من أجل تصحيح بوصلة الثورة السودانية

توصلنا بهذا المقال الهام من طرف الرفيق محمد حسام، المناضل الماركسي الثوري من مصر، ونحن إذ ننشره نؤكد على رفضنا للتسوية التي تم التوقيع عليها مؤخرا لتقاسم السلطة بين المجلس العسكري الانتقالي وبين قوى الحرية والتغيير، وأن لا بديل أمام الجماهير السودانية الا الوثوق في قوتها الذاتية عبر منظماتها وأجهزتها التي أحدثتها خلال هذه الثورة.

[Source]

الثورة السودانية أمام مفترق طرق، فإما نصر كامل أو هزيمة كاملة. إن الشعار الذي صدحت به حناجر الجماهير الجزائرية والسودانية "إما النصر وإما مصر" هو الشعار المناسب والأكثر تعبيراً عن تلك النقطة المفصلية التي تقف أمامها الثورة السودانية اليوم.

الجماهير السودانية أثبتت للمرة المائة في مليونية الثلاثين من يونيو أنها قادرة على إسقاط مجلس عسكر الثورة المضادة، أثبتت أنها قادرة على انتزاع السلطة، على انتزاع حقها في إدارة حياتها وتقرير مصيرها.

بعد الفض الدموي للاعتصام الجماهيري أمام مقر القيادة العامة وارتكاب مجازر ترتقي لجرائم حرب في حق الجماهير السودانية، من قتل واغتصاب وإخفاء قسري وإلقاء جثث في النيل، كان يظن القتلة المجرمون في المجلس العسكري أن الأمور قد دانت لهم، أرادوا أن يكرروا التجربة المصرية ويغرقوا الثورة السودانية في الدماء، لكن الجماهير السودانية أثبتت مجدداً أنها أكثر وعياً مما كان يظنه المجرمون في المجلس العسكري وحلفائه الحاكمين للدول العربية بقوة السلاح.

لقد لجأ مجلس عسكر الثورة المضادة لفض الاعتصام بالقوة الوحشية كما كان متوقع بعد أن أظهرت الجماهير السودانية في إضرابها الشامل قبل أسبوع من الفض إنها هي المتحكمة الحقيقية في البلاد، هي من تسَيّـر البلاد وهي من توقفها، بعد أن شاركت الأغلبية الساحقة من الجماهير السودانية في الإضراب، وهو ما لم تستثمره قيادة قوى إعلان الحرية والتغيير بشكل ثوري وراحت تساوم المجلس العسكري بدلاً من العمل على إسقاطه بقوة الجماهير المنتفضة المادية.

الآن حيث لم يعد هناك وقت لنضيعه ولا فرص لتفوت من بين أيدينا هناك حاجة ماسة لنقد توجه وتذبذب قيادة قوى إعلان الحرية والتغيير ووصولهم للخيانة باتفاقهم مع المجلس العسكري على اقتسام السلطة. نقدي لقوى إعلان الحرية والتغيير هو لفضح الإصلاحيين والانتهازيين في صفوفهم، ولثني ولوم الثوريين على ما أضاعوه من وقت وفرص، سيندمون ونندم جميعاً إن أضاعوا المزيد منها.

لقد تكونت قوى إعلان الحرية والتغيير في بداية الثورة السودانية من خليط عجيب ومتناقض من الأحزاب والكيانات، بعضها مهنية ونقابية مثل تجمع المهنيين السودانيين، وبعضها إسلامية ورجعية مثل حزب المؤتمر الشعبي، وبعضها انتهازية مثل حزب الأمة، وبعضها يسارية وماركسية مثل الحزب الشيوعي السوداني. وإذا كان هذا التحالف مهم في فترة من الفترات، فترة ما قبل عزل الديكتاتور عمر البشير، فما كان يجب أن يحدث هو فك هذا التحالف الغريب بين الإصلاحيين والثوريين -إن كانوا حقاً ثوريين-، بين الثوريين وهؤلاء الصقور الانتهازية من أمثال الصادق المهدي.

هناك جملة من الأخطاء أو الخطايا بمعنى أصح ارتكبتها قوى إعلان الحرية والتغيير منذ عزل البشير وإلى الآن أدت في نهاية للوضع الحالي، خطايا ليس أولها إضاعة وقت وفرص سنبكي عليها دماً وندفع ثمنها شهداءً ومعتقلين وفرصة ثورية ستضيع لا نعلم متى يمكن للتاريخ أن يعطينا إياها مرة أخري، ولن يكون آخرها اتفاق الخيانة مع المجلس العسكري.

لقد انخرطت قوى إعلان الحرية والتغيير منذ عزل البشير في مسار تفاوضي مثير للشفقة، مسار كان محكوم عليه بالفشل قبل أن يبدأ، وهو ما كان يجب أن يفطن إليه الثوريين في قوى إعلان الحرية والتغيير ولا ينجروا وراء الانتهازيين والإصلاحيين، هؤلاء من هم على شاكلة الصادق المهدي، من لهم مصلحة مباشرة في بقاء النظام السياسي والاقتصادي كما هو، هؤلاء من امتطوا حصان الثورة الجامح ليقتلوه في نهاية السباق، ويتقاسمون الحكم مع النظام البائد. إن أمثال هؤلاء كان يجب فضحهم وتعريتهم أمام قواعدهم والجماهير المنتفضة منذ أول يوم بعد عزل البشير، وليس إتاحة الفرصة لهم للتشويش على الجماهير وحرفها عن هدفها.

إن المسار التفاوضي مع مجلس عسكر الثورة المضادة لم يفعل سوي أنه أعطي للطبقة الحاكمة السودانية وذراعها الإجرامي (المجلس العسكري) الوقت لترتيب الأوراق وإعادة تنظيم الصفوف للانقضاض على الثورة ومحاولة وأدها، وهو ما ظهر في عملية فض الاعتصام أمام مقرات الجيش الذي راح ضحيتها أكثر من 200 شهيداً، وعشرات المعتقلين والمفقودين، وعشرات النساء اللائي تم اغتصابهن. باختصار قادة قوى إعلان الحرية والتغيير أعطوا مجلس عسكر الثورة المضادة الفرصة لتنفيذ خطته ودوره التي وجد لأجله، والتي يتلقى دعم ممالك الخليج الرجعية والدولة الديكتاتورية المصرية من أجل تنفيذه، وهو هزيمة وقتل الثورة السودانية.

لكن الجماهير السودانية أثبتت أنها عازمة على تحقيق هدفها وعدم التراجع والتنازل عن المكتسبات الثورية التي انتزعتها بشق الأنفس، وأظهر أيضاً قادة قوى إعلان الحرية والتغيير مجدداً مرة تلو الأخرى أنهم غير مدركين جيداً لتطلعات الجماهير الثورية إن لم نقل أنهم ضدها. فبعد أن دعت قوى إعلان الحرية والتغيير لإضراب عام شامل وعصيان مدني بعد وقوع مجزرة الفض استجابت لهم الأغلبية الساحقة من الجماهير السودانية الفقيرة والمهمشة، أضاع مجدداً قادة قوى إعلان الحرية والتغيير فرصة أخري تسمح لهم بإسقاط المجلس العسكري وانتزاع السلطة من أيديه ووضعها في يد الجماهير الثورية.

الحق أن الإضراب العام والعصيان المدني الشامل كان فرصة حقيقية لانتزاع السلطة من المجلس العسكري بقوة الجماهير الثورية المادية. إن العصيان المدني والإضراب العام الذي حدث في السودان طرح مسألة السلطة بشكل واضح، لكنه لم يحلها لعدم وجود سياسية ثورية لدى قوى إعلان الحرية والتغيير تهدف للقطع مع النظام القديم بشكل جذري.

لقد أظهر العصيان المدني الشامل والإضراب العام أن المجلس العسكري ومن وراءه الطبقة الحاكمة السودانية فاقدين للقوة والسيطرة والنفوذ، بعد أن انتفضت الجماهير واكتشفت قوتها الحقيقية وأظهرتها للعالم. ما كان ينقص في تلك اللحظة هو قيادة ثورية تعلن عدم شرعية المجلس العسكري وأنه مضادة للثورة وجماهيرها، قيادة ثورية تعلن انتزاع السلطة السياسية من مجلس عسكر الثورة المضادة باسم الجماهير المنتفضة. لكن الخط الإصلاحي والانتهازي الذي انتهجته ومازالت قوى إعلان الحرية والتغيير منعها من أن تأخذ تلك الخطوة الثورية، لسبب بسيط أن تلك الخطوة معناها إسقاط النظام السياسي والاقتصادي التابع القائم بشبكات مصالحه وعلاقته وهو ما يتعارض مع المصالح المباشرة والضيقة لبعض إن لم نقل أغلبية قادة قوى إعلان الحرية والتغيير.

إن الإضراب العام إذ يشل العملية الإنتاجية في المجتمع مستحيل أن يبقى لمدة طويلة، وهو لذلك يضع الجماهير أمام اختيارين إما استئناف العملية الإنتاجية والحياة الطبيعية، ولكن بناءً على أسس جديدة تقطع بشكل جذري مع الطريقة السلعية والرأسمالية في تسيير الاقتصاد والمجتمع، وهو ما يستلزم قيادة نظرية وثورية لتضع الطريق للجماهير وتوضحه لها، وهي بذلك تبدأ طريق النصر الكامل، وإما أن تتراجع الجماهير وتستأنف العملية الإنتاجية بالطريقة القديمة التي ثارت عليها لإسقاطها نتيجة لافتقادها البوصلة والقيادة، وهو ما حدث بالضبط في السودان.

يضاف إلى سجل خطايا قوى إعلان الحرية والتغيير أيضاً رهانها على القوى الإقليمية والدولية. لقد أثبتت تجارب الثورات العربية المهزومة أنه لا يمكن الرهان على دعم ومساندة المجتمع الدولي والإقليمي، وأثبتت أيضاً أنه مهما أبدى هذا المجتمع الدولي القذر من امتعاض حيال بعض ممارسات الديكتاتوريين فإنه يظل يتفق معهم في المصالح والأهداف، يتفق معهم في استعباد وقهر الشعوب، يتفق معهم في سرقة وإفقار وتجهيل الشعوب. إن الطبقة الرأسمالية في الدول "الديمقراطية" لا تأبه بتقدم مجتمعاتنا ولا برفاهيتها، تأبه فقط باستمرار تدفق الأرباح لحساباتها في بنوك دولها، وهو ما لن يتم تأمينه سوى عن طريق حكام ديكتاتوريين، حكام يستمدون شرعيتهم من علاقاتهم مع النظام الرأسمالي العالمي والتكيف معه وخدمته، وليس من الجماهير الشعبية الفقيرة والعاملة.

والواقع الإقليمي الحالي يعطي أمثلة حية وكثيرة على ذلك. ماذا فعل هذا المجتمع الدولي مع الديكتاتور عبد الفتاح السيسي، دعونا نتذكر أن عضوية الجمهورية المصرية في الاتحاد الإفريقي علقت بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الديكتاتور على أكتاف الجماهير المصرية في 3/7/2013، واليوم عبد الفتاح السيسي نفسه يرأس نفس الاتحاد الإفريقي، وله علاقات مع صندوق النقد الدولي، ومع جميع أنظمة الأمم المتحدة الجمهورية، وفي مقدمتهم بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، لسبب بسيط أن عبد الفتاح السيسي يحقق لدول المراكز الاقتصادية، للدول الثمانية الكبار، مصالحهم في نهب وسرقة واستغلال الطبقات الشعبية المصرية. الأكيد أن هذا المجتمع الدولي الذي تراهن عليه قوى إعلان الحرية والتغيير سيصطف إلى جانب الراعي الدموي محمد حمدان دقلو -أو غيره- عندما يثبت أنه قادر على حكم السودان بالحديد والنار، أنه قادر على استعادة "الاستقرار" كما يسمونه.

باختصار المجتمع الدولي ومندوبه الإثيوبي لا يأبهان بالجماهير السودانية ولا بمعاناتها ولا بثورتها وأحلامها، ما يهمهم هو إعادة "الاستقرار" للسودان بما يعني بقاء السودان منجماً للمواد الخام واليد العاملة الرخيصة وسوق تصريف بضائع الشركات متعددة الجنسيات. هذا هو الاستقرار الذي يتحدثون عنه ويعملون على استعادته في أقرب وقت بأي طريقة سواءً عن طريق حكومة عسكرية أو مدنية، أو حكومة محاصصة بين المدنيين والعسكريين.

وبعد هذه الخطايا الكارثية من قادة قوى إعلان الحرية والتغيير نصل في النهاية إلى الاتفاق الذي أُبرم بين قوى إعلان الحرية والتغيير ومجلس عسكر الثورة المضادة حول اقتسام السلطة. والحق أقول أن هذا الاتفاق هو خيانة واضحة للثورة السودانية والجماهير المنتفضة، خيانة لدماء الشهداء التي سالت وهي تحلم وتدافع عن غدٍ أفضل ومجتمع جديد، خيانة لمعاناة الجماهير السودانية تحت حكم العسكريين من عقود، خيانة لآمال وتطلعات الجماهير السودانية.

إن قادة قوى إعلان الحرية والتغيير خانوا الجماهير وثقتها فيهم ليصبحوا جزء من الطبقة الحاكمة التي تقمع وتفقر وتستغل الجماهير. الجماهير أعطت قادة قوى إعلان الحرية والتغيير تفويض لإدارة الصراع مع المجلس العسكري وانتزاع السلطة منه وإسقاطه، وليس لتقاسم السلطة معه وتوفير غطاء شرعي وقانوني لبقائه على سدة حكم البلاد، ليس لتوفير غطاءً لفرار من أجرموا في حق الجماهير، من عاثوا في أرض السودان فساداً وقتلاً من عدالة الجماهير الثورية.

إن هذا الاتفاق هو دليل على إفلاس قوى إعلان الحرية والتغيير، هو دليل على عدم وجود أي خطة ثورية تلبي تطلعات الجماهير الثورية وتضحياتها. إن الاتفاق سيعطي للمجلس العسكري الحكم لمدة واحد وعشرين شهراً، والمفترض أنه بعدها سيسلم السلطة لقوى إعلان الحرية والتغيير. فعلاً أن آفة شعوبنا النسيان، إن قادة قوى إعلان الحرية والتغيير يرتكبون حالياً نفس خطأ قادة المعارضة الإصلاحية في الثورة المصرية. الأكيد أن مجلس عسكر الثورة المضادة سينقض على الثورة وعلى قادة قوى إعلان الحرية والتغيير أنفسهم عاجلاً أم آجلاً.

إن طبيعة تكوين قوى إعلان الحرية والتغيير وعدم وجود برنامج ثوري واضح يحمل إجابة سؤال كيف تنتصر الثورة، وبالتالي الإفلاس السياسي للتحالف، أدى في النهاية لتذيل من يسمون أنفسهم ثوريين سواءً كانوا في تجمع المهنيين السودانيين أو الحزب الشيوعي السوداني للإصلاحيين والانتهازيين بقيادة الصادق المهدي وحزبه -حزب الأمة- وحزب المؤتمر الشعبي.

إن تبرير الاتفاق مع من قتلوا الجماهير في الشوارع لهو خيانة فجة، كيف لاتفاق يضع مقاليد الحكم في يد جزاري الثورة المضادة لمدة واحد وعشرين شهراً أن يكون خطوة نحو الانتصار، كيف لاتفاق يجعل لجزاري الثورة المضادة أغلبية في المجلس السيادي أن يكون خطوة نحو الانتصار. إن كل الأبواق التي تصيح بأن المعركة طويلة وأن هذا الاتفاق مجرد تكتيك مرحلي، لهي أبواق واهمة وغارقة في أحلامها لدرجة أنهم يظنون أن الزمن والتاريخ سيعطيهم الوقت ليلتقطوا أنفاسهم، واهمين لدرجة أنهم يظنون أن المجلس العسكري سيسلم السلطة لهم ليحاكموه، واهمين لدرجة أنهم يظنون أن المجلس العسكري ومن وراءه الطبقة الحاكمة السودانية سيتخلون عن مصالحهم وامتيازاتهم برضاءٍ كامل نتيجة يقظة ضميرهم، إن هذه الأبواق جاهلة بتاريخ الشعوب وثوراتها، وفي فترات المد الثوري لا فرق بين الخيانة عن جهلٍ أو قصد، كلها خيانة سيدفع ثمنها الجماهير قتلاً وترهيباً واعتقلاً واستغلالاً.

حول المهام المطروحة أمام الثورة السودانية

إن الثورة السودانية أحرزت عديد من الانتصارات الثورية (عزل البشير، الضغط على المجلس العسكري لمدة شهور، تنظيم إضراب عام وعصيان مدني شامل ناجح، مليونية حافلة، لجان أحياء منتظمة لها وزن في المجتمع السوداني، نقابات مستقلة)، ورغم كل تلك الانتصارات لا يمكن لأحد أن يقول أن الثورة السودانية نجحت، غير هؤلاء الذين يريدون للثورة أن تقف عند مصالحهم وأهدافهم الذاتية والأنانية، لأن الثورة حتى الآن لم تمس الجوهر الصلب للنظام (المؤسسة العسكرية). الآن حتى هذه الانتصارات على حافة الهاوية والضياع.

إن المهام المطروحة على الثورة السودانية هي مهام ديمقراطية تتعلق بتحديث المجتمع بما يعني بناء صناعة وتطوير الزراعة وتطوير منظومة التعليم والصحة وإدخال مفاهيم الديمقراطية والتعددية والحريات العامة والخاصة في المجتمع، لتكون الخطوة الأولى نحو بناء المجتمع على أسس اشتراكية. هذه المهام التي تخلت عنها الطبقة الحاكمة الرأسمالية في البلدان المتخلفة منذ نشأتها ونتيجة نشأتها. هذه الطبقة التي تتلخص مهامها هي وذراعها (الجيش النظامي) في استمرار استعباد شعوب الجنوب لضمان استمرار تدفق الأرباح لدول المراكز الاقتصادية، هذه الطبقة التي تشكلت منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية نشأت تحت كنف الاستعمار ورعايته، لضمان عمل مجتمعات الأطراف لصالح رأسماليي دول المراكز، لضمان بقاء شعوبنا ودولنا مرتع لنشاط رجال أعمال دول الثمانية الكبار (الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، روسيا، اليابان، كندا، بالإضافة للصين حديثاً).

بالتالي حتى إن كانت المهام المطروحة أمام الثورة السودانية في اللحظة الراهنة هي مهام ديمقراطية وليست اشتراكية، فالمطلوب هو بناء تحالف على أساس طبقي وثوري يضم العمال والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين والمفقرين، هؤلاء من لهم مصلحة حقيقية ومباشرة في إسقاط النظام السياسي والاقتصادي التابع القائم، وبناء نظام سياسي ديمقراطي بشكل حقيقي قائم على حق الانتخاب والعزل للمسؤول المباشر في أماكن العمل، نظام اقتصادي قائم على الملكية المجتمعية لوسائل الإنتاج، لضمان عمل النظام الاقتصادي لصالح أغلبية الجماهير وليس لصالح مجموعة صغيرة من الأشخاص على حساب بؤس وفقر ومعاناة أغلبية الجماهير، نظام اقتصادي مخطط لتلبية احتياجات المجتمع وطبقاته الشعبية والكادحة وليس لجني الأرباح لصالح الطبقة الحاكمة وأسيادها الإقليميين والدوليين، نظام سياسي واقتصادي يقوم بالجماهير ولأجل الجماهير.

ما العمل؟

أولاً، على الثوريين أن يعلنوا على رؤوس

الأشهاد وقوفهم ضد الاتفاق مع مجلس عسكر الثورة المضادة، على الثوريين أن يفضحوا قادة قوى إعلان الحرية والتغيير، وأن لا يأبهوا بشيء غير قول الحقيقة بشكل واضح أن هذا الاتفاق هو خيانة صريحة للثورة، وأنه لن يؤدي إلا لتمكين المجلس العسكري وتأسيس ديكتاتورية عسكرية تشبه الموجودة في مصر، إن لم تكن أردئ وأكثر قمعاً.

ثانياً، على الثوريين توسيع قاعدة التنظيم الذاتي الموجود في الأحياء ليشمل المصانع والمؤسسات والجامعات والجيش النظامي. يجب إدخال مبدأ التنظيم الذاتي وحق الانتخاب والعزل داخل المؤسسة العسكرية، هذه المؤسسة التي أثبتت قواعدها من جنود وصغار الضباط أنهم مستعدين للانضمام لصف الثورة، لكن للأسف قادة إعلان الحرية والتغيير أضاعوا فرصة الاعتصام الذي تمركز أمام مقرات الجيش لمدة شهور، ولم يوجهوا أي خطاب ثوري وطبقي لقواعد الجيش النظامي.

ثالثاً، يجب ربط لجان التنظيم الذاتي على مستوى السودان كله، وتسليحها لتدافع عن نفسها في مواجهة مليشيات النظام، ومن قلب هذه اللجان يجب أن تنبع قيادة ثورية حقيقية لا تساوم على دماء الشهداء، قيادة ثورية لا تطمح لتكون جزءً من الطبقة الحاكمة ولكن تطمح لإسقاط الطبقة الحاكمة وجزئها الصلب (الجيش النظامي).

في النهاية، رسالة للثوريين السودانيين والجماهير المنتفضة، إن الثورة التي تريد أن تنتصر لا تعرف المهادنة والمساومة، تعرف فقط الوضوح والحقيقة وتتعلم بالتجربة كيفية الهجوم. لا تثقوا إلا في قواكم الذاتية، لا تثقوا إلا في تنظيماتكم الذاتية، وفقط بها تستطيعون إسقاط النظام، وبناء مجتمع جديد، مجتمع يتجاوز جميع مخلفات الماضي وقذارته، مجتمع فيه الإنسان هو الهدف والغاية.

المجد للشهداء والحرية للمعتقلين والشفاء للجرحى

لا للتسوية! لا للمساومة بالثورة وجماهيرها!

يسقط مجلس عسكر الثورة المضادة

تسقط قوات قمع الشعوب (الشرطة والجيش)

تسقط حكومات رجال الأعمال

نحو بناء تحالف طبقي وثوري حقيقي