رسالة تروتسكي التي تم إخفاؤها - مقدمة لآلان وودز

من الحقائق المعروفة جيدا أن الصدفة يمكنها أن تلعب دورا كبيرا سواء في التاريخ أو في حياة الأفراد. وقد شاهدت خلال حياتي العديد من الحوادث والمصادفات غير العادية، لكني لم أختبر أبدا مثل هذه السلسلة الفريدة وغير المتوقعة من الصدف التي سأتحدث عنها هنا.

دروس إسبانيا |

إنها تتعلق بمصير غير العادي لرسالة واحدة، بعثها ليون تروتسكي، في عام 1938، إلى الرابطة الأممية العمالية البريطانية، التي يعتبر التيار الماركسي الأممي الاستمرارية المباشرة والخطية لها. لم تر هذه الرسالة النور طيلة ثمانية عقود، وقد اعتقدنا جميعا أنها ضاعت، وقد كان هذا الاعتقاد صحيحا إلى حد ما.

إلا أن تلك الرسالة المفقودة قد عادت الآن، بفعل تعاقب استثنائي للأحداث، إلى أصحابها الشرعيين. سوف نشرح فيما يلي الطريقة التي حدث بها ذلك، وهي الطريقة التي وكأنها إحدى حلقات أكثر مسلسلات التحريات غرابة. وقد انتهت، مثلها مثل كل قصص التحريات الجيدة، بتوجيه أصبع الاتهام إلى أولئك الذين كانوا مسؤولين عن الجريمة: جريمة محاولة تزوير التاريخ.

كيف بدأ كل شيء

لقد بدأت القصة يوم الاثنين، 21 ماي 2018. إن الرفيقة آنا مونيوز هي المسؤولة عن التتبع اليومي للمراسلات الواردة على موقعنا الالكتروني In Defence of Marxism. يكون هذا العمل عادة ذا طابع روتيني إلى حد كبير. لكننا في بعض الأحيان نتلقى بعض الرسائل المثيرة للاهتمام من بعض البلدان حيث لا يوجد لدينا الكثير من العلاقات. ومع ذلك ففي كثير من الأحيان لا تسفر تلك الرسائل عن شيء كبير. بينما البعض منها لا تكون في الواقع سوى فيروسات.

الرابطة الأممية العمالية

لذلك فعندما تلقت آنا رسالة من سيدة تسأل عما إذا كنا مهتمين ببعض رسائل تروتسكي التي وجدتها في صندوق في علية أمها، التي توفيت مؤخرا، أثار ذلك اهتمامها وشكها في نفس الآن. كان نص الرسالة ما يلي:

" لقد وجدت رسائل لليون تروتسكي في علية. هل تريدونها أم يتوجب علي أن أتخلص منها؟".

كانت الرسالة مقتضبة للغاية، بل وغريبة. كانت موقعة بحرفي م. ت (MT)، لكن لم يكن فيها ما يشير إلى مصدرها، أو حتى ما إذا كان المرسل رجلا أم امرأة. بدأت آنا تتسائل: من يكون هذا الشخص الغامض؟ وماهي تلك الرسائل؟ هل هي موجودة أصلا؟ وبدأت كل أنواع الشكوك تدور في ذهنها، لكنها قرّرت أن تجيب بأننا مهتمون بالطبع بتلك الرسائل. وردت قائلة:

"العزيز م ت،

شكرا جزيلا لك على عرضك لبعض رسائل ليون تروتسكي. نحن بالتأكيد مهتمون بالحصول عليها إذا لم تكن أنت مهتما بها. في الواقع سيكون أحد ممثلينا في نيويورك في وقت قريب جدا، هل من الممكن أن يتصل بك ويجري ربما الترتيبات بخصوص هذا الأمر؟ أخبرنا من فضلك.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،

آنا مونيوز نيابة عن هيئة التحرير".

أجرت آنا بعض التحقيقات واكتشفت أن الرسالة جاءت من عنوان الكتروني من نيويورك. كان الشخص المعني امرأة، والتي كتبت لتأكيد الأمر، ثم بعثت رسالة مشفرة أخرى تقول:

"سأغادر نيويورك. هل هناك من عنوان يمكنني إرسالها إليه؟ م. ت".

ردت آنا واقترحت عليها أن تتواصل مع رفاق فرعنا في الولايات المتحدة والذين لديهم مقر في نيويورك. وبالفعل تم ترتيب الاتصال في النهاية. وكتبت آنا مرة أخرى:

"عزيزتي م. ت،

أبعث لك هذه الرسالة لأؤكد لك أني قد قمت بإرسال بريدك الإلكتروني إلى ممثلينا في نيويورك. لا بد أنهم قد كتبوا لك الآن. كما أود أيضا أن أشكرك على لطفك لتبرعك بتلك الرسائل.

تفضلي بقبول فائق الاحترام،

آ. مونيوز".

وقد قام الرفيق أنطونيو بالمر، بالنيابة عن الأممية، بمراسلتها ورتب معها إجراءات بعث تلك الرسائل.

وصول الرسائل

ثم انتظرنا. مر أسبوع واحد، ثم آخر ، ثم آخر. نما عندنا الشك بأننا لن نرى تلك الرسائل أبدا. ومع ضغوط العمل، كنا قد نسيناها تقريبا. ثم في أحد الأيام الرائعة، تلقينا مكالمة هاتفية من رفيق في نيويورك قال لنا بحماس: "لقد وصلت الرسائل!".

لقد سررنا بطبيعة الحال لسماع الخبر، لكننا حتى في تلك المرحلة لم نكن ندرك مدى أهمية هذا الحدث. لم تكن لدينا أية فكرة عن مضمون تلك الرسائل، وافترضنا أنها ستكون ذات أهمية ثانوية - ربما ذات طابع تنظيمي أو إداري. وقد كنا مخطئين جدا.

قبل استلامنا للرسائل الأصلية توصلنا بنسخ منها على البريد الإلكتروني. كنت أعاني من نوبة التهاب شديد في الملتحمة [باطن الجفن]، لذلك كنت أجد صعوبة في القراءة. لقد طلبت من آنا أن تقرأ لي الرسائل. أجابت بأن هناك ثلاث رسائل، اثنتان طويلتان والأخرى أقصر. فطلبت منها أن تقرأ لي الرسالة القصيرة.

بدأت في القراءة، فأصبت على الفور بالدهشة لما كنت أسمعه. قلت: :"هذا عجيب! هل يمكنك قراءة ذلك مرة أخرى؟" ففعلت ذلك، وازدادت دهشتي. صرخت: "يا إلهي! هذا مذهل. أنت لا تعرفين أهمية ما الذي تحملينه بين يديك!".

فحصت الرسالة فوجدت أنها حقيقية بالفعل. كان هناك توقيع تروتسكي الخاص واضح للجميع. كانت هذه هي الرسالة المفقودة التي اعتقدنا جميعا طيلة العقود الثمانية الماضية أنها قد ضاعت!

لم أتجرأ على الثقة في حكمي الخاص فهاتفت روب سويل، الذي كان قد ذهب قبل بضع سنوات إلى جامعة هارفارد للبحث عن الرسالة المفقودة في أرشيف تروتسكي الموجود هناك. لم يتمكن من إيجاد الرسالة، على الرغم من أنه عثر عن طريق الصدفة على صناديق من الوثائق غير المنشورة للسيرة التي كتبها تروتسكي عن ستالين، والتي نشرناها لأول مرة في وقت لاحق.

قلت: "روب ، لن تصدق هذا ، لكن يبدو أن الرسالة التي كنت تبحث عنها هي الآن بين يدي. وعلى أي حال ، إنها تأكيد على أن الرسالة موجودة ، لكنها تبدو بالنسبة لي وكأنها الرسالة الحقيقية". وبعد أن قرأت الرسالة عليه ، قال على الفور:" هذه هي الرسالة! ".

لكن أية رسالة؟

خلال حياته كان تيد غرانت يتحدث عن الحركة التروتسكية البريطانية في الثلاثينيات ، والتي شارك فيها. وقد تحدث كثيرا عن حدث تعلق برسالة بعثها لنا تروتسكي حول مقدمة كتبها تيد ورالف في ربيع عام 1938 لمقالته "دروس إسبانيا - التحذير الأخير".

كان دائما يؤكد أن تروتسكي قد توصل بنسخة منها وأنه رد مرحبًا بإصدارها وأشاد بالمقدمة. وقال إن تروتسكي قد رحب بحرارة أيضاً بمبادرة الرفاق لتنظيم مطبعتهم الخاصة بهم.

لكن المشكلة هي أنه لم تكن لديه أية نسخة من تلك الرسالة، كما أنها لم تكن في كتابات تروتسكي. أين اختفت الرسالة؟ كان هذا لغزا اعتقدنا أنه لا يمكن حله. لكن لقد تم حله الآن. دعونا نوضح الأحجية نقطة بنقطة.

ثلاث رسائل

فيما يلي النص الكامل للرسائل الثلاث:

1- " أفينيدا لوندريس 127

د. ف، كويوكان

المكسيك

21 ماي 1937

" الرفيق العزيز سمنر،

أنا جد ممتن لك على رسالتك الودية والمفيدة للغاية. أستطيع أن أفهم العقبات التي عليكم التغلب عليها، لكن مما لا شك فيه أن كل شهر جديد سيشهد تغير الوضع لصالحكم. كانت الصعوبة الوحيدة هي بدء التحقيق، أما الآن فسوف تكشف الحقيقة نفسها بشكل تلقائي مثل قوة طبيعية. كل هؤلاء السيدات والسادة، بمن فيهم برايلسفورد وفينر بروكواي، سوف يلاحظون قريبا أن الأرض أصبحت ساخنة تحت أقدامهم وسيحاولون الانضمام إلى معسكر الحقيقة لتجنب تعرضهم للفضيحة. يمكننا، بشكل علني وبكل تأكيد ، أن نتنبأ بانتصارنا على ملفقي التهم ووكلاءهم من الدرجة الأولى والثانية. إن التحول الذي يحدث الآن في الولايات المتحدة سيؤثر بشكل إيجابي بلا شك على وضعكم في إنجلترا.

أرجو أن تبلغ تحياتي الودية لأمك وأطيب تمنياتي لجميع أصدقائنا في إنجلترا.

المخلص لك،

ليون تروتسكي"

 

2- " 15 أبريل 1939

 

الرفيق العزيز سمنر،

لم أكتب لك منذ فترة طويلة لكنك تفهم الأسباب. لقد تلقينا برقيتك ورسالتك وكلانا، ناتاليا وأنا، نقدر بحرارة مشاعرك الودية...

لا أعرف ما إذا كنت قد توصلت بخبر رحلة الرفيق كانون إلى أوروبا وخاصة إلى لندن. من الممكن أن يذهب الرفيق شاختمان أيضا مع كانون. إني أعطي أهمية كبيرة لهذه الرحلة خاصة مع الأحداث التي تعرفها إنجلترا. كانون وشاختمان هما أفضل رفيقين لدينا في الولايات المتحدة، ويمتلكان نظرة واسعة وخبرة تنظيمية حقيقية. تتمثل إحدى مهامهما في مقابلة جميع المجموعات الإنجليزية التي تنتمي أو ترغب في الانتماء إلى الأممية الرابعة ومحاولة تطبيع العلاقة بين هذه المجموعات من أجل المساعدة على بناء فرع بريطاني حقيقي للأممية الرابعة. آمل أن تتعاون أنت ومجموعتك بشكل كامل مع كانون وشاختمان في مهمتهما.

أشك في قدرتهما على البقاء في لندن لأكثر من أسبوع، وربما أقل. من الضروري للغاية استغلال هذا الوقت قدر الإمكان. يبدو لي أن أفضل إجراء هو الدخول منذ الآن في اتصال مع المجموعات الأخرى، بل وحتى إنشاء لجنة تقنية بهدف الترتيب لاجتماع الرفيقين الأمريكيين مع كل من المجموعات البريطانية على حدة، ثم معها مجتمعة. سوف تتلقى في الوقت المناسب بالتأكيد رسالة تحدد يوم وصول الرفيقين الأمريكيين إلى لندن. سأكون سعيدا جدا لو توصلت من طرفكم بتقرير عن التحضير للنقاشات مع كانون وشاختمان وكذلك لاحقا عن نتائج ذلك النقاش.

إني أتلقى منشوراتكم. شكرا. لكني أكتب اليوم فقط عن رحلة كانون وشاختمان.

أفضل التحايا من ناتاليا ومني لك ولجميع الأصدقاء.

مودتي

لـ. تروتسكي

كويوكان، د.ف

لـ تـ: جو 61- 18

ملاحظة: لقد تلقيت رسالة من فرانك ميتلاند باسم "الحزب الاشتراكي الثوري". إنه يرغب في نشر مقالي عن إسبانيا على شكل كتيب، وهو مستعد للقيام بذلك بالتعاون مع إحدى مجموعاتنا البريطانية. كتب لي قائلا إن تطور حزبه يسير في اتجاه الأممية الرابعة. هل أنتم على اتصال معهم؟ سأكتب إلى ميتلاند اليوم".

كان فرانك ميتلاند تروتسكيا اسكتلنديا أعتقد أنه انضم لاحقا إلى الرابطة الاشتراكية الثورية (RSL) لفترة قصيرة. لكن الكتيب المقترح لكتابات تروتسكي عن إسبانيا لم يظهر. وعلى الأرجح لم يتم إصداره أبدا. وعلى النقيض من ذلك ، نشر رفاق رابطة العمال الأممية (WIL) مقالة تروتسكي "دروس إسبانيا" على شكل كتيب مع مقدمة كتبها تيد غرانت بالتعاون مع رالف لي. وهذه المقدمة هي التي أشاد بها تروتسكي في الرسالة التالية:

3- "29 يونيو 1938

الرفيق العزيز سمنر،

لقد توصلت بإصداركم لكراسي عن اسبانيا مع مقدمتكم الرائعة له. حقا لقد كانت فكرة ثورية جيدة تأسيسكم لمطبعتكم الخاصة.

لقد توصلنا برسالة ليون إليكم والتي صارت آخر رسالة يكتبها. لا أتذكر ما إذا كنت قد أجبتكم في ذلك الوقت. نتاليا تأثرت كثيرا جدا باهتمامكم.

لقد كتبت لكم عن رحلة كانون وشاختمان إلى أوروبا وخاصة إلى إنجلترا والمخططات المرتبطة بهذه الرحلة. هل تلقيتم تلك الرسالة؟ لم تجيبوني بخصوص تلك المسألة.

أحر تحياتي إليكم وإلى أصدقائكم.

ليون تروتسكي

كويوكان، د ف

لـ تـ: جو 71.2"

من كان تشارلز سمنر؟

كان تشارلز سمنر (المعروف أيضا باسم أ. بويد) هو الاسم الحركي لهيلاري سمنر بويد. كان أمريكيا، ولد في بوسطن، ماساشوستس، في يناير 1913 ، وتوفي في اسطنبول في شتنبر 1976 ، عن عمر 63 عاما. وكان ابن ماثيو فريدريك بويد وآن بورتر بويد ، من الواضح أنه ينحدر من أسرة ميسورة لأنه تلقى تعليما خاصا.

في وقت لاحق ذهب للدراسة في كنيسة المسيح، أكسفورد. لكن يبدو أن الأسرة تأثرت بتأثيرات راديكالية، كان والده يعرف جون ريد ، ويبدو أن أمه كانت من معارف تروتسكي. كان مثقفا موهوبا يتحدث اللغة اليونانية والألمانية والفرنسية والتركية واللاتينية.

وفي الفترة التي تهمنا كان سكرتيرا للرابطة الاشتراكية الثورية البريطانية وكان مدير صحيفة العلم الأحمر وكانت شقته في 238 شارع إدوارد، بمثابة مقر لأنشطة الرابطة. لعب دورا نشطا في حملة فضح أكاذيب محاكمات موسكو. كما كان عضوا في السكرتاريا الأممية وحضر المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة.

لكن وكما سبق لرفاق رابطة العمال الأممية أن حذروا، فإن ما كان يسمى بـ "مؤتمر الوحدة" عام 1938 في بريطانيا كان محكوماً عليه منذ البداية بالفشل. وسرعان ما بدأت "الوحدة" المصطنعة التي توسط فيها كانون وشاختمان في الانهيار. [سنشرح أدناه أسباب ذلك]. وسرعان ما انقسمت المنظمة الجديدة إلى أجزاء. لا بد أن ذلك كان له تأثير سلبي عميق على معنوياته.

لسبب ما غادر سمنر بريطانيا إلى تركيا، حيث توقف عن النشاط السياسي وابتلعه عالم البحث الأكاديمي، حيث تمكن من أن يصنع لنفسه فيه مكانة. ألف كتابا له شهرة كبيرة بين السياح، عنوانه: "التجوال في اسطنبول: دليل مختصر للمدينة". كما كان له تأثير كبير في تطوير المسرح التركي الحديث، حيث صار عدد من طلابه ممثلين ومخرجين وكتابا مسرحيين متميزين.

لكن وعلى الرغم من أنه انسحب من الحركة التروتسكية، فإنه يبدو أنه لم يتخلى تماما عن أفكاره. قال الفيلسوف البريطاني أ. ج. آير عن لقاء له معه: "... أميركي يدعى هيلاري سمنر بويد ، الذي كان سكرتيرا ، والذي كان العضو الوحيد من حزب تروتسكي في أكسفورد (!). لقد خفف لطفه الشديد من شراسة أفكاره".

وقد تم تأكيد ذلك في رسالة كتبها محاميه بعد وفاته. ويتعلق الأمر برسائل تروتسكي التي احتفظ بها بأمان بين ممتلكاته كل تلك السنوات. كتب المحامي قائلا:

"تارسكوناك

ميدان ماهاليسي رقم: 18

راميلي هيساري

اسطنبول

19 مارس 1977

 

إلى م. و:

 

بصفتي أمينا على ممتلكات الأستاذ الراحل هيلاري سمنر بويد ومنفذا لوصيته، يسعدني أن أسلم لكم، بشكل مطلق ودون أي شرط الخطابات المرفقة التي بعثها ليون تروتسكي إلى هيلاري في 15 أبريل و29 يونيو 1938؛ و 21 ماي 1937.

يمكن استخدام هذه الرسائل أو التخلص منها وفقا لتقديركم.

أعرف أنه كان من دواعي سرور هيلاري أن يتأكد من حصولكم على هذه الرسائل. إنها ليست ذات قيمة تاريخية كبيرة، لكنها شيء يمكن أن يلامس جزء من التاريخ. لقد كانت رغبة هيلاري أن تُعطى ممتلكاته لأولئك الذين يقدرون قيمتها ويستخدمونها بشكل صحيح. ونزولا عند هذه الرغبة أتقدم إليكم بهذه الرسائل.

مايكل جي. إل. أوستين"

من الواضح أن المحامي كان على معرفة كافية بموكله بحيث يعرف ميوله السياسية، ويشدد على أن رغبته كانت هي أن تعطى هذه الرسائل لمن "يقدرون قيمتها".

يتضح من هذا أنه على الرغم من أن الرجل الذي كان يعرف باسم الرفيق سمنر قد توقف لفترة طويلة عن لعب أي دور نشط في الحركة التروتسكية الثورية، فإنه احتفظ بتلك الرسائل واعتنى بها طوال حياته ، وكان مهتما جدا بمستقبلها لكي يصر، في وصيته الأخيرة، على أن يتم تسليمها لأولئك الذين يقدرون قيمتها ويستخدمونها بشكل صحيح.

كان هذا هو السبب الذي جعل ذلك المحامي في اسطنبول يتحمل عناء إقامة اتصال مع شخص كان في ذلك الوقت عضوا نشطا في حزب العمال الاشتراكي الأمريكي. لا نعرف كيف تم ربط الاتصال، كل ما نعرفه هو أن مستلم الرسائل ، م. و، قد أعطاها لاحقا للشخص الذي سلمها الآن إلى الناس الذين كان تروتسكي يقصدهم أصلاً.

في سياق شكرنا للسيدة م.ت على هديتها السخية، أوضحنا لها بعضا من خلفية هذه الرسائل ، ولماذا تعني الكثير بالنسبة لنا. وفي ردها على رسالتنا، قدمت لنا بعض التفاصيل حول كيفية ظهور الرسائل:

"مرحبا،

أنا سعيدة لأن الرسائل وجدت منزلها الصحيح.

في ما يتعلق بمصدرها ، كنت درست مع "م. و" منذ سنوات عديدة. وعندما تخرج "م. و" قام بتسليم مجلد لائتلاف طلاب جامعة تافت المناهض للعنصرية والذي صرت رئيسته في العام الموالي. لقد قدم لي الرسائل في ذلك الوقت واعتقَد أنني سأجدها ذات أهمية.

لقد وجدتها مرة أخرى عندما كنت بصدد تنظيف علية أمي بعد وفاتها. كانت في صندوق قديم للرسائل والأوراق "الثمينة".

لم أتمكن من الحصول على معلومات عن عنوان م. و الحالي من مكتب خريجي تافت، لذلك قمت بإجراء بحث عبر الإنترنت ووجدت منظمتكم.

أنا آسفة لأنها بقيت مخفية لفترة طويلة، لكنني سعيدة لأنها وجدتكم وأنها ستسد بعض الثغرات. شكرا لمشاركتكم هذه المعلومات معي! لقد وجدتها غامضة بعض الشيء عندما لم أكن أعرف سياقها، أما الآن فلديّ تقدير جديد لتاريخها وأهميتها.

تحياتي الحارة،

م. ت"

بهذه الطرق الدائرية يتحرك التاريخ!

لقد تم تقديم مزيد من الإيضاح عن هذه الأسئلة من قبل الرفيق ستيف ايفرسون، وهو عضو في الفرع الأمريكي في بوسطن ، والذي كان لسنوات عديدة عضوا نشطا في حزب العمال الاشتراكي. فتعليقًا منه على الخطاب الذي ألقيته في الصيف الماضي في المؤتمر العالمي للتيار الماركسي الأممي في إيطاليا ، والذي وصفت فيه رسالة تروتسكي بأنها "شهادة ميلادنا" ، كتب ستيف ما يلي:

"كان مندوبو المؤتمر العالمي للتيار الماركسي الأممي لعام 2018 متشوقين لسماع قصة كيف حصلنا على" شهادة ميلاد " تيارنا، أي رسالة تروتسكي إلى الرفاق البريطانيين التي يهنئهم فيها على نشر كتيبه عن الثورة الإسبانية .

"ورغم أن القصة توضحت فإنها ما زالت تحمل في طياتها غموضا فيما يتعلق بمصدر الوثيقة نفسها: أي كيف انتقلت من يد إلى يد حتى وصلت إلى منزلها الصحيح.

"كانت آنا قد ذكرت أن المرأة الأمريكية التي اتصلت بنا لتعطينا رسائل تروتسكي الأصلية الثلاث قد أخبرتنا لاحقا عن بعض الظروف التي مكنتها من حيازتها.

"وأنا في وضع يسمح لي بإضافة بعض القطع المفقودة لحل هذا اللغز.

"أخبرتنا تلك السيدة أنها في منتصف السبعينات كانت طالبة في جامعة تافت في سمرفيل ، ماساتشوستس. وأثناء دراستها هناك انضمت إلى ائتلاف الطلاب المناهض للعنصرية. لقد كنت أنا أيضا عضوا في هذه المنظمة لفترة وجيزة. وعلى الرغم من أني الآن أعيش على بعد شارعين من تلك الجامعة فإنني كنت في ذلك الوقت أعيش في الطرف الآخر للقارة، في كاليفورنيا.

"تأسس ائتلاف الطلاب المناهض للعنصرية في يناير 1975 خلال مؤتمر بجامعة بوسطن بمبادرة من حزب العمال الاشتراكي ومنظمته الشبابية، اتحاد الشباب الاشتراكي، كوسيلة لتوسيع وتعميق التعبئة لأجل دعم مجتمع السود في بوسطن في نضالهم ضد القوى العنصرية التي كانت تعرقل بشدة إلغاء الفصل العنصري في مدارس بوسطن.

"أوضحت لنا تلك السيدة أن رئيس ائتلاف طلاب تافت المناهض للعنصرية قدم لها الوثائق الثلاث عندما كان يستعد لمغادرة بوسطن والانتقال إلى مدينة أخرى. وكان قد توصل بها في ميراث من أستاذ توفي في أوائل السبعينيات.

"ما تزال العلاقة بين الأستاذ والطالب لغزا، لكن الطالب الوريث ، م. و، هو شخص عرفته ذات مرة.

"إنه حسب علمي لم يعد ناشطا سياسيا. لكنه كان لسنوات عديدة عضوا في حزب العمال الاشتراكي. وقد عمل على مر السنين كمنظم حزبي محلي في مدينتين، كما أنه تقدم كمرشح عن حزب العمال الاشتراكي لمنصب عمدة بيتسبيرغ، بنسلفانيا في عام 1985.

"من الأسئلة التي تطرح بخصوص تسليم "م. و" للوثائق الثلاث في عام 1977 هو لماذا قام بذلك في وقت كانت أرشيفات تروتسكي قد فتحت منذ فترة طويلة أمام الرأي العام في جامعة هارفارد، وكان العديد من أعضاء حزب العمال الاشتراكي قد تم تكليفهم بالبحث في الملفات لإغناء سلسلة إصدارات دار Pathfinder Press لكتابات تروتسكي خلال منفاه الأخير. لماذا لم يسلمهم بدلا من ذلك للحزب الذي كان ينتمي إليه؟".

وكما اتضح لاحقا فقد تم العثور على نسخ من اثنتين من الرسائل الثلاث في الأرشيف وتم إصدارهما، لكن الثالثة، التي تهمنا أكثر، لم تر النور أبدا...

لماذا تم إخفاء الرسالة

لقد تم نشر اثنتين من الرسائل الثلاث في إصدارات حزب العمال الاشتراكي لكتابات تروتسكي. لكن لثالثة لم تنشر، بل لقد اختفت بكل بساطة، كما لو أنها لم تكن موجودة. السؤال الذي يجب طرحه هو: لماذا تم إخفاء هذه الرسالة - وهذه الرسالة وحدها - لعقود؟

إذا كانت لهذه الرسالة أهمية قصوى لتيارنا، فمن الواضح أن إخفاءها المتعمد كان ذا أهمية قصوى لأعدائنا السياسيين. في الواقع ليس هناك أي شك في أن هذه الرسالة قد تم إخفاؤها عمدا من طرف قادة حزب العمال الاشتراكي، وتحديدا من طرف جيمس كانون.

ما هو الدليل الذي لدينا لكي نقول هذا؟ لقد سبق لنا أن ذكرنا أن المسألة تتعلق بثلاث رسائل. وقد تم نشر اثنتين منها في كتابات تروتسكي التي أصدرها حزب العمال الاشتراكي الأمريكي، بينما تم حذف واحدة فقط، وهي الرسالة الشهيرة المفقودة. ألم تكن لدى حزب العمال الاشتراكي نسخة من هذه الرسالة؟ هذا غير ممكن، فقد كانت لدى جوزيف هانسن، الذي كان أحد أمناء سر تروتسكي، نسخة من جميع مراسلات تروتسكي. وقد كانت لديه بالتأكيد نسخة من هذه الرسالة، وهو ما تؤكده حقيقة أنه يوجد في أسفل الرسالة إشارة إلى: "جو 71.2" (أي نسخة إلى جو هانسن).

لكن رغم ذلك لا توجد أي نسخة لهذه الرسالة في أرشيفات هارفارد. كما ذكرت أعلاه كان الرفيق روب سويل قد ذهب في عام 2003 إلى جامعة هارفارد في بوسطن للبحث عن الرسالة المفقودة في أرشيف تروتسكي، لكنه لم يجد أي أثر لها على الاطلاق. إلا أنه أثناء بحثه - كما شرحنا أعلاه - عثر على عدة صناديق لمواد غير منشورة تم حذفها من سيرة تروتسكي عن ستالين. وكانت تلك بداية لمشروع مهم قام به التيار الماركسي الأممي لنشر نسخة جديدة وأغنى لذلك العمل الهام. لكن الرسالة المفقودة استمرت مفقودة.

من أجل توضيح أسباب هذا اللغز، يجب أن نعود مباشرة إلى أصول تيارنا في الفترة التي سبقت محاولة تروتسكي تأسيس الأممية الرابعة، قبل 80 عامًا، في عام 1938. ليس هذا هو المكان المناسب للتعاطي بالتفصيل مع الظروف التي حدث فيها ذلك أو شرح التطور الكارثي اللاحق الذي أدى إلى انهيار الأممية الرابعة. لقد سبق شرح هذه المسائل في أعمال أخرى، ولا سيما مقالتي تيد غرانت History of British Trotskyism و The Programme of the International.

 

إن نطاق هذه المقالة محدود أكثر، لكنها مع ذلك ستلقي الضوء على الأساليب الحقيرة والخدع التنظيمية التي شكلت، إلى جانب المواقف والتحليلات السياسية الخاطئة، عنصرا هاما في انحطاط وانهيار الأممية بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن وعلى الرغم من أنه لا يمكننا نقاش هذا الموضوع بالتفصيل، فمن الضروري أن نقدم على الأقل تفسيرا عاما لأحداث معينة ، حتى يتمكن القارئ من الحصول على فكرة عما يقف وراء قضية الرسالة المفقودة.

أصول التيار الماركسي الأممي

يعود تاريخ تيارنا مباشرة إلى العمل العظيم الذي قامت به المعارضة اليسارية بقيادة ليون تروتسكي في عشرينيات القرن الماضي، بل وفي الواقع يعود إلى تلك الأيام البطولية للأممية الثالثة في ظل قيادة لينين وتروتسكي.

لقد أدت عزلة الثورة الروسية في ظروف التخلف المروعة إلى ظهور بيروقراطية ضخمة حريصة على التمتع بثمار النصر.

وكان لمعارضة البيروقراطية للثورة العالمية أساس مادي، حيث أن تلك الفئة الصاعدة من المسؤولين المحافظين كانت تريد حياة هادئة، خالية من عواصف الثورة وضغوطها والتحرر من رقابة الجماهير. وبعد كل نكسة كانت الطبقة العاملة تتعرض لها، كانت تلك الفئة المتميزة المؤلفة من ملايين المسؤولين -الذين كان كثير منهم من البيروقراطيين القيصريين السابقين- تجمع بين أيديها قدرا أكبر من السلطة وتدفع جانبا بالطبقة العاملة المنهكة.

بعد مرض لينين الأخير أخذ تروتسكي على عاتقه مهمة النضال ضد ستالين والخطر البيروقراطي المتزايد، وناضل من أجل البرنامج اللينيني للأممية البروليتارية والديمقراطية العمالية. نظم المعارضة اليسارية في أواخر عام 1923 بعد فشل الثورة الألمانية في محاولة منه للدفاع عن أفكار لينين التي كانت تتعرض للتشويه والاقصاء بشكل منهجي.

في البداية اندلع هذا الصراع داخل روسيا بين المعارضة وبين الثلاثي ستالين وزينوفييف وكامينيف داخل صفوف قيادة الحزب الشيوعي الروسي. لكن ذلك الصراع اتخذ زخما أكبر، ومع وفاة لينين سرعان ما امتدت حملة تشويه سمعة تروتسكي إلى صفوف الأممية الشيوعية.

وكما كان عليه الحال في أجهزة الحزب الشيوعي الروسي، حيث استخدم ستالين منصبه لاختيار الأعضاء الذين كانوا موالين له، فقد عمل زينوفييف على اختيار قادة الفروع القطرية على أساس ولائهم لموسكو. ومع ذلك ففي تلك الأيام الأولى للحركة الشيوعية، كانت القيادة مجبرة على السماح بنقاش ديموقراطي مزيف حول القضايا التي كانت تثيرها المعارضة التي ظهرت داخل الحزب الروسي.

كان الطرد الذي تعرضت له المعارضة اليسارية لاحقا، في نوفمبر 1927، بمثابة هزيمة للقوى اللينينية الحقيقية داخل الأحزاب الشيوعية. وقد فتح هذا الطريق أمام التحول اليسراوي المتطرف الذي قام به ستالين لاحقا وقضائه على المعارضة اليمينية بزعامة بوخارين. لقد كانت تلك خطوة أخرى في مسار توطيد البيروقراطية في الاتحاد السوفياتي، والقضاء على جميع عناصر المعارضة داخل الأممية الشيوعية. وبعد طرد المعارضة اليسارية الروسية، تم تنفيذ عمليات تطهير مماثلة في كل فروع الكومنترن.

رجل واحد ضد العالم

على الرغم من كل الجهود التي بذلها ستالين وأجهزته القوية لسحق المعارضة فقد رفض تروتسكي أن يتم إسكاته. ومن جزيرة برينكيبو الصغيرة في تركيا واصل معركته العنيدة ضد الستالينية. وبدأ المهمة البطيئة والشاقة لجمع هؤلاء الشيوعيين الذين يرغبون في الدفاع عن البرنامج والتقاليد البلشفية اللينينية الحقيقية.

لكن محاولة تروتسكي لبناء منظمة أممية جديدة كانت تتم في ظل أصعب الظروف التي يمكن تخيلها. لقد انعكست موجة الردة الرجعية التي اجتاحت أوروبا في سلسلة الهزائم التي تكبدتها الطبقة العاملة وصعود الفاشية في إيطاليا وألمانيا وإسبانيا. أما في روسيا فقد مثلت محاكمات موسكو الوحشية حربا أهلية شنتها البيروقراطية الستالينية من جانب واحد ضد البلشفية. وقد واصل تروتسكي كفاحه من منفاه المكسيكي البعيد ، حيث خاض وحيدا معركة شجاعة ضد الاحتمالات الفظيعة، لقد كان رجلا واحدا ضد العالم بأسره.

في ظل تلك الظروف كان من الطبيعي أن تعكس كوادر الأممية الجديدة بالضرورة بيئة الهزيمة والردة الرجعية: كانت عناصر محبطة، تنحدر أساسا من البرجوازية الصغيرة. حقيقة الأمر هي أن تروتسكي كانت لديه خيارات محدودة للغاية. كان العديد من الذين التحقوا بالمعارضة لم يفعلوا ذلك لأنهم كانوا بلاشفة - لينينيين مقتنعين، بل كرد فعل ضد جرائم الستالينية. كان البعض منهم متعبين ومتهالكين، وكثير منهم كانوا مشوشين سياسياً. كان هناك يسراويون متطرفون وشبه لاسلطويين ونقابيين وبورديغيين وغيرهم.

كان تروتسكي يدرك جيدا هذه المشكلة. وقد عبر عن هذه الحقيقة بشكل جيد في كتابه The Crisis in the French Section الذي يغطي الفترة الممتدة من 1935 إلى 1936. والشيء الأكثر تعبيرا عن ذلك هو نص الحوار الذي خص به فريد زيلر، الذي كان آنذاك عضوا قياديا في منظمة الشباب اليساريين الاشتراكيين في فرنسا. عندما لام فريد زيلر تروتسكي على سوء تصرف أنصاره في فرنسا لم يحاول هذا الأخير الدفاع عنهم، بل كان كل ما قاله هو:

"تعلم، لا توجد الكثير من الخيارات. عليك أن تعمل بالمواد الموجودة لديك، وهي لا تكون دائما ملائمة".

التروتسكية في بريطانيا

يمكن تطبيق حكم تروتسكي على التروتسكيين الفرنسيين على أولئك الذين كانوا يطلقون على أنفسهم اسم تروتسكيين في بريطانيا أيضا. فمثلهم مثل الفرنسيين، كانوا في أغلبهم عناصر برجوازية صغيرة، وبوهيميين عاجزين عضويًا عن التخلص من عقلية الحلقات الصغيرة وإيجاد طريق نحو الطبقة العاملة. كانوا مصابين بمرض العصبوية، التي ابتليت بها الحركة منذ نشأتها والتي انتقدها تروتسكي مرات عديدة.

في محاولة منه للتغلب على عزلة التروتسكيين البريطانيين عن الطبقة العاملة ، حاول تروتسكي إقناعهم بالدخول إلى حزب العمال المستقل ، الذي انشق عن حزب العمال في أوائل الثلاثينيات بدعم من عدد كبير من العمال الذين كانوا يتجهون نحو اليسار. وكما هي العادة، قاوموا نصيحته، وفي النهاية لم تلتحق بحزب العمال المستقل سوى مجموعة صغيرة من خمسة عشر أو عشرين شخصا. لكنهم لسوء الحظ كانوا عديمي الخبرة وكانوا قد دخلوا إلى حزب العمال المستقل متأخرين جدا، عندما كان قد بدأ ينهار. كانوا يعرفون باسم المجموعة الماركسية.

بدأ الوضع يتغير مع وصول اثنين من التروتسكيين الشباب المتحمسين من جنوب أفريقيا إلى بريطانيا، كان أحدهما هو تيد غرانت. لقد حققوا بعض المكاسب لكن في ذلك الوقت كانت إمكانيات العمل داخل الحزب قد تضاءلت بشكل ملحوظ. ورأى تروتسكي أنه كانت هناك فرص أفضل تنفتح داخل حزب العمال ، وخاصة في رابطة الشباب العمالي. وقد كتب:

"بما أن شبيبة حزب العمال المستقل تبدو ضئيلة ومشتتة، وفي حين أن شبيبة حزب العمال منظمة شبابية جماهيرية، فإنني أقول: لا تقوموا ببناء تيارات فقط - بل اعملوا على الدخول إليها. سيقوم الفرع البريطاني بكسب أول كوادره من بين الثلاثين ألف عامل شاب داخل رابطة الشباب العمالي".

لقد ساعد تيد غرانت على تطوير عمل المجموعة البلشفية اللينينية داخل حزب العمال ، والتي أصبحت شهيرة باسم منظمة The Militant ، على اسم جريدتها. وبحلول ذلك الوقت انضمت إليه أغلبية المجموعة الجنوب أفريقية، بمن في ذلك رالف لي. لكن المنظمة كانت ذات تكوين برجوازي صغير في الغالب، وقد عكس نظامها الداخلي هذا الواقع. لقد كانت مرتعا للنميمة والمكائد والطعن في الظهر، أي ذلك الوسط الموبوء الذي تنشط فيه العناصر البرجوازية الصغيرة.

كان القادة القدامى يشعرون بالغيرة من الرفاق الشبان المتحمسين ، الذين اعتبروهم يمثلون تهديدا لمركزهم وسلطتهم. وكما هو الحال دائما في مثل هذه المجموعات فإن الافتراءات والهجمات الشخصية كانت تحل محل النقاش السياسي. وبسبب عجز القادة عن مناقشة الموقف السياسية، قاموا بتنظيم حملة من الهجمات الفاضحة والافتراءات ضد رالف لي. لقد كانت تلك الاتهامات خاطئة وتم تفنيذها فيما بعد، لكن ذلك المناخ المسموم أدى بشكل حتمي إلى تسميم العلاقات. وانتهت الأزمة بطرد الرفاق من مجموعة The Militant.

قرر الرفاق المطرودون أنه من الضروري البدء من جديد، فأنشأوا رابطة العمال الأممية (WIL) ، وأصدروا العدد الأول من جريدة "أخبار الأممية العمالية" في يناير 1938. لقد كانوا مجرد حفنة من المناضلين، لكنهم عوضوا ضعف عددهم ومواردهم بحيوية الشباب والحماس الثوري. تمكنوا من كسب المناضلين من بين صفوف شبيبة حزب العمال المستقل ورابطة الشباب العمالي والحزب الشيوعي. كتب تيد غرانت في وقت لاحق:

"كنا ثمانية أعضاء. كنا نشيطين نبيع الجريدة في هايد بارك وبيكاديللي وتوتنهام كورت روود. وكنا نتدخل في الإضرابات ونكسب الناس بهذه الطريقة، لقد كسبنا عمالا. لقد كنا المجموعة العمالية الوحيدة كما تعلم. كنا نريد كسب العمال ولم نكن نريد تلك القمامة التي كانت موجودة في المجموعات الأخرى".

بعد فترة وجيزة من تشكيل رابطة العمال الأممية، كتب رالف لي رسالة إلى تروتسكي في 12 فبراير 1938. (توجد في أرشيف تروتسكي، هارفارد، bms Russ 13.1 ، 2625). كما أرسل عددين من جريدة "أخبار الأممية العمالية". وقد تضمن العدد الأول من الجريدة، الذي صدر في يناير ، مقالا لتروتسكي. قرأ تروتسكي الرسالة وخط تحتها بقلم رصاص أحمر وأزرق. وتوجد علامة استفهام وضعها تروتسكي في الهامش حيث يقول رالف إنهم قد بعثوا إليه سابقا بكتيب ونسخ من الجريدة. يبدو أنه يشير إلى أنه لم يستلمها أو أنه بحاجة إلى معرفة المزيد عن المجموعة، أو كليهما.

قبل وقت قصير من اندلاع الحرب ، حصلت رابطة العمال الأممية على أول آلة طباعة خاصة بها، كانت آلة قديمة معطلة تمكن لي، الذي كان ماهرا للغاية، من إعادتها إلى العمل. فقاموا بنشر مجلة نظرية بعنوان "أخبار الأممية العمالية" وكذلك جريدة تسمى "شباب من أجل الاشتراكية". كما أصدروا مقالة تروتسكي "دروس إسبانيا" على شكل كتيب، مع مقدمة كتبها تيد بالتعاون مع رالف لي.

أوضح رالف أن المجموعة حصلت على مطبعة وأنها أصدرت من خلالها "أخبار الأممية العمالية". وكتب "لقد نشرنا حتى الآن عددين من "أخبار الأممية العمالية" وملخص التقرير النهائي للجنة التحقيق في التهم الموجهة إلى ليون تروتسكي في محاكمات موسكو. وقد تم إرسال نسخ منها إليك في ظرف منفصل". تم التسطير على هذه الجملة باللون الأحمر.

واختتم رالف رسالته بالكلمات التالية: "لقد كنا حتى هذه اللحظة نعتمد على مبادرة وطاقة الرفاق الأميركيين، لكن هذا يعني، من بين أمور أخرى، ارتفاع تكلفة منشوراتنا مما كان يحول دون توزيعها على نطاق واسع. نأمل أن نحظى بتأييدك في سعينا لوضع حد لهذا الاعتماد على فرع آخر". وقد سطر تروتسكي على الكلمات التي شددنا عليها بالقلم الأحمر. كان هذا شيئا يحتاج إلى أن يفكر فيه أو يستفسر عنه أكثر، ربما من تشارلز سمنر.

توجد في أرشيف تروتسكي رسالة أخرى من رالف لي إلى تروتسكي بعثها في 14 دجنبر 1938 ، مرفقا معها بيان رابطة العمال الأممية عن الجمع العام لأعضاء المنظمة الذي عُقد في 27 نوفمبر 1938.

وفي نقاش له مع قادة حزب العمال الاشتراكي الأمريكي، في 23 يوليوز 1938 ، وجه تروتسكي اللوم إليهم بسبب افتقارهم إلى التضحية الذاتية الثورية وفشلهم في تأسيس مطبعة. وقام بإعطائهم مثال رابطة العمال الأممية:

"يجب أن تكون لديكم مطبعة كتلك إذا لم تكن أفضل.

"رفاقنا الإنجليز، على سبيل المثال ، يمتلكون الآن مطبعتهم الخاصة ، لكن إذا أردنا أن تكون لدينا مطبعة كهذه يتكلف بها رفيقان أو ثلاثة، علينا أن نصدر ليس فقط [جريدة] "النداء الاشتراكي" مرتين على الأقل في الأسبوع، بل وأيضا كتيبات ونشرات وغيرها. لكن المشكلة هي أن العمل الحزبي يعتمد كثيرا على المفاهيم البرجوازية الصغيرة.

"علينا تثقيف شبابنا لأجل المزيد من روح التضحية. لدينا بالفعل الكثير من البيروقراطيين الشباب في حركتنا".

لا بد أن هذه الانتقادات قد صدمت كانون. لقد كانت بمثابة ضربة لأناه المتضخمة، خاصة وأنها جاءت من تروتسكي نفسه ، الذي كان كانون يستمد منه الشرعية. لقد تعرضت هيبته للتقويض، وهذا ما كان يعتبره جريمة لا تغتفر. وهذا ما يفسر عداءه الحاد والمتواصل لرابطة العمال الأممية التي استمر يشن ضدها هجوما لا هوادة فيه، مستخدما في ذلك الأساليب التي كان تروتسكي يدينها بشكل حازم.

ومن المثير للاهتمام أنه في حين تم إصدار التعليقات الأخرى التي كتبها تروتسكي وتم نسخها حرفيًا في نشرات حزب العمال الاشتراكي الداخلية، فقد تم حذف تلك التي تضمنت هذه الانتقادات الحادة للحزب.

أسوء طريقة لتحقيق الوحدة

مع اقتراب خطر نشوب حرب عالمية جديدة ، قرر تروتسكي تسريع الاستعدادات لإنشاء منظمة أممية جديدة. وفي غشت 1938 ، قبيل المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة ، جاء القيادي في حزب العمال الاشتراكي الأمريكي، جيمس كانون، إلى لندن بهدف توحيد مختلف مجموعات التروتسكيين البريطانيين في منظمة واحدة.

كان قادة حزب العمال الاشتراكي يعتقدون أن قربهم من تروتسكي يعطيهم موقعا متميزا داخل الحركة التروتسكية الأممية. وكان هذا الشعور على وجه الخصوص عند كانون ، الذي اعتبر أنه من المسلم به أن التروتسكيين البريطانيين سوف يتبعون خطته في كل شيء.

حاول كانون استخدام سلطته للضغط على الرفاق من أجل التوحيد مع المجموعات الأخرى. قالوا له إنهم يؤيدون الوحدة لكن فقط على أساس اتفاق سياسي واضح حول الإستراتيجية والتكتيكات. وقالوا له إنه إذا دفع في اتجاه الوحدة على أساس غير مبدئي، فإنه سيوحد ثلاث مجموعات في عشر مجموعات. ومع ذلك سألهم ما إذا كانوا سيأتون إلى مؤتمر الوحدة ، فوافقوا على الحضور لشرح موقفهم.

كان أعضاء رابطة العمال الأممية حذرين لأسباب مفهومة. فبعد تجربتهم السيئة مع مجموعة The Militant ، صاروا غير متأكدين من إمكانية تحقيق وحدة حقيقية. لكنهم شاركوا بحكم الواجب في المؤتمر. لقد كانوا بالطبع مؤيدين بشكل كامل لبناء الأممية الرابعة وكانوا يولون لكانون احتراما كبيرا، لكنهم عندما حضروا المؤتمر صدموا لهول ما رأوه.

يمكن العثور على القصة الكاملة لما حدث في مقال في The History of British Trotskyism ، حيث نقرأ ما يلي:

"في سياق التحضير للمؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة في باريس، جاء جيمس كانون، قيادي التروتسكيين الأمريكيين والمندوب إلى المؤتمر العالمي، من الولايات المتحدة للتمهيد لبناء تنظيم تروتسكي موحد في بريطانيا. كان يتخيل أنه سوف ينفض الخلافات ويوحد الحركة بضربة واحدة. كانت هناك في ذلك الوقت ثلاث مجموعات منفصلة تدعي الانتماء إلى التروتسكية في منطقة لندن، وواحدة في اسكتلندا. كانت هناك جماعة الميلتانت والرابطة الاشتراكية الثورية والحزب الاشتراكي الثوري، ونحن، رابطة العمال الأممية. كان الحزب الاشتراكي الثوري تيارا منشقا عن حزب العمال الاشتراكي، وهو منظمة عصبوية في اسكتلندا، مع بعض الامتداد في غلاسكو وأدنبرة وبعض الأفراد في يوركشاير، والتي انتقلت في اتجاه التروتسكية.

"كان هذا إذن هو الوضع عندما جاء كانون إلى هذا البلد. كنا نحترم كانون الذي كان له تاريخ ثوري طويل داخل الحركة. لقد كان قائد حزب العمال الاشتراكي وكان على اتصال دائم مع تروتسكي في المكسيك. كان الرفاق يولونه مكانة خاصة. وعندما التقيناه أخبرنا أن مهمته هي توحيد المجموعات البريطانية قبل المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة المزمع عقده في شتنبر. وأن ذلك كان هو الموعد النهائي، وأنه لا يمكننا أن ننتظر حتى يصير كل شيء صحيحا في رأس كل شخص لكي نقوم بهذا التوحيد. من جانبنا أخبرناه أننا نؤيد الوحدة، لكنها يجب أن تكون على أساس مبدئي صحيح. في ذلك الوقت وبالنظر إلى الاختلافات المبدئية بين المجموعات، كان علينا مواجهة المشكلة الفورية لكيفية العمل: تطبيق الدخولية أم لا، العمل المستقل أم العمل داخل حزب العمال. وقد أخبرنا كانون أنه قبل الوحدة علينا أن نتفق على سياسة واضحة موحدة. يجب على كل منظمة موحدة أن تتبنى سياسة واضحة من الدخولية أو العمل المستقل. يضاف إلى ذلك بالطبع حقوق الأقلية في طرح موقفها بحرية تامة ومحاولة إقناع الأغلبية داخل إطار المنظمة.

قال كانون: "نعم ، لكن الحزب الاشتراكي الثوري وتيار جيمس لن يقبلا بذلك أبدا". لذلك أجابناه: "إذا لم يكونوا مستعدين لقبول ذلك ، فلن تكون هناك بالطبع أية وحدة".

تأكدت على الفور أسوأ مخاوف رابطة العمال الأممية. فقد كان كونفرانس "الوحدة" برمته عبارة عن مهزلة. وعندما رأى رالف لي ما كان يحدث ، أبواب تفتح وتغلق والناس يأتون ويذهبون، يتآمرون ويساومون، شبه ذلك بمهزلة في غرفة نوم فرنسية. الأشخاص الوحيدون الذين لم يتم الاتفاق معهم أو استشارتهم كانوا هم أعضاء رابطة العمال الأممية.

لقد كان لب المشكلة هو أنه من المستحيل توحيد مجموعات ذات سياسات وتكتيكات وتوجهات مختلفة جذريا. حاول رفاق رابطة العمال الأممية إثارة انتباه كانون إلى ذلك، لكنه لم يقتنع. لقد كان يريد الوحدة وهذا كل شيء. لكن في النهاية ، رفضت رابطة العمال الأممية الانضمام، لأن اتفاق التوحيد الذي سمح لأولئك التروتسكيين المعارضين لتكتيك الدخولية بالمشاركة، كان من المحتم أن يفشل.

كان رد كانون يعكس تماما طبيعته، حيث قال: "سنسحق المنشقين مثلما نسحق الخنافس". فرد عليه لي بحدة مشابهة، وقال له إن الوحدة على هذا الأساس مستحيلة. فقال هنري سارا، الذي كان يترأس الاجتماع، لرالف لي: "لا يمكنك التحدث إلى الضيف بهذه الطريقة". نهض تيد واحتج بأنه "حتى لو كان الرفيق تروتسكي حاضرا، سيكون لنا الحق في طرح أي موقف نريد. هذه هي الديمقراطية داخل حركتنا بغض النظر عمن يوجد هنا".

تم تأكيد تحذير رالف لي في غضون أسبوع واحد. فميتلاند ، الذي حضر باسم الحزب الاشتراكي الثوري، طرد من قبل مجموعته الخاصة الذين رفضوا التوحيد. وسرعان ما حدثت انشقاقات أخرى، وفي غضون ستة أسابيع صار كل شيء خرابا. كانون لم يكن راضيا. لقد اعتاد على تحقيق كل شيء بطريقته الخاصة. وألقى باللوم على رابطة العمال الأممية بكونها السبب في مشاكله. وقد استمر الاستياء الذي شعر به تجاه "المتمردين" أي رالف لي وجوك هاستون وتيد غرانت لعدة سنوات قادمة. وهذا ما يفسر سر الرسالة المفقودة.

كان السبب في كره كانون للتروتسكيين البريطانيين هو ببساطة أنهم كانوا غير مستعدين لقبول قيادته بدون شروط وبدون نقد. كان دائما ينظر إليهم على أنهم مصدر إزعاج. ومن الأهمية بمكان أن نذكر أنه في انتقاده لقيادة الفرع البريطاني "الرسمي" للأممية الرابعة (الحزب الاشتراكي الثوري) كان يتهمهم بأنهم "مهذبون" وغير "قساة" بشكل كاف تجاه رابطة العمال الأممية. إن حقيقة أنه كان يربط البلشفية بالقسوة مؤشر على مدى ابتعاده عن حقيقة أفكار وأساليب لينين وتروتسكي.

صحيح أن الصلابة كانت عنصرا هاما في العقلية البلشفية. ولم يكن من قبيل المصادفة أنه عند حدوث انشقاق 1903 بين البلاشفة والمناشفة، عرف الأولون باسم "المتصلبين"، بينما كان يطلق على المناشفة اسم "الناعمين". لكن تروتسكي أشار إلى أن الصلابة لم تكن حكرا على البلاشفة، ففي صفوف المناشفة أيضا كان هناك العديد من الرجال والنساء الحازمين الذين كرسوا حياتهم لقضيتهم وكانوا على استعداد للنضال والتضحية من أجلها، بينما لم يكن معسكر البلاشفة يخلو من التوفيقيين، كما رأينا في اللحظات الحاسمة للثورة.

لكن الصلابة واللين في الاتجاهات الثورية يجب أن يكون لها أساس سياسي في آخر المطاف. فالليونة التنظيمية التي كانت مميزة للمناشفة لم تكن سوى انعكاس لانتهازيتهم السياسية، أي استعدادهم لتقديم التنازلات بشأن المسائل المبدئية، والسعي للتوصل إلى اتفاقات مع الطبقات الأخرى، وفي النهاية الانتقال إلى معسكر البرجوازية.

لينين نفسه كان دائما حازما ومتشددا (يمكن أن نقول حتى "قاسيا") في ما يتعلق بالمسائل النظرية والمبادئ. كان هذا هو الأساس الحقيقي لمركزيته. لكن هذا لم يكن سوى جانب واحد من المعادلة، أما الجانب الآخر فقد كان موقفه المرن للغاية تجاه مسائل التنظيم والتكتيكات. كان أبعد ما يكون عن أي أثر "للقسوة" في تعامله مع رفاقه. لقد كان دائما يبدي الكثير من الاهتمام والمراعاة والانسانية في تعامل معهم.

كان من غير المعقول بالنسبة للينين ، وكذلك بالنسبة لتروتسكي ، استخدام أساليب تنظيمية لحل النزاعات السياسية. لقد كانت البلطجة والتهديدات والشتائم والافتراءات أساليب غريبة عنهما بشكل مطلق. لقد كانا دائما يعاملان المعارضين السياسيين باحترام، ويردان على جميع انتقاداتهم. ولإثبات ذلك يكفي أن نشير إلى السنوات الخمس الأولى للأممية الشيوعية. لا تنتمي طريقة كانون إلى المدرسة البلشفية، بل تنتمي إلى المدرسة الزينوفييفية، والتي بدورها عبدت الطريق للستالينية.

المؤتمر التأسيسي

خلال كزنفرانس "الوحدة" طلب كانون من تيد وجوك هاستون اللقاء معه. سألهما ما إذا كانوا سيرسلون مندوبا إلى المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة وتقديم طلب الانتماء إلى الأممية كفرع متعاطف. أجاباه بأنهم سيتقدمون بطلب الانتماء كمتعاطفين، على الرغم من أنهم قد لا يتمكنون من جمع المال الكافي لإرسال رفيق إلى المؤتمر التأسيسي. فأجاب كانون: "افعلوا ما تستطيعون. فإن لم تتمكنوا ابعثوا رسالة".

ناقشت المنظمة ذلك وصاغ الرفاق رسالة تعبر عن دعمهم للأممية الرابعة ويطلبون قبولهم كفرع متعاطف. وقد دافع المندوب الفرنسي على أنه يجب قبول رابطة العمال الأممية كفرع متعاطف. كان من شبه المؤكد أنه سيتم قبول الطلب لولا تدخل كانون، الذي انتقم من الرفاق بأكثر الطرق حقارة.

لم تقرأ رسالة رابطة العمال الأممية في المؤتمر. وبدلاً من ذلك، ألقى كانون خطابا ضد الرابطة لما اعتبره انشقاقا لأسباب شخصية. ألقى كانون خطابا مسموما وكاذبا ضد الرابطة، التي اتهمها بـ "العصبوية القومية". كان ذلك الاتهام كاذبا بشكل مطلق، كما كان يعلم كانون جيدا.

وفي الختام دافع كانون عن الاعتراف بالحزب الاشتراكي الثوري باعتباره الفرع البريطاني الرسمي للأممية. تم قبول هذا الاقتراح طبعا، وبما أن المندوبين استمعوا إلى سلسلة كاملة من الأكاذيب عن الرابطة، فقد تم رفض طلبها بالانتماء كفرع متعاطف. ونتيجة لهذه المناورات تعرضت الرابطة لانتقادات ظالمة. وجاء في البيان الختامي أن "جميع المجموعات الوطنية البحتة، وكل أولئك الذين يرفضون التنظيم الأممي والرقابة والانضباط، هم في الجوهر رجعيون".

وعندما كتب كانون تقريرا لتروتسكي عن المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة، قدم صورة غير نزيهة ومشوهة لزيارته إلى بريطانيا وكونفرانس التجميع وأعطى التقييم التالي للرابطة:

"لقد عانت مجموعة الميليتانت خلال الأشهر الستة الماضية من انقسام مؤسف قاده لي ، مما أدى إلى إنشاء مجموعة أخرى دون أن يكون هناك أي أساس مبدئي لذلك الانقسام. لا يمكن لذلك أن يؤدي سوى إلى الارتباك والإحباط، خاصة وأن كلا المجموعتين تعملان حصريا داخل حزب العمال. وفي الوقت نفسه فقد انسحب فرع ليفربول من مجموعة الميليتانت لآسباب انتهازية.

"خلال كونفرانس لندن ، بعد أسبوع من ذلك، حصلت على دعمهم [مجموعة أدنبره] المبدئي لعملية التوحيد الشامل، الشيء الذي مارس بدون شك ضغطا كبيرا على مجموعة جيمس.

"تم قبول القرار السياسي كأساس للتوحيد بشرط أن يتم التركيز بشكل أساسي على العمل داخل حزب العمال دون أن يتم جعل عضوية حزب العمال إلزامية على هؤلاء الرفاق الذين ليسوا أعضاء فيه. كان هذا يوفر على الأقل توجها محددا للمجموعة الموحدة. كان ذلك هو الحد الأقصى الممكن. يبدو لي أن أهم شيء، إذا استطعنا على الأقل أن نحصل على توجه صحيح، هو أن نجمع كل الرفاق معا ونجعلهم يعتادون على العمل في منظمة واحدة تنتمي بشكل وثيق إلى الأممية الرابعة. وقمنا بحملة قوية ضد الانشقاقات غير المسؤولة، وأوضحنا أن المؤتمر الأممي سيتخلص من تعدد الجماعات، ولن يعترف إلا بفرع واحد فقط في كل بلد.

"تتكون مجموعة لي من حوالي ثلاثين عضوا، معظمهم من الشباب، تعرضوا للتسميم الشديد بفعل الصراعات الشخصية لقيادة الميليتانت. لقد حاولوا عرقلة الوحدة لكننا قصفناهم بلا رحمة في كونفرانس التوحيد، وتعرضت صفوفهم للاهتزاز بشدة. وقد أدان المؤتمر الأممي موقفهم.

"لقد أجرى شاختمان بدوره، خلال زيارته لإنجلترا، جلسة مع هذه المجموعة. ورأيه هو نفس رأيي: أي أن يجب عليهم الخضوع للقرار الأممي والدخول في الفرع البريطاني الموحد أو التعرض للانقسام. من الضروري على الفرع البريطاني اتخاذ موقف حازم وصارم فيما يتعلق بهذه المجموعة، وعليه ألا يعترف بأي حال من الأحوال بشرعيتها. لكن، وللأسف، من السهل قول هذا لكن من الصعب تطبيقه. إن الرفاق الانجليز، للأسف مهذبون وغير معتادين على تعاملنا "القاسي" (أي البلشفي) مع المجموعات التي تلعب بالانشقاقات".

أساليب كانون الزينوفييفية

قال لينين إن الشتائم تلعب في السياسة الدور الأكثر دناءة. وقد كان بذلك يشير إلى ستالين في وصيته الأخيرة، والتي تعرضت هي الأخرى للإخفاء بشكل مقصود لأسباب تكتلية. لكن الشتائم كانت أيضا سمة من سمات نفسية زينوفييف ومنهجيته.

ليس من المعروف بشكل عام أن الذي كان يقف وراء حملة الأكاذيب والافتراءات الوحشية التي تعرض لها تروتسكي بعد موت لينين لم يكن ستالين بل زينوفييف، الذي كان مدفوعا بدوافع شخصية بحتة. لقد كان مقتنعا بأنه الوريث الشرعي للينين، وكان حاقدا على تروتسكي ومستاء من المكانة الهائلة التي حققها هذا الأخير في صفوف الحزب البلشفي والطبقة العاملة نتيجة لدوره الحاسم في ثورة أكتوبر وفي الحرب الأهلية التي تلتها.

في وقت لاحق قطع زينوفييف وكامينيف علاقتهما مع ستالين والتحقا بتروتسكي والمعارضة اليسارية. لكن زينوفييف لم يتخل أبداً عن أساليبه غير المبدئية، حيث كان يفضل الدسائس التنظيمية على خوض معركة نزيهة من أجل الأفكار السياسية. وقد اتضح انعدام المبادئ عنده في النهاية عندما استسلم لستالين ، بعد طرد المعارضة اليسارية في عام 1927.

لقد لعب جيمس كانون دورا مهما في المساعدة على بناء المعارضة اليسارية، بعد قطعه مع ستالين في عام 1928. كان لديه تاريخ طويل في الحركة العمالية، وكان محرضا موهوبا ومنظما بارعا. وقد كان ربما القائد الأكثر كفاءة من بين كل قادة الأممية الرابعة الأوائل، لكنه، مثل زينوفييف وستالين ، لم يكن أبدا منظرا.

وهو الشيء الذي كان يعترف به هو نفسه، بل وكان فخورا به. قال: "كنت أنزل بيدي الثقيلة ضد أي شخص يطلق علي اسم منظر. إني أعتبر نفسي محرضًا". لقد تغافل كانون عن حقيقة أن لينين وتروتسكي، زعيمي الحزب البلشفي، كانا قبل كل شيء منظرين.

كان كانون ينتمي إلى قائمة طويلة من الثوريين الذين يسمون أنفسهم "بروليتاريين" والذين يخفون جهلهم النظري وراء واجهة نزعة "العمالوية" الزائفة. وبدل النظرية كانوا يفضلون التحريض السيء. كان ازدراءهم للنظرية والمثقفين يعكس شعورا عميقا متأصلا بالدونية التي تخفي رغبة ملحة في التحول إلى معلم ليس فقط لفن المكائد التنظيمية والمناورات، بل أيضا للنظرية، وهو الشيء الذي يعجزون دائما عنه. لا يوجد في الحركة الثورية من هو أخطر من ذلك الذي ليس منظرا، لكنه يعتقد أنه يجب أن يكون منظرا.

كان كانون زينوزفييفيا، وبقي كذلك بأسلوبه التنظيمي طيلة حياته. وهو يعترف في سيرته الذاتية بالفعل أنه قد:

"تم قمع كتابات المعارضة اليسارية في زمن تروتسكي. لم تكن لدينا منها سوى شذرات باهتة من هنا وهناك، ومن الممكن أن يطلق علي، مثلي في ذلك مثل كل قادة الحزب الأمريكي الآخرين في تلك الأيام، اسم زينوفييفي. لقد أخذنا الاسم من حملة الترويكا [ضد تروتسكي]"

وقال أيضا:

"من الصحيح أن أقول إنني في ذلك الوقت كنت زينوفييفيا بمعنى أن كل قيادي آخر في الحزب كان كذلك، بمعنى أنهم كانوا يتبنون بشكل كامل سياسة موسكو ولا يتعاملون معها بشكل نقدي".

الزينوفييفية تشويه بشع للبلشفية تعمل على التركيز على جانب واحد من أفكار لينين (أي الحاجة إلى منظمة ثورية قوية ومنضبطة ومركزية) بينما تتجاهل النظرية والأفكار أو تقلل من أهميتها. إن النزعة الزينوفييفية حاضرة للأسف في العديد من المجموعات التي تتظاهر اليوم بالوقوف تحت راية التروتسكية. لقد لعبت تلك النزعة دورا خبيثا جدا في انحطاط الأممية الرابعة، ثم في القضاء عليها في النهاية.

كانت أساليب جيمس كانون الزينوفييفية واضحة منذ البداية - وهي الحقيقة التي كان تروتسكي يعرفها، وعبّر عن رفضه لها في أكثر من مناسبة. لقد كان سلوك كانون تجاه التروتسكيين البريطانيين مثالاً تقليديا على تلك الأساليب. كان هدفه هو ممارسة السيطرة الكاملة عليهم. وكان أي شخص يتجرأ على معارضته يعامل على أنه عدو يجب طرده من الحركة. وقد كانت حتى اللغة التي يستخدمها مليئة بالحقد الزعاف. وفيما يلي مثال عن ذلك:

"جميع جرائم وأخطاء ذلك الفصيل الهاستوني المتعفن حتى النخاع يمكن عزوها مباشرة إلى أصلها باعتبارها مجموعة تأسست بدون مبادئ في عام 1938. عندما كنت في إنجلترا في وقت متأخر من ذلك العام ، عشية انعقاد المؤتمر العالمي الأول ، نددت بفصيل "لي- هاستون" باعتباره منعدم المبادئ منذ ولادته. لم تكن لديّ أي ذرة ثقة فيهم طيلة مراحل تطورهم اللاحق ، بصرف النظر عن الأطروحات التي كانوا يكتبونها أو يدافعون عنها في ذلك الوقت".

وقد كتب عن الانشقاق في بريطانيا قائلا:

"لم يكن من الممكن تفسير الانقسام الذي عرفته الحركة في إنجلترا [1938] بأسباب سياسية. لقد ألحق أضراراً هائلة بالحركة وتركها في موقف ضعيف لحد اليوم، بعد التوحيد الذي تحقق أخيرا بفضل التدخل والضغط من جانب الحركة الأممية".

هذه كذبة صارخة. لقد كان كانون مدركا تماما للاختلافات السياسية التي فصلت الرابطة عن المجموعات الأخرى التي دفعها إلى القيام بوحدة سابقة لأوانها وبدون أساس مبدئي. لقد حذره الرفاق في الرابطة - كما رأينا - من أن مثل هذه "الوحدة" لن تدوم خمس دقائق ، وقد أثبتت الأحداث صحة موقفهم. ثم خلال الحرب العالمية الثانية ، وفي مناورة مجردة من المبادئ، سحب كانون بشكل تعسفي الاعتراف بالفرع "الرسمي" (الحزب الاشتراكي الثوري) واعترف بالرابطة، لأن هذه الأخيرة كانت قد حققت نجاحا أكبر خلال الحرب.

وعلى الرغم من كل شيء استمر حزب العمال الاشتراكي لعدة سنوات يزعم أنه "لم تكن هناك اختلافات سياسية" بين الرابطة وبين الحزب الاشتراكي الثوري. وهو ما يمكننا أن نجده في الملاحظات التي كتبها كانون لأعمال تروتسكي، حيث نقرأ ما يلي:

"جاءت مجموعة لي إلى الوجود في عام 1938 نتيجة لدوافع شخصية بحتة ولم يكن لديها أي برنامج سياسي واضح. تنحدر ميلي لي من جنوب إفريقيا وهي عضو سابق في الحزب الشيوعي".

من الصعب أن نعرف ما هو الأكثر سوء في هذه الملاحظة، هل هو التشويه السياسي أم الجهل المطلق. إن مؤلف هذه الملاحظة المثيرة للرثاء لا يعرف حتى أن زعيم الرابطة ليست ميلي لي ، بل زوجها رالف لي ، على الرغم من أن ميلي لعبت بلا شك دورا نشطا للغاية داخل المجموعة.

كما نجد في كتاب كانون ملاحظة تقول: "ذهب كانون إلى إنجلترا عام 1938 ، قبيل المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة ، كممثل للسكرتاريا الأممية بهدف الترويج للاندماج بين المجموعات التروتسكية الأربع التي كانت موجودة آنذاك. وقد نجح في توحيد ثلاث من تلك المجموعات لتشكيل الرابطة الاشتراكية الثورية (وهي الحزب الاشتراكي الثوري ؛ والمجموعة الماركسية ، بقيادة جيمس؛ ومجموعة الميليتانت). لقد حضر الحزب الاشتراكي الثوري في المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة وتم الاعتراف به بكونه الفرع البريطاني للأممية. أما رابطة العمال الأممية، بقيادة رالف لي وجوك هاستون، فقد رفضت الانضمام إلى الحركة الموحدة وقاطعت المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة. وتحت ضغط الحركة العالمية اندمج الحزب الاشتراكي الثوري ورابطة العمال الأممية في عام 1944 لتشكيل الحزب الشيوعي الثوري". (التشديد من عندي، آ.و)

هذه كذبة أخرى. فكما سبق لنا أن رأينا لم تقاطع الرابطة المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة. وعلى الرغم من أن رفاق الرابطة كانوا من الناحية الرسمية خارج الأممية الرابعة، فإنهم كانوا يعتبرون أنفسهم جزءًا من الحركة التروتسكية العالمية. لقد كانوا متفقين تماما مع برنامج ومبادئ الأممية الرابعة كما شرحها تروتسكي.

موقف تروتسكي من الرابطة

على الرغم من حملة الافتراءات المنهجية التي كان كانون يشنها، فمن الواضح أن تروتسكي كان له موقف مختلف تمامًا. لقد كان متعودا على التحلي بالصبر وأن ينتظر حتى يتضح له أي مجموعة في بريطانيا سوف تمثل مستقبل الأممية الرابعة حقًا. أما في ذلك الوقت فقد كان يمتنع عن إصدار أي حكم. لكنه في تلك الاشارات القليلة التي كتبها عن الرابطة تجنب توجيه أي نقد إليها.

لو أن تروتسكي كان مقتنعاً بأنهم كانوا "عصبويين قوميين" حقا، لكان قد هاجمهم بلا شك بأقوى العبارات. في بدايات عام 1939 أعطى جيمس لتروتسكي تقريرا عن الجماعات التروتسكية البريطانية. وبعد أن وصف له المشاكل التي تعيشها المجموعة الرسمية، وصل إلى الحديث عما أسماه "جماعة لي في حزب العمال" (أي الرابطة)، وقال:

"هناك أيضًا مجموعة أخرى - مجموعة لي في حزب العمال - والتي رفضت أن تكون لها أية علاقة بالاندماج، معتبرة أنه من المحتم أن يفشل. إن مجموعة لي نشطة للغاية".

استمع تروتسكي بانتباه لكنه لم يدل بأي تعليق. لم يعمل على إدانة مجموعة لي، بل تبنى موقف الانتظار والترقب. وقد كان في العام الذي سبق قد أثنى بحماس على جهودهم في نشر كتيبه عن إسبانيا وشرائهم للمطبعة. أشار تيد غرانت في مقابلة له مع سام بورنشتاين إلى ما يلي:

"الشيء المهم الذي يجب تذكره هو أن تروتسكي لم يهاجم رابطة العمال الأممية على الإطلاق في أي من كتاباته. كان ينتظر لرؤية ما سوف يحدث. لقد كان يعرف [كيف] يتصرف كانون والآخرون. كانت لديه خبرة بهم، وبالتالي فإن تروتسكي لم يهاجمنا أبدا. (...) لقد كتب يمدحنا ويمدح إصدارنا للجريدة ومشيدا بالمقدمة التي كتبناها، لي وأنا، لكتيب دروس إسبانيا".

تذكر تيد فرحتهم عندما قرأوا رسالة تروتسكي إليهم، وهي بالضبط الرسالة التي وجدناها الآن، حيث يهنئهم على نشر ذلك الكتيب، ويؤكد على أهمية أن تكون لدى المنظمة الثورية مطبعتها الخاصة، باستقلال عن المطابع الرأسمالية. من هذا يبدو من الواضح أن تروتسكي كان يتابع عمل الرابطة باهتمام ، وكان يتوصل منها بشكل منتظم بكتاباتها.

على الرغم من أن تيد غرانت والآخرون كانوا من الناحية الرسمية خارج الأممية فإنهم استمروا يعتبرون أنفسهم جزءًا منها. وقد قال عن ذلك: "لقد كنا نعتبر أنفسنا الابن غير الشرعي للأممية". كانوا واثقين من أنه سيتم الاعتراف بهم عاجلاً أم آجلاً بكونهم الفرع البريطاني الشرعي. وقد أثبت التاريخ أنهم كانوا على حق. وكما سبق لنا أن رأينا بدأت المجموعة "الموحدة" تتفكك إلى شظايا بمجرد انتهاء المؤتمر.

في غضون ذلك واصلت الرابطة إحراز تقدم مطرد، وكسب العمال وأعضاء من حزب العمال المستقل والحزب الشيوعي وحزب العمال، بل وحتى من الحزب الاشتراكي الثوري الذي تحول إلى مجموعة صغيرة. وفي النهاية ، كما رأينا ، كان كانون مجبراً على التخلص من الحزب الاشتراكي الثوري المحتضر والاعتراف بالرابطة باعتبارها الفرع الرسمي للأممية الرابعة في بريطانيا. لكنه حتى بعد ذلك لم يكف عن مؤامراته ومناوراته المدمرة ضد قيادة الفرع البريطاني، مما أدى في النهاية إلى حدوث انشقاق جديد وتدمير الفرع بعد الحرب العالمية الثانية.

يجب أن نضيف أن كانون لم يكن المسؤول الوحيد عن تحطيم الأممية الرابعة. بل إنه لم يكن الأسوأ من بين القادة المزعومين الذين ظهروا في المقدمة بعد مقتل تروتسكي. لم يكن الآخرون أفضل حالا، بل كان معظمهم أسوأ بكثير. لقد كان بابلو وماندل وبيير فرانك وليفيو مايتان، يتصفون بكل عيوب كانون بينما لم يكونوا يتصفون بأي من إيجابياته. لم يكن أي منهم في مستوى المهام التي كان التاريخ يطرحها. وقد عملوا معا على تحويل الأممية إلى أشلاء.

تزوير التاريخ جريمة

يمكن للرسائل أن تضيع في البريد أو تتعرض للتلف أو تضل طريقها، أو حتى تنسى في صندوق في العلية. لكن في حالتنا هذه لم يكن اختفاء رسالة تروتسكي مجرد حادث عرضي، بل كان عملاً متعمداً للتزوير السياسي. إن هذه، بالطبع، تهمة خطيرة للغاية. لقد خاض ليون تروتسكي صراعا عنيدا ضد التزوير التاريخي، والذي هو أسلوب ستاليني وزينوفييفي غريب جدا عن تقاليد البلشفية. إنه، بكلمة واحدة: جريمة.

ما هو الدليل الذي لدينا لهذا التأكيد؟ من الضروري عند التحقيق في أي جريمة تحديد الدافع والفرصة. إن دوافع كانون في هذه القضية واضحة للغاية. لقد كان مدفوعا في المقام الأول بهاجس هيبته الشخصية. كان يعتبر نفسه الزعيم الرئيسي للحركة التروتسكية العالمية، بعد تروتسكي. كان معروفا بكونه متغطرسا وغير متسامح مع أي معارضة أو نقد. وهذه أخطاء خطيرة جدا في أي شخص يدعي بأنه قائد ثوري.

في حين كان تروتسكي يشيد بمواهب كانون التي لا شك فيها، خاصة في المجال التنظيمي، فإنه لم يكن يوافق أبدا على الأساليب التنظيمية التي ينهجها. في وقت انقسام الحزب الاشتراكي العمالي حول الموقف تجاه الاتحاد السوفياتي، عندما استسلم شاختمان وآخرون للضغوط البرجوازية الصغيرة وقبلوا بالنظرية الزائفة لرأسمالية الدولة، وقف كانون للدفاع عن موقف تروتسكي، وقد كان محقا في ذلك بالتأكيد. لكن تروتسكي حذر كانون من استخدام الإجراءات الإدارية ضد الأقلية ، أو محاولة طرد شاختمان من المنظمة. لكن ذلك هو ما فعله بالضبط.

أما بالنسبة للفرصة، فقد كانت لدى كانون كل الفرص لإقبار الرسالة، أو أي وثيقة أو مقالة أخرى اعتبرها غير ملائمة من وجهة نظره. إن عدم العثور على الرسالة المفقودة في أرشيف تروتسكي في جامعة هارفارد هو مؤشر آخر على المدى الذي كان كانون وهانسن يمكنهما وصوله في تزوير التاريخ. هناك أسباب كثيرة لتصديق ما كان سام بورنشتاين وآل ريتشاردسون يقولانه حول أن هناك العديد من وثائق تروتسكي المفقودة لهذا السبب بالضبط.

وحقيقة أن بورنشتاين وريتشاردسون لم يكونا متعاطفين أبدا مع تيد غرانت والرابطة يعني أنهما شاهدين موثوقان يمكن الاعتماد عليهما لتأكيد حقيقة أن كانون وأنصاره قد قاموا بشكل متعمد بإخفاء الرسالة التي كتبها تروتسكي مشيدا بعمل الرابطة، وذلك من أجل أسباب حزبية. ففي كتابهما نقرأ ما يلي:

"الحقيقة الصارخة بشكل خاص هي تلك الثغرات الموجودة في كتابات تروتسكي والتي تجعل حتى من أكثر إصداراته عن بريطانيا شمولا مجرد مقتطفات. ولدينا في حالة واحدة على الأقل، ما يبرر قولنا بأن هناك وثيقة قد تم إقبارها لصالح اعتبارات حزبية".

ما هي الوثيقة التي يشيرون إليها؟ يشرحون قائلين:

"من بين الرسائل التي بعث بها تروتسكي إلى سمنر في ذلك الوقت، كانت هناك واحدة يهنئ فيها رابطة العمال الأممية على المقدمة التي كتبوها لمؤلفه "دروس إسبانيا: الإنذار الأخير". والتي ما زالت لم تنشر بعد في إصدارات كتابات المنفى الأخير لتروتسكي، وذلك لدوافع حزبية واضحة".

لقد تمت إعادة ربط عقدة التاريخ

أستطيع أن أفهم أنه قد يبدو من الغريب بالنسبة للعديد من الناس خارج حركتنا أن يتسبب ظهور رسالة قصيرة، تشتمل على بضع فقرات، كل هذا الإثارة. لكن نشر أي خطاب من خطابات تروتسكي تمثل دافعا دائما للاحتفال من طرفنا نحن الذين ما زلنا ملتزمين التزاما راسخا بالأفكار التي كان يدافع عنها والقضية التي كرس لها حياته كلها.

لكن بالنسبة لأعضاء التيار الماركسي الأممي، تمثل هذه الرسالة أكثر من ذلك بكثير. إنها الدليل الحي على ما وصفه تيد غرانت، مؤسس حركتنا، بأنه الخيط المستمر الذي يربطنا بالأصول الحقيقية للماركسية الثورية الأممية. إنها، كما سبق لي أن ذكرت في المؤتمر العالمي للتيار الماركسي الأممي لسنة 2018، شهادة ميلادنا. إنها تربطنا مباشرة مع ليون تروتسكي، وهي تأكيد واضح على أن الأفكار والأساليب التي ندافع عنها قد حظيت بقبول ذلك الرجل العظيم.

لقد كنت مؤخراً في نيويورك حيث حضرت جامعة ناجحة جدا للفروع الشمالية الشرقية للفرع الأمريكي للتيار الماركسي الأممي. كانت أخبار الخطابات قد وصلت إلى الرفاق الأمريكيين للتو وهو ما كان له تأثير عميق عليهم. وقد قال لي أحد الأعضاء المخضرمين في الفرع: "لو كنت متدينا لكنت سأعتبر نجاة هذه الرسالة بمثابة معجزة صغيرة".

لا تحتوي هذه الكلمات على أي ذرة من المبالغة. يمكن للمرء أن يفكر في عشرات الأسباب التي كانت لتمنع هذه الرسالة من أن ترى النور. فقد سافرت من كويواكان بالمكسيك إلى لندن، ومن لندن إلى اسطنبول، ومن العاصمة التركية إلى نيويورك، حيث بقيت هناك عدة سنوات، منسية في صندوق في علية منزل، وأخيرا، وبعد هذه الرحلة المذهلة، وجدت طريقها إلى الوجهة الصحيحة، بعد تأخير دام 80 سنة بالضبط. يجب أن تكون هذه أغرب عملية تسليم تم تسجيلها في تاريخ الخدمات البريدية في العالم على الإطلاق.

لقد أخبرني تيد غرانت ذات مرة أنه قبل الحرب العالمية الثانية كان هناك رفيق في صفوفنا كان عضوًا في الأممية الأولى والثانية والثالثة والرابعة. للأسف لم أقابل هذا الرفيق أبدا. لقد كان قد توفي قبل وقت طويل من انضمامي إلى هذا التيار عام 1960. لكنه من دواعي الفخر الشديد بالنسبة لنا أننا نستطيع أن نتبع جذورنا السياسية، من خلال تروتسكي في البرنامج الانتقالي والمعارضة اليسارية الأممية ولينين والحزب البلشفي، إلى أفكار ماركس وإنجلز والأممية الأولى، والبيان الشيوعي الذي ما يزال حتى اليوم الوثيقة الأكثر راهنية في العالم.

يعتبر اكتشاف الرسالة المفقودة، بالنسبة لنا نحن الذين لنا امتياز وشرف العمل والنضال من أجل بناء أممية تروتسكية حقيقية، حدثا مؤثرا وملهما للغاية. إنه مثل العثور على القطعة الأخيرة من أحجية كبيرة، حيث يصير كل شيء في مكانه المناسب أخيرا. لكن لحظة الانتصار هذه هي في نفس الوقت لحظة مليئة بالحزن.

كان تيد غرانت يصر دائما، وهو محق في ذلك، على ضرورة فهم من نحن ومن أين أتينا. كان غالبا ما يتحدث عن تاريخ تيارنا (على الرغم من أنه لدواعي الحيز الزمني لم يفلح أبدا في المضي أبعد من عام 1949). وفي كل مرة تحدث فيها تيد عن هذا الموضوع، لم ينس ولو لمرة واحدة ذكر هذه الرسالة. آه لو أن تيد عاش لرؤيتها، كان سيكون في قمة السعادة. لكنه للأسف ليس كذلك.

تتحرك عجلة التاريخ ببطء شديد، في حين أن الساعة البيولوجية التي تتحكم في حياة الرجال والنساء لا ترحم. نحن نولد ونعيش ثم نموت. لكن قضية الطبقة العاملة خالدة، وهذا القضية أعظم من أي حياة فردية. إن النضال مستمر وسوف يستمر حتى لحظة النصر النهائي. ولهذه القضية نكرس نحن حياتنا بثقة تامة وراسخة في أنها ستنتصر.

اليوم، وبعد مرور 80 عامًا على تأسيسها لم تعد الأممية الرابعة موجودة كمنظمة. أما ذلك العدد الكبير من العصب المتنازعة التي تدعي الانتماء إليها لا تفعل شيئاً سوى تشويه سمعة التروتسكية في أعين العمال والشباب الطليعيين الذين يبحثون عن طريق الثورة الاشتراكية. لقد سلمنا تروتسكي راية نظيفة، لكن الزينوفييفيين البرجوازيين الصغار لوثوها. وقد قطعنا معهم بشكل حاسم.

إلا أن الأممية ما تزال موجودة اليوم، وشعلتها صارت متقدة أكثر من أي وقت مضى، وقد صارت اليوم أكثر ضرورة من أي وقت مضى. إنها موجودة في الأفكار والبرنامج والمبادئ التي وضعها ليون تروتسكي، والتي هي في جوهرها نفس الأفكار التي أعلنها ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي ونفس أفكار لينين والحزب البلشفي، إنها نفس الأفكار التي قادت العمال الروس إلى النصر في عام 1917، ونفس الأفكار التي تضمنتها وثائق المؤتمرات الأربعة الأولى للأممية الشيوعية.

إن هذه الأفكار يدافع عنها اليوم التيار الماركسي الأممي، الذي يفخر بأن جذوره تعود إلى تروتسكي. إن هذا يعطينا الحق في أن نقول للعالم بأسره: هذه رايتنا وتراثنا وتقاليدنا. وهذا ما يملئنا بالثقة التي نحتاجها لخوض الكفاح حتى النهاية.