النقابات في عصر الانحطاط الإمبريالي

The comrades of Marxy.com translated the important pamphlet of Trotsky on the Trade Unions in the Epoch of Imperialist Decay. We are pleased to reproduce here the first Arabic translation of this text on our website (based on the French version).

 اندماج المنظمات النقابية بسلطة الدولة

  هناك ميزة مشتركة لتطور، أو بالأصح، لانحطاط المنظمات النقابية الحديثة في العالم بأسره: إنها ميزة تقاربها واندماجها بسلطة الدولة.

  ويخص هذا المسلسل كلا من النقابات المحايدة، النقابات الاشتراكية الديموقراطية، الشيوعية والفوضوية. هذا الواقع لوحده يبين أن هذا الميل نحو الاندماج بالدولة ليس مرتبطا بهذا المذهب أو ذاك، لكنه نتاج للشروط الاجتماعية المشتركة لجميع النقابات.

  إن الرأسمالية الاحتكارية ليست قائمة على المنافسة الحرة والمبادرة الخاصة، بل على التسيير المركزي.

  تتحكم الطُّغم الرأسمالية، الموجودة على رأس التروستات القوية والسنديكات والاتحادات المالية (Consortiums)، الخ. في الحياة الاقتصادية بنفس درجة تحكم جهاز الدولة، ويعملون في كل حين على التعاون مع هاته الأخيرة. ومن جهتها تجد النقابات نفسها، في القطاعات الصناعية الأكثر أهمية، محرومة من إمكانية الاستفادة من المنافسة بين مختلف المقاولات. إذ يتوجب عليها مواجهة عدو رأسمالي ممركز، يملك روابط قوية بجهاز الدولة. ومن هنا ينبع بالنسبة للنقابات، ما دامت واقفة على أرضية إصلاحية - أي على أرضية التكيف مع الملكية الخاصة - ضرورة التعايش مع الدولة الرأسمالية ومحاولة التعاون معها.

  إن المهمة الأساسية، من وجهة نظر بيروقراطية الحركة النقابية، تتمثل في "تحرير" الدولة من سيطرة الرأسماليين، عبر إضعاف تبعيتها اتجاه التروستات وجذبها [الدولة] إليها [البيروقراطية]. ويتوافق هذا الموقف تماما مع الوضع الاجتماعي للأرستقراطية وللبيروقراطية العماليتين اللتان تناضلان من أجل الحصول على بعض الفتات عند اقتسام فوائض أرباح (Surprofits) الرأسمالية الإمبريالية.

  من خلال خطاباتهم، يعمل البيروقراطيون العماليون كل ما في وسعهم من أجل البرهنة للدولة "الديموقراطية" كم هم جديرون بالثقة وكم هم ضروريون زمن السلم، وبوجه خاص زمن الحرب. إن الفاشية لا تخترع شيئا جديدا بتحويلها النقابات إلى أجهزة للدولة، إذ أنها لا تعمل سوى على دفع جميع الميولات الملازمة للرأسمالية إلى نتائجها النهائية.

  ليست البلدان المستعمرة والنصف مستعمرة خاضعة لسيطرة رأسمالية محلية، بل هي خاضعة لسيطرة الإمبريالية الأجنبية. إلا أن هذا لا يلغي، بل على العكس يقوي من، الحاجة إلى وجود روابط مباشرة، يومية وعملية بين أقطاب الرأسمالية وبين الحكومات في هذه البلدان المستعمَرة والنصف مستعمَرة، التي هي في الواقع تابعة لهم. وبقدر ما تعمل الرأسمالية الإمبريالية على خلق شريحة من الأرستقراطية العمالية والبيروقراطية داخل البلدان المستعمَرة والنصف مستعمَرة، بقدر ما يميل هؤلاء إلى طلب الدعم من حكوماتهم باعتبارها حامية وداعمة لهم وأحيانا باعتبارها حكما.

   يشكل هذا القاعدة الاجتماعية الأكثر أهمية للميولات البونابارتية والشبه بونابارتية لدى الحكومات في المستعمرات، وفي البلدان "المتخلفة" عموما. وهذا ما يشكل أيضا أساس تبعية النقابات الإصلاحية للدولة.

  في المكسيك، تحولت النقابات طبقا للقانون إلى مؤسسات شبه رسمية واكتسبت، نتيجة لذلك، خاصية شبه توتاليتارية. إن إلحاق النقابات بالدولة، حسب منظور المشرِّعين، تم تطبيقه لصالح العمال بهدف تمكينهم من ممارسة تأثيرهم على الحياة السياسية أو الاقتصادية. لكنه، وبقدر ما تهيمن الرأسمالية الإمبريالية على الدولة الوطنية، وحيث يمكنها قلب الديموقراطية الهشة واستبدالها فورا بديكتاتورية فاشية واضحة، يمكن للتشريع المتعلق بالنقابات أن يتحول آنذاك إلى سلاح في يد الدكتاتورية الإمبريالية.

  شعارات من أجل استقلالية النقابات

  مما سبق، يمكن بسهولة على ما يبدو ومن النظرة الأولى استخلاص أن النقابات قد توقفت عن أن تكون هي ذاتها في عصر الإمبريالية، وبأنها لم تعد تترك أي مجال تقريبا للديموقراطية العمالية، التي شكلت خلال الأزمنة السعيدة الماضية، عندما كانت المبادرة الحرة مهيمنة في ميدان الاقتصاد، جوهر الحياة الداخلية ذاته للمنظمات العمالية. ويمكن كذلك الاعتقاد بأنه مع غياب الديموقراطية العمالية، لا يمكن القيام بنضال مفتوح من أجل ممارسة التأثير على أعضاء النقابات، وبالتالي تختفي الحلبة الرئيسية للعمل الثوري في صفوف النقابات. إن اتخاذ موقف كهذا سيكون خاطئا كليا. إننا لا نستطيع اختيار حقل نشاطنا وظروفه بناء فقط على مشاعر الرغبة أو النفور. إنه من الصعب جدا النضال من أجل التأثير في الطبقة العاملة في ظل دولة توتاليتارية ونصف توتاليتارية منه في ظل دولة ديموقراطية. وتنطبق هذه الملاحظة أيضا على النقابات التي ينعكس فيها تطور الدول الرأسمالية. لكن لا يمكننا أن نمتنع عن العمل بجانب العمال في ألمانيا فقط لأن النظام التوتاليتاري هناك يجعل عملا كهذا مسألة جد صعبة. ولنفس السبب، لا يمكننا أن نمتنع عن النضال في منظمات العمل الإجباري التي خلقها الفاشيون. وبالأحرى لا يمكننا أن نمتنع عن القيام بعمل منهجي في صفوف نقابات نظام توتاليتاري أو نصف توتاليتاري فقط لأنها نقابات تابعة، بشكل مباشر أو غير مباشر، للدولة العمالية، أو لأن البيروقراطية تمنع الثوريين من إمكانية العمل بحرية داخل هذه النقابات. من الضروري قيادة النضال في جميع هذه الظروف الملموسة التي خلقها التطور السابق، بما فيها أخطاء الطبقة العاملة وجرائم قادتها.

  لا يمكن لجميع أشكال العمل الثوري، داخل البلدان الفاشية أو الشبه فاشية، إلا أن يكون عملا غير شرعي وسري. من الضروري علينا أن نأقلم أنفسنا مع الظروف الملموسة الموجودة داخل نقابات كل بلد من أجل تحريك الجماهير، ليس فقط ضد البرجوازية، لكن أيضا ضد النظام التوتاليتاري السائد داخل النقابات ذاتها وضد القادة الذين يرسخون هذا النظام.

  إن الشعار الأساسي في نضالنا هذا هو: الاستقلالية التامة والغير مشروطة للنقابات اتجاه الدولة الرأسمالية. وهذا يعني: النضال من أجل تحويل النقابات إلى أجهزة للجماهير المستغَلّة وليس إلى أجهزة للأرستقراطية العمالية.

  والشعار الثاني هو: الديموقراطية داخل النقابات.

  إن هذا الشعار ينبع مباشرة من الأول ويفترض مسبقا من أجل تحققه الحرية التامة للنقابات اتجاه الدولة الإمبريالية أو المستعمَرة.

  بعبارة أخرى، في عصرنا الحالي، لا يمكن للنقابات أن تكون مجرد أجهزة بسيطة للديموقراطية كما كانت عليه خلال عصر رأسمالية التبادل الحر، ولا يمكنها أن تظل لفترة طويلة محايدة سياسيا، أي أن تكتفي بالدفاع عن المصالح اليومية للطبقة العاملة. لا يمكنها أن تظل لفترة طويلة فوضوية، أي أن تتجاهل التأثير الحاسم للدولة على حياة الشعوب والطبقات.

  لا يمكنها أن تظل لفترة طويلة إصلاحية، لأن الشروط الموضوعية لا تسمح بإصلاحات جدية ودائمة. إن النقابات في عصرنا، لا يمكنها إلا أن تخدم كأدوات ثانوية في يد الرأسمالية الإمبريالية لإخضاع وتطويع العمال وإعاقة الثورة، أو أن تصبح، على العكس من ذلك، أدوات في يد الحركة الثورية للبروليتاريا

  لقد أصبحت حيادية النقابات شيئا متجاوزا بشكل كلي ونهائي، وماتت مع موت الديموقراطية الحرة البرجوازية.

  ضرورة العمل داخل النقابات

  وبناء على ما سبق، يستخلص بوضوح، أنه وبالرغم من الانحطاط المتواصل للنقابات واندماجها المتصاعد بجهاز الدولة الإمبريالية، فإن العمل في صفوفها ليس فقط لم يفقد شيئا من أهميته، بل لا زال كما كان عليه في السابق، وصار إلى حد ما أيضا، عملا ثوريا. لا يزال رهان هذا العمل في الجوهر هو النضال من أجل التأثير في الطبقة العاملة. إن أي منظمة، أي حزب، أي جماعة تتخذ موقفا عدميا من النقابات، أي تعمل في الواقع على إدارة ظهرها للطبقة العاملة، بكل بساطة لأن هذه المنظمات لا تعجبها، محكوم عليها بالفناء ويجب القول بأنها تستحق مصيرها هذا.

  في البلدان "المتخلفة"

  اعتبارا لواقع أن الدور الرئيسي في البلدان المتخلفة لا تلعبه الرأسمالية الوطنية بل الرأسمالية الأجنبية، فإن البرجوازية الوطنية تحتل موقعا اجتماعيا أدنى مما يفترضه تطور الصناعة.

  وبقدر ما لا يقوم الرأسمال الأجنبي باستيراد العمال بل يعمل على بلترة الأهالي، فإن البروليتاريا الوطنية سرعان ما تصبح صاحبة الدور الأكثر أهمية في حياة البلد. في ظل هذه الظروف، تصبح الحكومة الوطنية، عندما تحاول مقاومة الرأسمال الأجنبي، مجبرة على الاستناد، إلى هذا الحد أو ذاك، على البروليتاريا.

  من جهة أخرى، تعمل حكومات البلدان التي تعتبر أنه من المحتم والأكثر فائدة بالنسبة إليها السير يدا في يد مع الرأسمال الأجنبي، على تدمير المنظمات العمالية وتأسس لنظام توتاليتاري إلى هذا الحد أو ذاك.

  وهكذا، فإن ضعف البرجوازية الوطنية، وغياب تقاليد حكومية ديموقراطية، وضغط الإمبريالية الأجنبية والتطور السريع نسبيا للبروليتاريا، يزيل كل أساس لقيام نظام ديموقراطي ثابت. إن حكومات البلدان المتخلفة، أي المستعمرة والنصف مستعمرة، تأخذ في مجملها خصائص أنظمة بونابارتية أو شبه بونابارتية. ولا تختلف عن بعضها البعض إلا بكون إحداها تحاول السير في اتجاه ديموقراطي باحثة عن سند لها بين العمال والفلاحين، بينما الأخريات تقيم أشكالا لدكتاتورية عسكرية وبوليسية. وهذا يحدد أيضا مصير النقابات: فإما أن يتم وضعها تحت وصاية الدولة، وإما يتم إخضاعها لقمع رهيب. وترتبط هذه الوصاية بالمهمتين المتناقضتين اللتان على الدولة مواجهتهما: إما التقرب من الطبقة العاملة بأكملها والتمكن هكذا من إيجاد سند لمقاومة الأطماع الإمبريالية المجاوزة للحد، وإما تطويع العمال عبر وضعهم تحت سيطرة البيروقراطية.

  الرأسمالية الاحتكارية والنقابات

  لقد صارت الرأسمالية الاحتكارية أقل فأقل استعدادا لأن تتقبل مجددا استقلالية النقابات. إنها تطالب البيروقراطية الإصلاحية والأرستقراطية العمالية، اللتان تلتقطان فتات مائدتها، بأن تتحولا هما الاثنتان إلى بوليس سياسي لها في نظر الطبقة العاملة. فإذا لم يتحقق هذا المطلب، يتم التخلص من البيروقراطية العمالية واستبدالها بالفاشيين. وهكذا لا تستطيع جميع المجهودات التي تبذلها الأرستقراطية العمالية في خدمة الإمبريالية، إنقاذها [الأرستقراطية] من الدمار.

  عند درجة معينة من احتداد التناقضات الطبقية داخل كل بلد على حدة والتناقضات بين البلدان، لا تعود الرأسمالية الإمبريالية قادرة على تحمل البيروقراطية الإصلاحية (ولو إلى حد ما) إلا إذا تحولت هذه الأخيرة، بشكل مباشر إلى مساهم، صغير لكنه نشيط، في المقاولات الإمبريالية، في مخططاتها وبرامجها، داخل البلد نفسه وكذا على الصعيد العالمي. وهكذا يتوجب على الاشتراكية الإصلاحية أن تتحول إلى اشتراكية إمبريالية عساها تتمكن من الحفاظ على وجودها لا أكثر، لأنه لا يوجد على العموم أي مخرج في هذا الاتجاه.

  هل يعني هذا أنه في عصر الإمبريالية لا يمكن، أن توجد عموما، أية نقابة مستقلة؟ إن طرح السؤال بهذه الطريقة سيكون خاطئا من حيث الجوهر. ففي الواقع، من المستحيل وجود نقابات إصلاحية مستقلة أو شبه مستقلة. بينما من الممكن جدا وجود نقابة ثورية، ليست فقط لا تقوم بدور المساند للبوليس الإمبريالي، بل تحمل على عاتقها مهمة قلب النظام الرأسمالي. في عصر الإمبريالية المنحطة، لا تستطيع النقابات إن تكون مستقلة حقا، إلا بقدر ما تنخرط بوعي في نضال منظمات الثورة البروليتارية. وبهذا المعنى، لا يشكل البرنامج الانتقالي المصادق عليه من طرف المؤتمر الأخير للأممية الرابعة برنامجا لنشاط الحزب فقط بل، يشكل أيضا، في خطوطه الأساسية برنامجا لنشاط النقابات.

  في البلدان المستعمرة والشبه مستعمرة

  يقدم تطور البلدان المتخلفة صورة مركبة. بعبارة أخرى، إن آخر صيحات التكنولوجيا والاقتصاد والسياسية الإمبريالية تتداخل في هذه البلدان مع الحالة المتخلفة والبدائية التقليدية. ويمكن ملاحظة هذا القانون في الميادين الأكثر اختلافا لتطور البلدان المستعمرة والشبه مستعمرة، بما فيها ميدان الحركة النقابية. إذ تنشط الرأسمالية هنا في شكلها الأكثر كلبية والأكثر وضوحا. فتحمل إلى أرضية عذراء أكثر طرق سيطرتها الاستبدادية فعالية.

  في انجلترا

  في كل الحركة النقابية العالمية، يمكن خلال الفترة الأخيرة ملاحظة انزلاق نحو اليمين وإلغاء للديموقراطية الداخلية. وفي انجلترا، تم سحق حركة الأقلية داخل النقابات (ليس بدون تدخل من موسكو)، ويعتبر القادة النقابيون اليوم، خاصة على صعيد السياسة الخارجية، عملاء مخلصين لحزب المحافظين.

  في فرنسا

  لم يكن هناك في فرنسا، مكان للوجود المستقل للنقابات الستالينية. إذ تتوحد مع ما يسمى النقابية الفوضوية بقيادة جوهو (Jouhaux)، وكنتيجة لهذه الوحدة، شهدنا انتقالا عاما للحركة النقابية، ليس نحو اليسار بل نحو اليمين.

  إن قيادة الكنفدرالية العامة للشغل هي الممثل المباشر والأكثر وضوحا للرأسمالية الإمبريالية الفرنسية.

  في الولايات المتحدة الأمريكية

  في الولايات المتحدة، مرت الحركة النقابية خلال هذه السنوات الأخيرة بفترة جد مضطربة. فصعود نقابة CIO يؤكد الميولات الثورية التي بدأت تظهر بين جماهير الشغيلة. إلا أنه من اللافت للنظر ومن المعبر جدا واقع سقوط المنظمة النقابية اليسارية، التي لم تتأسس إلا حديثا، تحت ضربات الدولة الإمبريالية. ويتلخص الصراع بين قياديي الفدرالية القديمة وقياديي المنظمة الجديدة، في جزء كبير منه، في الصراع من أجل الوصول إلى التعاون مع روزفلت وحكومته من أجل الحصول على دعمه.

  في إسبانيا

  وليس أقل تعبيرا، وإن في اتجاه مختلف، تطور أو انحطاط النقابات الأسبانية.

   ففي النقابات الاشتراكية، تم عزل جميع العناصر القيادية التي كانت تمثل، إلى حد ما، استقلالية الحركة النقابية. بينما تحولت نقابات النقابيين الفوضويين، إلى أدوات في يد البرجوازية الجمهورية.

  لقد تحول قادتهم إلى وزراء برجوازيين محافظين. وواقع أن هذا التحول قد تم خلال الحرب الأهلية لا ينقص في شيء من دلالته. فالحرب استمرارية للسياسة. إذ تسهل حدوث التطورات، وتعري خصائصها الجوهرية، تدمر كل ما هو متعفن، خاطئ، ملتبس، وتحفظ فقط ما هو جوهري. إن انزلاق النقابات نحو اليمين راجع إلى احتداد التناقضات الاجتماعية والدولية. فلقد أحس قادة الحركة النقابية، وفهموا، أو تم إفهامهم أن الوقت ليس وقت لعب دور المعارضة. فأي حركة للمعارضة داخل الحركة النقابية وخاصة في القمة، تهدد بتحريض حركة جماهيرية رائعة وبالتالي خلق صعوبات للإمبريالية الوطنية. وهذا ما يؤدي إلى انجراف النقابات نحو اليمين والقضاء على الديموقراطية العمالية داخل النقابات. والتطور نحو نظام توتاليتاري، الذي يعتبر الخاصية الجوهرية لهذه المرحلة.

  في هولندا

  يجب علينا أن نستحضر أيضا مثال هولندا حيث لم تشكل الحركة النقابية الإصلاحية سندا للإمبريالية فقط، بل انتقلت ما تسمى بالمنظمة النقابية الفوضوية بدورها إلى سيطرة الحكومة الإمبريالية. وبالرغم من تعاطفه الافلاطوني مع الأممية الرابعة، وضع Sneevliet، سكرتير هذه المنظمة، على رأس مهامه، باعتباره عضوا في البرلمان الهولندي، تلافي صواعق الحكومة ضد منظمته النقابية.

  في المكسيك

  ليس لعمليات تأميم السكك الحديدية وحقول النفط في المكسيك، بالتأكيد، أي علاقة مع الاشتراكية.

  إنها إجراء لرأسمالية الدولة في بلد متخلف يبحث عن الدفاع عن نفسه، بهذه الطريقة، في وجه الإمبريالية الأجنبية من جهة، ومن جهة أخرى في وجه بروليتاريته. ليس لإدارة السكك الحديدية وحقول النفط تحت رقابة المنظمات العمالية أي علاقة بالرقابة العمالية على الصناعة، لأن التسيير في آخر المطاف، يوجد في يد البيروقراطية العمالية، المستقلة عن العمال، لكنها المعتمدة كليا على الدولة البرجوازية. يهدف هذا الإجراء من طرف الطبقة السائدة إلى تطويع الطبقة العاملة. وجعلها تشتغل أكثر في خدمة "المصالح المشتركة" للدولة التي تبدو متداخلة مع مصالح الطبقة العاملة نفسها. وفي الواقع تتلخص كل مهمة البرجوازية في تصفية النقابات بما هي منظمات للنضالات الطبقية واستبدالها بالبيروقراطية النقابية بما هي أداة لسيطرة الدولة البرجوازية على العمال. وفي ظل هذه الظروف، تتمثل مهمة الطليعة الثورية، في قيادة النضال من أجل الاستقلالية التامة للنقابات ومن أجل فرض رقابة عمالية حقيقية على البيروقراطية النقابية التي تحولت إلى إدارة للسكك الحديدية ومقاولات البترول، الخ.

  الفوضوية

  لقد بينت الأحداث التي سبقت الحرب، بجلاء تام، أن الفوضوية، التي ليست من الناحية النظرية، سوى نزعة ليبرالية متطرفة، ليست في الممارسة سوى حركة مسالمة للدعاية في إطار الجمهورية الديموقراطية التي تبحث في ظلها عن الحماية.

  إذا ما نحن غضضنا النظر عن ممارسات الإرهاب الفردي، الخ. لم تقم الفوضوية باعتبارها حركة جماهيرية وحركة فعل سياسي، إلا بنشاط دعائي تحت الحماية السلمية للشرعية.

  في فترات الأزمة، يقوم الفوضويون دائما بعكس ما ادعوه خلال فترات الهدوء.

  ولقد سبق لماركس أن أشار إلى هذا، فيما يتعلق بأحداث كمونة باريس، ليتأكد على مستوى عال خلال تجربة الثورة الإسبانية.

  لا يمكن لنقابات ديموقراطية بالمعنى القديم للكلمة، أي بمعنى منظمات تتواجه داخلها تيارات مختلفة بنوع من الحرية، أن تستمر في الوجود طويلا.

  وكما هو مستحيل العودة إلى الدولة الديموقراطية البرجوازية، من المستحيل العودة إلى الديموقراطية العمالية القديمة. فمصير الواحدة منهما يعكس مصير الأخرى. إنه لواقع مؤكد أن استقلالية النقابات، بمعنى طبقي، في علاقتها مع الدولة البرجوازية، لا يمكن ضمانه في الشروط الحالية، إلا من طرف قيادة ثورية حقا والتي هي قيادة الأممية الرابعة. إن هذه القيادة، طبعا، يمكنها ويجب عليها أن تكون عقلانية (Rationnelle) وأن تضمن للنقابات أقصى درجات الديموقراطية الممكن إدراكها في ظل الظروف الملموسة الحالية. لكن وبدون القيادة السياسية للأممية الرابعة، تعتبر استقلالية النقابات مستحيلة.

عن: www.marxists.org