سبعة أشهر من الثورة السورية والجماهير لا تزال تسعى جاهدة لتحقيق تقدم نوعي

في الشهر السابع من عمرها مرت الثورة السورية بعدة مراحل، تأرجحت صعودا وهبوطا، ووصلت إلى شرائح جديدة من الجماهير في حين أن شرائح أخرى خملت أو عانت من القمع الوحشي ومع ذلك الشباب والمضطهدون مصممون على حمل شعلة الثورة حتى النهاية، حتى "النصر أو الشهادة". لقد انتشرت الانتفاضة مثل النار في الهشيم، وجميع الجهود المبذولة من قبل النظام المتهالك لإخماد الحريق لم تسفر عن أكثر من تخفيفه مؤقتا. لقد استيقظت الجماهير من سباتها العميق لتأتي إلى مسرح التاريخ والأمة تولد من جديد معمدة بالدم والنار.

الثورة تتغلغل عميقا في الجماهير

ما بدأ كحركة لجيل الشباب الغاضب المحبط والمقهور انتشر سريعا ليلتقط مخيلة الملايين التواقة إلى الحرية والعدالة. من درعا في الجنوب مرورا بدمشق وحمص وحماة في الوسط ووصولا إلى إدلب في الشمال، ومن اللاذقية في الغرب إلى دير الزور والقامشلي في الشرق، امتدت الثورة لتشمل كامل البلد. كما انتشرت الثورة أفقيا أيضا انتشرت بالتساوي عموديا مع وصول الحمى الثورية إلى عمق كل طبقات المجتمع: المزارعين والعمال وأصحاب المحال الصغيرة، والمهنيين والمثقفين، وحتى الفنانين والمشاهير. حتى تلك القطاعات من المجتمع الداعمة للنظام دفعت إلى الساحة السياسية بفعل هذه الحركة. الجميع يتحدث عن السياسة والكثيرون انخرطوا في النشاط السياسي وهذا لا يمكن إلا أن يكون مؤشرا على وجود غليان ثوري في المجتمع.

المظاهرات الحاشدة تصل ذروتها

الجماهير عندما تكون حديثة إلى السياسة وساذجة سياسيا تتعلم الدروس بالطريقة الصعبة وغالبا بثمن باهظ جدا. في البداية من الممكن أن الجماهير السورية كان لديها الوهم بأن المظاهرات الحاشدة واحتلال الساحات هو كل ما كان مطلوبا للإطاحة بجلادهم. ولكنهم بعد وهلة بدأوا يدركون أن الشعار وحده لا يمكن أن يقف في وجه المدفع الرشاش. المظاهرات حاشدة بلغت الذروة في الفترة الواقعة قبل وأثناء شهر رمضان مع حوالي نصف مليون متظاهر في كل من حماة ودير الزور وعشرات الآلاف في دمشق وحمص واللاذقية وادلب والبلدات والقرى المحيطة بهم.

لم يقتصر المتظاهرين على الشباب العاطلين عن العمل والمزارعين وأصحاب المتاجر الصغيرة، لقد انضمت عناصر من جميع طبقات المجتمع. كان هذا واضحا من المظاهرات المتعددة للمهندسين والأطباء في دير الزور ودرعا وغيرها من المدن، ومظاهرة الفنانين والمشاهير في قلب دمشق، واعتقال العديد من أساتذة الجامعات والمثقفين. العمال والموظفين في القطاع العام وشاركوا أيضا بدليل مضايقة وطرد العاملين المشتبه بهم من أماكن عملهم.

اتخذ النظام قراره في استخدام القوة القصوى لوقف الحركة الجماهيرية عن التنامي أكثر. فتم غزوا المدن بالدبابات وقصف الأحياء السكنية فكانت الاعتقالات الجماعية والتعذيب الوحشي، وعمليات الإعدام والاغتصاب, والحصار والحرمان من الماء والغذاء والدواء, والنهب وتدمير الممتلكات ومصادر الدخل، وحرق المحاصيل وقتل الماشية كلها الأساليب التي لجأ إليها النظام. هذا الظلم الساحق نجح في منع المظاهرات الحاشدة بعد انتشار واسع النطاق للقوات المسلحة في جميع أنحاء البلاد. لقد تراجعت الحركة منذ ذلك الحين فالمظاهرات مستمرة ولكن بكثافة أقل. الجماهير تقوم بالتفكير والتأمل، لقد أدركت أنه لا يمكن للثورة أن تنتصر بهذه الطريقة وحدها وقد اتخذ النظام هذه الفرصة لتصعيد القمع والاعتقالات الجماعية بين الناشطين الشباب.

اللجان الثورية والجيش السوري الحر

الوحشية المتطرفة للنظام كان لها ثمن حيث أن العديد من المؤيدين السابقين أو العناصر المشوشة انضمت إلى معسكر الثورة بعد رؤيتهم الظلم الصارخ والوحشية المفضوحة للنظام. أي نظام محتاج إلى هذا الحد من القمع للبقاء في السلطة من الواضح أنه فقد شرعيته ضمن شريحة واسعة من السكان ومعها القاعدة الجماهيرية التي تؤمن استقراره.

لقد دفع النظام ثمنا باهظا بالنسبة لقواته المسلحة. الجيش السوري، وحتى قوات الأمن، أخذه بالانهيار حيث أن العديد من الجنود والضباط ينشقون بشكل بطيء ولكن مستمر. الآن وقد تراكمت ببطء عملية الانشقاق الفوضوية والمتبعثرة لقد وصلت إلى نقطة حصلت فيها على نوعية جديدة. الجنود المنشقون أعادوا تنظيم أنفسهم في ميليشيات ثورية تطلق على نفسها اسم الجيش السوري الحر ومنظمة في ألوية تتركز معظمها في مناطق حمص وإدلب ودير الزور.

يبدو أن حركة الضباط الأحرار قد ارتبطت مع الحركة الجماهيرية من خلال اللجان الثورية التي تشكلت في الأحياء، وهي لا يمكنها إلا أن تفعل ذلك في ظل هذه الظروف الثورية وعلى الرغم من أن هذه العملية بطيئة جدا بسبب غياب القيادة ولكنها تحدث. ويعتقد أيضا أن العديد من الشباب الثوري الذي أدرك الحاجة إلى الكفاح المسلح يقوم بتشكيل ميليشيات وربط نشاطها مع الجنود والضباط في الجيش السوري الحر. قيادة الجيش الحر تقول أن لديها أكثر من 10000 من الجنود وأعلنت مسؤوليتها عن العديد من العمليات المحدودة وصغيرة الحجم ضد قوات المخابرات والمجرمين المسلحين من مرتزقة النظام.

في الأسبوع الماضي، اندلعت مواجهات على نطاق واسع بين قوات النظام والجيش السوري الحر في مدينة الرستن القريبة من حمص والتي كانت تحت سيطرة الضباط المنشقين. القوات الغازية تمكنت من دخول المدينة في نهاية المطاف بعد بضعة أيام من القتال، ولكن الضباط الأحرار ادعوا بأنهم قاموا بتدمير أكثر من 40 عربة مسلحة وقتل ما يصل إلى 1000 من جنود العدو في حين أنهم تعرضوا لخسائر طفيفة فقط. إذا كانت هذه الأرقام صحيحة، فذلك مذهل جدا بالنظر إلى أن هؤلاء الضباط الثوريين خفيفي التسليح ويعملون في ظروف صعبة.

أين هي الحركة العمالية والأحزاب السياسية السورية؟

حتى الآن الطبقة العاملة السورية لم تظهر على مسرح الثورة بوسائل نضالها التقليدية المتمثلة في الإضرابات والاعتصامات. هذه ليست بمفاجأة. الطبقة العاملة السورية مفتته تماما والحركة العمالية تكاد لا تكون موجودة في سورية منذ عقود حيث تسيطر على النقابات العمالية أجهزة المخابرات الحكومية وقادة النقابات والأحزاب السياسية ليسو سوى أدوات في يد النظام يبذلون قصارى جهدهم لمنع العمال من الدخول في النضال.

الطبقة العاملة السورية أخذت على حين غرة. على عكس الطبقة العاملة المصرية التي كانت في حالة من الحركة لعدة سنوات بسبب الظروف الخاصة بمصر، الطبقة العاملة السورية لم يكن لديها المتسع لفترة "الإحماء" الثورية هذه مما خلق وضعا في غاية الصعوبة للثورة. ذلك يعني أن الارتباك والشك والخوف وعدم الثقة، والانقسام على أسس طائفية ودينية يسيطر بين العمال مما يشل تماما أي حركة منظمة للطبقة العاملة. هذا الوضع مع ذلك لا يمكن أن يستمر إلى الأبد وسوف يتحول في النهاية إلى نقيضه. الطبقة العاملة لا يمكن إلا أن تتحد تحت راية مصالحها الطبقية وعدد لا يحصى من الأمثلة في التاريخ يبين لنا ذلك. لكن في المدى القصير والمنظور من المرجح أن تظل الأمور كما هي مما هو مضر جدا بالثورة التي بحاجة ماسة للطبقة العاملة أن تأتي لنجدتها.

الأحزاب السياسية وما يسمى بالشخصيات المعارضة ليست في حال أفضل, أكانت من اليسار أو اليمين, شيوعية أو قومية أو إسلامية، جميع القوى السياسية في سورية تحولت إلى حفنة من المثقفين الذين لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالجماهير. هذه أيضا من نقاط الضعف الشديد للثورة وسبب آخر للحزن. بعض الشخصيات المعارضة في الخارج شكلت مجلسا وطنيا بعد الكثير من النقاش والصراع الداخلي وتمكنت من الحصول على بعض التمثيل من اللجان الثورية والتنسيقيات وقادة المعارضة داخل البلاد. هذا تطور إيجابي وقد قوبل بترحيب كبير من قبل الجماهير ولكن لم يتضح بعد إلى أين يمكن أن يصل وما سيكون أثره على الثورة. لقد اغتال النظام أحد أعضاء المجلس وهو مشعل تمو المعارض الكردي المحترم.

معظم الشخصيات السياسية المعارضة في حالة يأس وشعور بالعجز. البعض استسلم لدعوة النظام إلى "الحوار الوطني" ما هو نكتة حقيقية في ظل الظروف الراهنة في حين أن آخرين ألقوا نفسهم في أحضان مجلس الأمن للأمم المتحدة والقوى الامبريالية وبعضهم ذهب بعيدا للدعوة علنا للتدخل الأجنبي في سوريا كما في ليبيا. إذا كان هذا يدل على أي شيء فهو الإفلاس وغياب المنظور عند أولئك الذين يطلقون على أنفسهم اسم المعارضة. بدلا من التحدث مباشرة إلى الجماهير وإعطائهم الأفكار ومحاولة تنظيم النضال الثوري هؤلاء الرجال في ملابسهم الرسمية هم أكثر ارتياحا بالتحدث إلى سفراء الدول الأجنبية وممثلي القوى الامبريالية !

موقف القوى الامبريالية

لقد طلب بعض الناشطين الشباب أيضا المساعدة من القوى الامبريالية. هذا أمر مفهوم. الجماهير المضطهدة والتواقة إلى حريتها من الطبيعي أن يكون لديها أوهام في ما يعتبرونه "القوى الديمقراطية". ومع ذلك فإن الجماهير تتعلم بسرعة أن العبارات الطنانة من القادة السياسيين في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا هي مجرد كلمات. فشل مجلس الأمن بإدانة النظام السوري، مع استخدام حق النقض من جانب روسيا والصين، سبب الكثير من السخط والغضب فالجماهير تشعر بالخيانة وبأن المؤامرة الحقيقية ليست ضد النظام، كما أن القوى الغربية تريد الجميع أن يعتقد، بل هي ضد الشعب السوري !

الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لا يطابقون أقوالهم بالأفعال. يقولون أنه على الأسد أن يرحل ولكن تصرفاتهم توحي بأنهم يريدون له البقاء. روسيا والصين تؤيدان صراحة الأسد بينما تركيا، الصديق المفترض للشعب السوري، لم تفعل شيئا سوى دعم الأسد سرا -- لقد سلمت للتو لقوات الاستخبارات السورية واحدا من مؤسسي حركة الضباط الأحرار الذي كان يختبئ في تركيا وهو الضابط حسين هرموش.

فأين هي هذه المسماة ب "القوى الديمقراطية" التي من المفترض أن تأتي لإنقاذ الشعب السوري؟ يجب على الشباب الثوري وجماهير المحتجين في سورية أن يفهموا أن ما يحدد سياسة القوى الامبريالية ليس أي قلق بالنسبة لشعب سورية بل مصالحهم الخاصة من حيث الدفاع عن سلطتهم وامتيازاتهم ومناطق نفوذهم ومصالحهم الاقتصادية. لسنوات كانت هذه القوى تدعم بنشاط مبارك وبن علي وما زلت مستمرة في دعم الأنظمة الوحشية في البحرين والمملكة العربية السعودية. كما أنها كانت في الماضي مستعدة تماما لعقد صفقات مربحة مع القذافي والأسد. لا يمكن للعمال والشباب في سورية سوى الثقة في قوتهم الذاتية فقط وفي التضامن الحقيقي للشعوب الثورية في البلدان العربية وخارجها.

مستقبل الثورة

مستقبل الثورة السورية مليء بالمخاطر ولكن أيضا بالأمل. وصلت الثورة إلى نقطة حرجة ويمكن أن تذهب في اتجاهات عدة: النصر الهزيمة أو الانحراف عن مسارها. للحظة بعد قمع الجيش بدا الوضع يائسا وكما لو أنه كنا نتجه نحو هزيمة بعد كل الطاقة التي بذلتها الجماهير ولكن بروز ميليشيات الشباب والجنود المسلحة قد أعطى أملا كبيرا للحركة الثورية حيث ينظر إلى هؤلاء الضباط الأحرار بكثير من الاحترام وقد أتوا لتجسيد إرادة ورغبات الجماهير.

ثمة خطر وإمكانية حقيقية لانحلال الثورة على أسس طائفية ودينية. النظام يعتمد في قواته المسلحة والمدنية إلى حد كبير على طائفة صغيرة تسمى العلويين. جميع الضباط الكبار في الجيش والمخابرات هم من العلويين وكذلك العديد من موظفي الخدمة المدنية وموظفي القطاع العام. منذ جاء الأسد الأب إلى السلطة في عام 1970 لجأ عمدا إلى تفضيل هذه الطائفة -- التي ينتمي إليها -- والتي كانت مضطهدة ومهمشة تاريخيا. منذ بداية الانتفاضة في شهر مارس حاول النظام عمدا إلى الزج بالعلويين ضد السنة وإرسال أتباعه وقوات أمنه إلى المناطق السنية لارتكاب الفظائع التي تحرض على الكراهية الدينية مثل اقتحام وتدمير المساجد وتمزيق القرآن الكريم. في الوقت نفسه يغرق النظام باستمرار العلويين والأقليات المسيحية وحتى جزء من المسلمين السنة بالدعاية التي تهدف إلى تصوير الثورة كحركة إسلامية متطرفة.

هناك خط طبقي واضح يفصل بين أولئك الذين هم مع من الذين هم ضد النظام، ومع ذلك فمن الصحيح أيضا أن النظام قد نجح في نشر درجة معينة من الكراهية الطائفية التي يمكن أن تقطع الثورة وتسبب انحطاطها إلى حرب أهلية طائفية. هناك بالفعل حالات فردية من العنف الطائفي ولكنها لم تتجاوز ذلك حيث أن الجماهير أظهرت مستوى جيد من ضبط النفس والوعي بما يجري على الرغم من التحريض المستمر للنظام.

إذا رأوا أن إطاحة الأسد أصبح لا مفر منه فأن عرقلة للثورة على أسس دينية طائفية شيء القوى الامبريالية والإقليمية يمكنها استخدامه حيث أن هذا من شأنه أن يوفر لهم فرصة التدخل بطريقة ما من أجل تقطيع أوصال البلد. الحقيقة هي أنهم يفضلون بقاء الأسد في السلطة عن رؤية حكومة ثورية في سوريا. هذا هو الحال بصفة خاصة بالنسبة الطبقة الحاكمة الصهيونية في إسرائيل التي نجحت في التوصل إلى اتفاق نخبوي مع الأسد على الرغم من استمرار احتلالها لهضبة الجولان !

رغم كل المخاطر المحيطة بل الثورة ونقاط ضعفها الداخلية فهي بعيدة عن كونها في طريقها إلى الهزيمة أو الانحطاط. لقد اخترقت عميقا الجماهير وكما يصف أحد الناشطين في درعا: " قريبي ذو الست سنوات من العمر يذهب إلى الاحتجاجات، جدتي أيضا تقوم بذلك!" الثورة ما زالت لديها احتياطي هائل من الدعم لم يمس فحتى الآن مراكز المدينتين الأكبر والأهم حلب ودمشق لم تتحركا بشكل كبير. القطاع العام الضخم لم يتحرك بأي طريقة هامة والانقسامات الكبيرة في الجيش لم تحدث بعد. إمكانيات هائلة لا تزال تنتظر الثورة فقد تم إضعاف النظام للغاية وفقد شرعيته ضمن شريحة كبيرة من السكان وكذلك قسم كبير من قواته المسلحة. والسؤال هو: هل يمكن للثورة أن تتنظم بما يكفي لتوجيه ضربة نهائية للنظام المتهالك والخرف في القريب العاجل، أم نحن ذاهبون لدخول فترة طويلة من الصراع مع كل المخاطر والخسائر في الأرواح المرتبطة بذلك؟

مهما كان الجواب فنحن الماركسيين الثوريين ليس لدينا خيار آخر سوى تجميع قوانا والتدخل في الحركة بأفكارنا وأفعالنا. فلنرفع أصواتنا مع الشباب المتمرد والمضطهد في شعارهم البطولي "الموت ولا المذلة, الموت ولا المذلة."

ملاحظة : يمكن أن ينظر إلى مدى وحشية هذا النظام في الأرقام التالية : الخسائر حتى 6 أكتوبر 2011 : مجموع القتلى من المدنيين : 3761 ؛ الأطفال : 231 ؛ الإناث : 161 ؛ المفقودين : 3059 ؛ المتظاهرين قتلوا تحت التعذيب : 90 ؛ المتظاهرين المحتجزين حاليا : 45000 ؛ اللاجئين منذ مارس : 14227 ؛ اللاجئين في تركيا : 10227 ؛ اللاجئين في لبنان : 4000>

Translation: Marxy.com