تيد غرانت- الوداع الأخير

Arabic translation of Ted Grant – the final adieu (August 11, 2006)

  يوم الثلاثاء 8 غشت وعلى الساعة الواحدة والربع، أحْرقَ جثمان الرفيق تيد غرانت في مراسيم بسيطة لكنها مهيبة في محرقة ايست ايكس. لقد كان يوما صيفيا جميلا، بسماء زرقاء صافية. تجمع حوالي مئة من رفاق تيد وأصدقائه القدامى لرؤيته لآخر مرة.

  ولم يتمكن العديد غيرهم من الحضور أثناء المراسيم، بسبب تواجدهم خارج لندن لأنهم كانوا في عطلة أو بسبب العمل. لكن العديد تحملوا مشاق السفر لمسافات بعيدة لكي يكونوا حاضرين. لقد حضر العديد من الرفاق من سكوتلاندا وكذلك من باكستان، سيريلانكا، بلجيكا، الدانمارك، السويد، اليونان، روسيا، فرنسا وإسبانيا.

بريان دين، أنا مونيوز، مرغريت دين، آرثر دين، ألان وودز
From left to right: Brian Deane, Ana Muñoz,
Margaret Deane, Arthur Deane, Alan Woods

  كان من بين الحاضرين مناضلون تروتسكيون عريقون من أيام الحزب الشيوعي الثوري ورابطة العمال الأممية، بما فيهم آرثر وبريان دين، اللذان يعتبران آخر من تبقى من تلك الأسرة البروليتارية المتميزة، أسرة دين من ليفربول، واللذان كانا رفيقا تيد غرانت مند سنوات الأربعينيات. وقد توفي جيمي دين، مع الأسف، قبل تيد بعدة سنوات، وهو الذي حافظ على علاقة وفاء مع تيد إلى آخر لحظة في حياته. وحضر أيضا النائب العمالي العريق السابق ستان نيوينز.

  اصطففنا في الوقت المحدد خلف التابوت، ودخلنا ببطء إلى الغرفة، التي صارت ضيقة لاحتواء مثل ذلك العدد الكبير من المشيعين. هؤلاء الذين لم يتمكنوا من إيجاد مقاعد لهم وقفوا بوقار على جانبي التابوت، المزين بعدة باقات من الورود الحمراء. لقد غادر تيد الحياة، التي عاش بها كبروليتاري ثوري متقشف ليس لديه الوقت للأبهة والمراسيم الفخمة.

  افتتحت المراسيم من طرف الرفيق روب سويل، الذي عرفه تيد مند أن كان لا يزال تلميذا في المدرسة في سوينسي سنوات الستينات. رحب روب بالرفاق ووجه تكريما حارا لتيد غرانت باعتباره ماركسيا بارزا وإنسانا عظيما، قبل أن يترك الكلمة لأول المتحدثين، الرفيق لال خان، قائد التيار الماركسي في باكستان، التيار الذي حقق تقدما هائلا في السنوات الأخيرة، والذي كان تيد فخورا جدا به. قدم لال خان، الذي كان صديقا مقربا لتيد، خطابا مهيبا ومؤثرا ترك عميق الأثر على جميع الحاضرين:

تيد غرانت - الوداع الأخير   « لقد علّمنا تيد جميعا كيف نحب الحياة بطريقة مختلفة، (...) إن المعنى الحقيقي للحياة هو النضال من أجل حياة أفضل للجميع، النضال من أجل تغيير المجتمع. لقد رغب تيد دائما في أن يأتي إلى باكستان، لكن ذلك لم يكن ممكنا. لكن بالرغم من أنه لم يضع قدمه أبدا على أرض باكستان، فإنه معروف هناك بشكل كبير، ومحبوب جدا ومبجل. ليس من المصادفة أن يكون البلد الذي نشر فيه أكبر عدد من التعازي في تيد غرانت في الصحافة هو باكستان بالذات. بفضل الأفكار والمنهجية والتقاليد التي تعلمناها من تيد، تمكننا من بناء أكبر حزب شيوعي في تاريخ باكستان. سوف نحيي ذكراه بالطريقة الوحيدة التي كان سيتمناها: أي ببناء قوة ماركسية جماهيرية قادرة على إنجاز التغيير الاشتراكي للمجتمع. »

  بعد لال خان، جاء دور الرفيق ألان وودز الذي قال في كلمته: « إنه من المحزن دائما على المرء توديع شخص عمل معه وناضل إلى جانبه. لقد عرفت تيد غرانت طيلة الستة والأربعين سنة الأخيرة، لكنني لا أتذكر أبدا أنه كان يوما ما حزينا أو محبطا. بل على العكس، كان دائما مليئا بالتفاؤل والحماس وهي الخاصية التي كان لها مفعول معدي والتي كانت لديه القدرة على نقلها إلى جميع من هم حوله. لقد حافظ على إيمانه حتى آخر لحظة في حياته - ذلك النوع من الإيمان القادر على تحريك الجبال. لم يكن إيمانا دينيا. إذ لم يكن لتيد أي وقت للدين- أو "الخمر الروحي" كما كان يسميه. كلا! لقد كان ذلك إيمانا بالأفكار الماركسية، بنظريات الاشتراكية العلمية التي بدأ تعلمها منذ سن الرابعة عشر عندما بدأ يدرس الرأسمال. لقد كان إيمانا في قدرة الطبقة العاملة على تغيير المجتمع، تبناه منذ بداية مشواره الثوري قبل سنوات بعيدة، خلال الأيام السوداء في جنوب إفريقيا. ولم يفقد هذا الإيمان أبدا».

  وذكر ألان ميزة تيد باعتباره شخصا ذا قدرة عظيمة على التواصل: « لقد كانت لديه قدرة رائعة على شرح أصعب الأفكار بلغة بسيطة. لقد كان قادرا على الحديث بنفس الطريقة تماما مع ماركسيين متمكنين، كما مع عمال عاديين، ومع أعضاء حزب العمال، والنقابيين بل وحتى مع برجوازيين، (...) إن الشخص الوحيد الذي كان يشبه تيد في هذه الميزة هو بات وال Pat Wall».

تيد غرانت - الوداع الأخير   وواصل قائلا:« إن الموت مصيرنا جميعا، وكماديين نحن لا نؤمن بوجود جنة أو نار بعد الموت. إلا أن الخلود ممكن. إننا نواصل الحياة في ذاكرة أصدقائنا، رفاقنا وأطفالنا. لم يكن لتيد أسرة كانت الحركة الثورية هي أسرته الوحيدة التي أحبها دائما. ونحن سنُبقِي ذكراه حية بنضالنا من أجل أفكاره ومن أجل قضية الاشتراكية.»

  ختم ألان خطابه بمقتطف من قصيدة لاتينية بعنوان: Exigi Monumentum (لقد بنيت نصبا تذكاريا). في هذه القصيدة يقول الشاعر أنه بنى لحبيبته نصبا تذكاريا، ليس من الحجارة أو النحاس، بل على شكل قصيدة ستبقى خالدة إلى الأبد. « إننا سوف نبني لتيد غرانت نصبا تذكاريا - ليس من الحجارة، أو النحاس أو الحجر، بل نصبا خالدا هو منظمة بروليتارية سوف تغير العالم.»

  بعد هذا التأبين المؤثر لتيد من طرف صديقه ورفيق عمره، أعلن روب سويل عن إنشاء صندوق تأبيني خاص لتيد غرانت ابتداء من اللقاء التأبيني ليوم 9 شتنبر، ودعى الجميع إلى المساهمة فيه. بعدها قرأ مقتطفات من وصية تروتسكي:

  « (...)

  إنني لست في حاجة إلى أن أرد مرة أخرى هنا على التشهير الغبي والكريه الذي ينظمه ستالين وعملاؤه ضدي: ليست هناك أية لطخة في شرفي الثوري. أنا لم ادخل أبدا، لا بطريقة مباشرة ولا بطريقة غير مباشرة، في أية اتفاقات في الكواليس أو حتى مفاوضات مع أعداء الطبقة العاملة. لقد سقط آلاف معارضي ستالين ضحايا مثل هذه التهم الباطلة. والأجيال الثورية القادمة ستعيد لهم شرفهم السياسي وستعامل جلادي الكريملين بما يستحقونه.

   إنني أشكر بحرارة الأصدقاء الذين بقوا أوفياء لي خلال أصعب ساعات حياتي. لا أذكر أي اسم بالتحديد لأنني لا أستطيع ذكرهم جميعا.

  (...)

  لقد بقيت ثوريا طيلة ثلاثة وأربعين سنة من حياتي الواعية، وطيلة اثنتين وأربعين سنة منها ناضلت تحت راية الماركسية..إذا كان علي أن أبدأ من جديد كنت سأحاول طبعا تلافي هدا الخطأ أو ذاك، لكن المسار الرئيسي لحياتي كان سيظل بدون تغيير. كنت سأموت بروليتاريا ثوريا، ماركسيا، ماديا جدليا وملحدا حازما. لا يُساوم. إيماني بالمستقبل الشيوعي للبشرية ليس أقل حماسا، إنه في الواقع أكثر ثباتا، مما كان عليه أيام شبابي.

  لقد وصلت ناتاشا لتوها إلى النافذة قادمة من الفناء وفتحنها على مصراعيها لكي يتمكن الهواء من الدخول إلى غرفتي بحرية أكبر. أستطيع أن أرى شريط العشب الأخضر البهيج على حافة الجدار، والسماء الزرقاء الصافية فوقه، وأشعة الشمس في كل مكان. إن الحياة جميلة، فلتطهرها الأجيال القادمة من كل شر واضطهاد وعنف، ولتستمتع بها إلى أقصى حد».

  عندها وقف الرفاق بينما أغلق الستار واختفى التابوت عن أنظارنا. صاح أحد الحاضرين :« وداعا تيد !» فغنينا نشيد الراية الحمراء ونشيد الأممية وهكذا انتهت المراسيم. جميعنا شعرنا بأن عصرا كاملا قد انتهى في تلك اللحظة. لكن ربيع الحياة أبدي، والنضال مستمر. لم يكن تيد ليرغب في أن ننظر إلى الأمور بغير هده النظرة