنها!".

في ماي 1915، انتقلت البرجوازية إلى تشكيل "لجان الصناعة الحربية" (VPK)، وذلك جزئيا لمحاولة تحقيق بعض السيطرة على صناعات الحرب المربحة، وفي نفس الوقت تقديم أوراق اعتمادها باعتبارها المنقذ المحتمل لروسيا، على أمل الفوز بتنازلات من القيصر. وكجزء من هذا التكتيك حاولت إشراك العمال في المجهود الحربي وزيادة الإنتاج.

قال كيرنسكي: «في ماي 1915، تم عقد لقاء للتجارة والصناعة لعموم روسيا بمبادرة من كبار رجال الصناعة ورجال الأعمال في موسكو، دون إشعار مسبق للحكومة. كان الهدف الرئيسي لهذا الاجتماع هو إنشاء لجنة مركزية للصناعات الحربية وعدد من الهياكل الفرعية التابعة لها. لقد تمت تعبئة كل القطاع الصناعي من أجل إرسال الذخيرة والملابس والمعدات فورا إلى الجبهة. وأصبحت كل القوى الحية في روسيا نشطة في هذه القضية».[4]

وفي يونيو 1915، تقرر في مؤتمر لهذه اللجان تشكيل "مجموعات عمالية". نرى هنا مرة أخرى الفرق الموجود بين البلشفية والمنشفية. لقد أعاد المناشفة مرة أخرى إحياء فكرة "مؤتمر عمالي"، محاولين العمل في ظروف "قانونية" في زمن الحرب. إن هذا الموقف يظهر، أكثر من أي شيء آخر، مدى انفصال هؤلاء القادة "الواقعيين" عن الواقع. ففي ظل ظروف الحرب لم يكن النظام القيصري مستعدا لأي تساهل مع المنظمات الحقيقية للطبقة العاملة.

لقد تبنى المناشفة والاشتراكيون الثوريون موقف المشاركة في تلك اللجان، وقالوا بديماغوجية إنها تمثل "الرقابة العمالية" ويمكن استخدامها للدفاع عن مصالح العمال ضد رأس المال. شبهوها بالسوفييتات، متناسين عن قصد حقيقة أن السوفييتات الحقيقية هي أدوات للنضال وليست نوادي للثرثرة تهدف إلى تحقيق التوفيق بين الطبقات. وفي هذا السياق قال لينين:

«يجب اعتبار سوفييتات نواب العمال والمنظمات المماثلة أجهزة للانتفاضة، أجهزة للحكم الثوري. لا يمكن لهذه المنظمات أن تكون ذات قيمة دائمة إلا بارتباط مع تطور إضراب سياسي جماهيري وانتفاضة، وبدرجة التحضير لهذه الأخيرة وتطورها ونجاحها».

لقد عارض البلاشفة بشكل جذري المشاركة في تلك اللجان، والتي كانت منظمات للبرجوازية أنشئت لمساعدة المجهود الحربي الإمبريالي. لكن هذه المسألة كانت تتضمن العديد من الأسئلة التكتيكية المعقدة والتي لا يمكن اختزالها ببساطة في موقف سلبي. أوضح لينين أنه في ظل الحاجة إلى الاستفادة من كل فرصة للعمل الشرعي، سيكون من الصحيح المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات لتلك اللجان، وذلك فقط من أجل غرض التحريض والدعاية وبناء المنظمة، وقال:

«نحن نعارض المشاركة في لجان الصناعات الحربية، التي تساعد في أعمال الحرب الإمبريالية والرجعية. لكننا نؤيد استخدام الحملة الانتخابية؛ نحن، على سبيل المثال، مع المشاركة في المرحلة الأولى من الانتخابات لغرض وحيد هو التحريض والتنظيم».[5]

دعت لجنة بتروغراد العمال إلى المشاركة بكثافة في الجولة الأولى من الانتخابات، وعقدت اجتماعات في المصانع حيث كانت تعمل على شرح موقف الحزب بشكل واضح وعلني ومحاولة انتخاب أعضائه من أجل الذهاب إلى الاجتماع على مستوى المدينة. وهناك ينبغي عليهم قراءة خطاب يدين الحرب ويدعو إلى مقاطعة لجان الصناعة الحربية. ومن أجل إجراء انتخابات لجان الصناعة الحربية، اضطر النظام بالفعل إلى السماح بعقد اجتماعات جماهيرية مفتوحة في المصانع. لكنه لم يسمح سوى للمصانع التي يزيد عددها عن 500 شخص بالمشاركة في الانتخابات. وقد شارك البلاشفة، الذين كانت قاعدتهم الرئيسية في المصانع الكبرى، بشكل نشيط فيها، كما ناضل البلاشفة والمناشفة من أجل التأثير في تلك الحملات الانتخابية، وحملوا رسائلهم المختلفة إلى الجماهير. تم انتخاب بعض المناشفة، لكن البلاشفة كانوا هم المستفيد الرئيسي. كان لينين سعيدا بالفوز الذي اعتبره مهما جدا. وبعد نجاح البلاشفة في الحملة الانتخابية، طالب البرجوازي غوزفيديف بغضب بإجراء انتخابات جديدة، وهو المطلب الذي دعمه التصفويون بكل سرور.

تميزت الجولة الثانية من الانتخابات بسيادة الإرهاب البوليسي. كانت الحكومة مصممة على عدم السماح بتكرار ما حدث واتخذت الاحتياطات اللازمة للقبض على البلاشفة البارزين. وفي ظل تلك الظروف، نظم البلاشفة - الذين كانوا في "كتلة يسارية" مع الجناح اليساري للاشتراكيين الثوريين- اجتماعات في المصانع لإدانة الخونة وأعلنوا انسحابهم. كانت هناك اجتماعات احتجاجية في عدد من المصانع. وبعد تجربة بتروغراد لم تكرر الحكومة خطأها في انتخابات موسكو، حيث نظمت غارات بوليسية ضخمة. لكن ومع ذلك فإن حملة دعاة الدفاع عن الوطن لم تكن ناجحة. فمن بين ما مجموعه 244 لجنة للصناعة الحربية، لم يتم تشكيل "مجموعات عمالية" إلا في 58 لجنة فقط، كان معظمها في مصانع صغيرة متخلفة. أما في المراكز العمالية الرئيسية فقد انتصر تكتيك المقاطعة النشطة. كتب رئيس الأوخرانا في موسكو في تقريره قائلا:

«إن جميع مبادرات هذه المجموعة تعاني حرفيا تقريبا من التخريب بسبب الموقف العدائي تجاهها من جانب الأغلبية الساحقة من العمال المتأثرين بالبلاشفة».[6]

طيلة الحرب واجه البلاشفة داخل روسيا ظروفا صعبة للغاية. وعلى النقيض من ذلك تمتع المناشفة اليمينيون (أنصار نزعة الدفاع عن الوطن) بمكانة متميزة بسبب انتهازيتهم واستعدادهم لإخضاع مصالح العمال للبرجوازية. وعلى الرغم من أن البلاشفة كانوا يتمتعون بالدعم بين العمال الأكثر نشاطا ووعيا، فإن أنصار نزعة الدفاع عن الوطن استفادوا من وضعهم القانوني. وبالإضافة إلى امتلاكهم لممثلين عنهم في لجان الصناعة الحربية، فقد كانوا يحصلون على أموال كثيرة من أصدقائهم الليبراليين، وكانت لديهم صحف قانونية ديلو (القضية) وإيكونوميشسكو أوبوزريني (الصحيفة الاقتصادية). بل إن "مجموعة العمل" التابعة لهم كان لها مقر في أحد الشوارع الرئيسية في بيترسبورغ، حيث كان في إمكانهم الاجتماع بحرية وتلقي تقارير من مجلس الدوما من تشخيدزه وكيرنسكي. كانت تلك الاجتماعات القانونية تعرف حضورا مهما، وقد اعتاد البلاشفة على حضورها من أجل فضح سياسات أنصار نزعة الدفاع عن الوطن، الشيء الذي أدى، في مناسبة واحدة على الأقل، إلى اعتقال "الضيف" الثقيل. ومع ذلك فقد كانت السلطات القيصرية تشك فيهم، وفي النهاية، فقد طال القمع مجموعة العمل أيضا، على الرغم من نزعتها الوطنية.

إن هذه الصعوبات الموضوعية جعلت من الضروري والصحيح محاولة التوصل إلى اتفاقات عمل مع التيارات الأخرى داخل الحركة العمالية. لقد حاول البلاشفة تشكيل جبهة موحدة مع تلك الجماعات الاشتراكية الديمقراطية التي كانت تدافع عن موقف أممي. خلال الحرب شارك المكتب البلشفي في عدة مناسبات في مفاوضات مع التيارات العمالية الأخرى في بتروغراد، ولا سيما مع اللجنة المشتركة لما بين المقاطعات (Mezhraiontsy) التي، كما يقول شليابنيكوف، لم يكن يمكن تمييزها سياسيا عن البلاشفة، لكنها رغم ذلك بقيت تتمسك بعناد بموقف "غير تكتلي"، حال بينها وبين الاتحاد مع البلاشفة[7]. وبحلول دجنبر 1916، كانت هناك اتصالات وثيقة للغاية بالفعل بين البلاشفة وبين أعضاء لجنة ميزرايونتسي، الذين أقنعهم تروتسكي، في صيف عام 1917، بالانضمام إلى البلاشفة. في الواقع كان هناك دائما عدد كبير من العمال الاشتراكيين الديمقراطيين -أفرادا وجماعات- الذين لم ينضموا رسميا لا إلى البلاشفة ولا إلى المناشفة. أدت الصعوبات الهائلة خلال سنوات الحرب وضعف التنظيم المركزي للحزب، إلى وضع بقيت فيه العديد من المجموعات المحلية في عزلة. وفي هذا السياق كتب شليابنيكوف:

«لقد تواجدت في بيترسبرغ مجموعات كثيرة من الاشتراكيين الديمقراطيين الذين لم تكن لهم أي صلة دائمة مع منظمة المدينة. وقد بقيت العديد من تلك الحلقات منغلقة ومعزولة بسبب خوفها من تسلل المخبرين».[8]

لم تكن محاولة تشكيل جبهة موحدة مقتصرة على لجنة ميزرايونتسي. فقد كانت هناك أيضا مقترحات من البلاشفة لإقامة جبهة موحدة مع المناشفة اليساريين ("مجموعة المبادرة") كما قدموا اقتراح اتفاقات عملية لليسار المعارض لنزعة الدفاع عن الوطن، والذي كان يمثله تشخيدزه، الزعيم اليساري لمجموعة المناشفة في مجلس الدوما، وحتى لكيرنسكي زعيم مجموعة الترودوفيك في مجلس الدوما. كان هذا الأخير قد سمى نفسه في ذلك الوقت أمميا ومؤيدا لمقررات مؤتمر زيمروالد (!). لكنهم رفضوا القطع مع الإصلاحيين اليمينيين أنصار نزعة الدفاع عن الوطن. لقد كانوا مهوسين بفكرة العمل البرلماني، وكانوا، قبل كل شيء، يخشون الانفصال عن البرجوازية الليبرالية. وفي العمق كانوا جميعهم يخشون من الحركة الجماهيرية مثلما يخشون الطاعون.

إن محاولة تأمين اتفاقات عملية أو تشكيل تكتلات عرضية من أجل أهداف محددة لا تعني على الإطلاق إخفاء الاختلافات، بل على العكس تماما. إن الشرط المسبق لتكتيك الجبهة الموحدة هو الحرية الكاملة في النقد. لقد تعامل لينين باحتقار مبرر مع الفكرة القائلة بأن الوحدة تعني خلط البرامج والرايات. وفي مقاله "هزيمة روسيا والأزمة الثورية"، الذي كتبه في نوفمبر 1915، قال:

«لا يوجد ما هو أكثر صبيانية وخطورة وضررا من الفكرة السائدة حاليا بين الانتهازيين، التي تقول إنه ينبغي "نسيان" الاختلافات "لأجل" توحيد العمل المشترك على مشارف الثورة الوشيكة. إن هؤلاء الذين لم تعلمهم تجربة العقد الممتد من 1905 إلى 1914 حماقة هذه الفكرة هم أناس ميؤوس منهم من الناحية الثورية».[9]

لم تكن سياسة لينين تتمثل في اللعب بشعار الوحدة، بل النضال العلني المفتوح من أجل قيادة الطبقة العاملة.

هوامش:

1: LCW, To A.G. Shlyapnikov, 23/8/1915, vol. 35, pp. 204-5.

2: O. Figes, A People’s Tragedy: The Russian Revolution 1891-1924, p. 273.

3: LCW, May Day and the War, 1915, vol. 36, p. 325.

4: A. Kerensky, The Kerensky Memoirs: Russia and History’s Turning Point, p. 136.

5: LCW, Several Theses, vol. 21, p. 401 and p. 402.

6: Istoriya KPSS, vol. 2, p. 581.

7: A. Shlyapnikov, On the Eve of 1917, p. 164.

8: Ibid., p. 152.

9: LCW, The Defeat of Russia and the Revolutionary Crisis, vol. 21, p. 379.