منظورات الثورة في الشرق الأوسط - الجزء الثاني

كما شرحنا في الجزء الأول، الثورة العربية أسقطت عدة أنظمة استبدادية، ولكن بسبب غياب بديل ثوري عمالي واضح، تم ملئ الفراغ من قبل الأحزاب الإسلامية. ولكن فور وصولها إلى السلطة، بدأت هذه القوى تكشف عن طبيعتها الحقيقة الرجعية، وبذلك أعدت الأرضية لموجة ثانية من الحراك. مما أثر على سوريا وباقي دول المنطقة؟

سوريا

علينا النظر إلى خصوصيات تطورات الثورة السورية. علينا أن نسأل أنفسنا حول ماذا كان أساس الثورة. الشرارة بالتأكيد قدمت من تونس ومصر وأثرت بالشباب تحديدا والذين تحركوا بشكل ضخم - ولكن بدرجة من السذاجة أيضا. بنظرهم إلى التجربتين التونسية والمصرية، اعتقدوا أن المسيرات الضخمة واحتلال الساحات سيكون كافيا لإسقاط نظام الأسد. لقد شكلوا حركة شجاعة جدا، ولكنهم أثبتوا عدم قدرتهم على إسقاط النظام الذي برهن على أنه أكثر قدرة على التحمل مما تخيل المتظاهرون.

لمعرفة ما يحدث في سوريا علينا أن ننظر إلى التحولات التي حدثت في الاقتصاد السوري خال المرحلة الأخيرة. لقد شهد البلد مسلسل خصخصة للشركات العمومية، مما غير بشكل جذري طبيعة الاقتصاد.

خلال عقد الستينات كان قد تم تأميم اغلب الشركات الصناعية والتجارية. وبفضل ذلك تم تبني العديد من الاصلاحات الاجتماعية، من قبيل التعليم والخدمات الصحية. كان النظام الذي وصل إلى الحكم عن طريق الانقلاب في الستينات نظاما بونابرتيا بروليتاريا، أي نظام تكون فيه مفاتيح الاقتصاد في ملكية الدولة ويخضع لتخطيط مركزي، لكن حيث لا توجد الديمقراطية العمالية. لقد تشكل من الناحية الجوهرية على صورة النظام السوفييتي في ظل ستالين.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بدء النظام السوري عملية مشابهة جدا لما رأيناه في الصين. لقد تمت خصخصة الصناعات، لكن الملاك الجدد كانوا من شخصيات النظام نفسه. بدأت العملية سنة 1991 لكنها تسارعت في العقد الأخير.

إذا قارنا السنوات 2001 - 2005 (الخطة الخماسية التاسعة) بالسنوات 2006 - 2010 (الخطة الخمسية العاشرة) يمكننا أن نرى الصورة التالية: في النصف الأول من العقد استمر القطاع العام بالهيمنة، ولكن كان هنالك تغيير في الطريقة التي تعمل بها مؤسسات الدولة. لقد تم تحويلهم إلى مؤسسات رأسمالية الدولة التي تعمل وفق قوانين السوق لا قوانين الاقتصاد المخطط. في النصف الثاني من العقد، أطلق العنان للقطاع الخاص فعليا. بحلول 2007 كان 70% من الاقتصاد السوري بأيدي الخواص.

كان لهذه العملية أثر كارثي على ظروف معيشة الجماهير. أصبحنا نرى استقطابا اجتماعيا حادا، مع بروز نخبة غنية جدا مرتبطة بالنظام العلوي، مقابل نمو الفقر على الطرف الأخر من المجتمع. في 2005 على سبيل المثال، كان 30% من السكان يعيشون دون خط الفقر (5.3 مليون شخص) ومن بين هؤلاء كان مليونا -2 مليون- شخص فاقدين "للأمن الغذائي".

التضخم أنطلق في بدايات 2000 ونما من 1.3% في 2003 إلى 18% في 2007. أسعار البضائع الاستهلاكية الأساسية ارتفعت إلى حد 60%. الأمية التي تم محوها عمليا في الماضي أصبحت تنمو من جديد الآن.

الكثير من اليساريين غير قادرين على فهم ما يحصل ويرون الأمور بمنطق الأبيض والأسود: ثورة أو ثورة مضادة، امبريالية أو معادة الامبريالية... البعض يتحدث عن "ربيع عربي تبعه شتاء إسلامي". هم ينظرون إلى الجماهير على أنها متخلفة ورجعية! غير قادرين على فهم كيف يمكن أن تنحرف العملية الثورية عن مسارها وأن تذهب في اتجاه رجعي. علينا أن ندرس ونفهم بحق المادية الجدلية كي نستطيع فهم هذه العمليات المتناقضة. هذه ليست عملية خطية! الأمور يمكن أن تنقلب إلى عكسها...

مرة أخرى، غياب القيادة الثورية هو مفتاح فهم هذه الفوضى. بسبب همجية النظام في سوريا، بناء أي حزب ثوري فاعل كان مهمة أكثر صعوبة مما هي عليه في مصر على سبيل المثال.

في هذه الظروف انفجرت الثورة في سوريا التي دعمها الماركسيون. ما علينا فهمه هو أنه على الرغم من انفجار الثورات عندما تكون الجماهير جاهزة للحركة فليس هناك ضمانة أنها ستنجح. إذا لم تتحقق شروط معينة - وأهمها وجود قيادة ثورية - يمكن للثورة أن تتحول إلى ثورة مضادة.

لدينا المثال التاريخي للثورة الاسبانية في الثلاثينات حيث قامت الثورة المضادة بخنق الثورة بطريقتين: تمرد فرانكو الفاشي الواضح، والثورة المضادة "الديمقراطية" الستالينية في المعسكر الجمهوري. على الرغم من كل ذلك فما حدث في اسبانيا في الثلاثينات كان ثورة. ولكن الثورة ليس عملية خطية. لا يمكننا أن نتوقع رؤية حلول بسيطة خطية بيضاء أو سوداء في ظل غياب العامل الذاتي المتمثل في الحزب الجماهيري الثوري.

الوضع في سوريا الآن أكثر تعقيدا بكثير. مازال العديد من الشباب الثوري في سوريا يقاتل من أجل التخلص من الأسد، لكنهم ليسوا من يحددون طبيعة معارضة الأسد ككل. علينا أن نوضح الوضع القائم وأن نشرح بصدق ما حصل. لقد تعرضت الأوهام الساذجة للمرحلة الأولى من الثورة للسحق من قبل الواقع الحالي. لقد تحولت الآن إلى حرب أهلية وحشية..

في هذا الظرف تدخلت المجموعات الإسلامية، مدعومة وممولة من السعودية وقطر وغيرها من الأنظمة الرجعية في المنطقة. هذه العناصر مسؤولة عن قتل الناس فقط لكونهم من العلويين أو المسيحيين الخ. هؤلاء ليسوا قوى ثورية على الإطلاق. هدفهم الأول بالضبط هو تزكية الصراع على أسس دينية وإثنية. هذا الأمر دفع بالكثيرين إلى أحضان الأسد. نحن نؤيد إسقاط الأسد ولكن لا يمكننا تقديم ذرة من الدعم لمثل هذه القوى الرجعية. نحن ضد التدخل الامبريالي ولكن أيضا ضد المعارضة الرجعية - كلاهما غير قادر على تقديم أي شيء للطبقة العاملة، الشباب والفقراء.

يوجد الكثير من الكلام في الغرب عن التدخل في سوريا أو تسليح معارضي الأسد، ولكن بإمكانهم رؤية أن الأمر لن يكون سهلا. هم قلقون بخصوص مآل تلك الأسلحة - كما حصل في حالة ليبيا/مالي. لقد فهموا بعد تجربتي العراق وأفغانستان أن التدخل العسكري شيء، لكن السيطرة على الوضع وإعداد استرتيجية للخروج شيء أخر تماما.

أصبحت المسألة الكردية تبرز من جديد في هذا الوضع. لقد حصل الأكراد عمليا على حكم ذاتي في شمال العراق وفي سوريا يحاول الأسد استغلال المسألة الكردية من خلال تقديم بعض التنازلات لأكراد سوريا وبالتالي فصلهم عن القوى التي تصارع النظام. الحراك الكردي يتم إعادة إحيائه في هذا الظرف ومن الممكن أن يمتد لتركيا التي فيها عدد كبير من السكان الأكراد. هذه هي طريقة الأسد في الرد على تركيا. في الحقيقة ما يحصل هو استخدام الأكراد وتلاعب بهم. الطريقة الوحيدة التي ستمكن الأكراد من الحصول على وطن حقيقي هي من خلال ثورة اشتراكية في جميع البلدان التي يقطنونها، ففي ظل فدرالية اشتراكية واسعة سيصير بإمكانهم تحقيق تقرير المصير. في ظل الرأسمالية سوف يواجهون نفس المصير الذي واجهته الكثير من القوميات في الماضي. يتم وعدهم بالحصول في أحد الأيام على الحكم الذاتي وحتى بالاستقلال لكن فقط بغرض خدمة أجندة هذه القوة الامبريالية أو تلك وخيانتهم لاحقا.

إن ما يقوم به نظام الأسد في اللعب على الوتر العرقي في محاولة للمحافظة على قاعدة دعم له في البلد، وما تقوم به أيضا الأنظمة الرجعية في الخليج بتزكية الصراع الديني/الإثني يطرح إمكانية تقسيم سوريا، مع كل تأثيرات عدم الاستقرار التي سيسببها ذلك في المنطقة برمتها وامتدادها إلى دول الجوار.

الحرب الأهلية في سوريا

لدينا أيضا الإمكانية الواقعية لحرب أهلية بعد سقوط الأسد. هناك قطاعات من الجيش السوري الحر اصطدمت مع العناصر الجهادية التي يعتبرون أنها تخطف الثورة. بسبب غياب قيادة ثورية واضحة أصبح الوضع عبثيا. لو كانت الطبقة العاملة موحدة حول حزب ثوري لكان الوضع اختلف تماما. قوات المعارضة تجد إسقاط النظام أصعب بكثير مما توقعت بالأساليب العسكرية فقط. ظهور قوى رجعية إسلامية متطرفة ضمن المعارضة، واتباعهم أسلوب التحريض على الصراع العرقي بدل الصراع الطبقي، أضعف جاذبية المعارضة بين سكان المدن.

ما قد يسقط النظام في نهاية المطاف هو إضراب عام على مستوى سوريا قادر على شل البلد. تحقيق ذلك يحتاج إلى وجود حزب قادر على توحيد جميع العمال والفقراء خلفه وهذا قابل للتحقيق فقط إذا امتلك هكذا حزب برنامج يقدم حلولا لجميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية الملحة والتي تؤثر على فئات واسعة من الشعب. ولكن بسبب عدم امتلاك قوى المعارضة مثل ذلك البرنامج فإن الصراع قد تحلل باتجاهات إثنية ودينية. في أحسن الأحوال، يدعو برنامج المعارضة إلى شكل من الديمقراطية البرجوازية و"اقتصاد السوق" وهو بالتالي عاجز عن تقديم أي حلول للعمال والفقراء. هذا ما يفسر لماذا تغوص سوريا الآن في حرب أهلية طائفية بإمكانها أن تطول وتستمر حتى بعد السقوط المحتوم للأسد.

لقد دعمنا الثورة السورية حين انطلقت، ولكن علينا أن نشرح أن الأمور قد تغيرت. يوجد الآن ثورة مضادة في كلا الطرفين. نحن ندرك أنه مازال يوجد بعض العناصر الثورية - خاصة في أوساط الشباب - بين المعارضين ولكن العناصر الرجعية تطغى عليهم. لا يمكننا أن نتوقع بأن تكون الأمور بيضاء أو سوداء، ثورة أو ثورة مضادة. كما قلنا سابقا، الثورة والثورة المضادة تسيران يد بيد ولكن في النهاية على إحداهما أن تنتصر، فهذا الوضع لا يمكن أن يستمر للأبد. في سوريا، وخلال فترة قصيرة من الزمن نسبيا، أصبحت عناصر الثورة المضادة هي المسيطرة. الظرف الموضوعي لا يبقى ثابتا في مكانه بل يتغير مع الوقت. الظروف تغيرت وعلى تحليلنا أن يتغير كذلك. علينا أن نعترف بالواقع. لا يمكن لمقاربتنا لمسائل الثورة والثورة المضادة أن تكون عاطفية أو رومانسية.

لسوء الحظ يسعى بعض اليساريين، ومن ضمنهم من يدعون الماركسية، دائما إلى دعم أحد الأطراف في صراع ما. يذكرنا هذا بانهيار يوغسلافيا عندما دعمت بعض المجموعات اليسارية الصرب وأخرى دعمت الكروات. الحقيقة هي أنه لم يكن هناك أي شيء تقدمي بالنسبة لانهيار يوغسلافيا أو لأولئك المتورطين بالقتال. لقد كانت كل الأطراف رجعية، بحيث تلاعبت الامبريالية - الامبريالية الألمانية تحديدا- بالمجموعات المختلفة التي شكلت الاتحاد اليوغسلافي السابق كي تخدم مصالح الرأسمالية.

ما أضاف إلى التشوش في سوريا هو الانتصار المؤقت للإسلاميين في مصر وتونس. في ذروة الثورتين التونسية والمصرية رأينا الجماهير الكادحة تخرج بقوة وتطيح بالطغاة المكروهين، ولكن كما شرحنا مسبقا، استغل الإسلاميون الفراغ السياسي الذي تلا ذلك وفازوا بالانتخابات. هذا بدوره زاد من قوة الإسلاميين في سوريا.

الحقيقة هي أن حل الأزمة في سوريا يمكن إيجاده في مصر وتونس - لا بل وأكثر من ذلك في إيران. لا يوجد حل ضمن الحدود الضيقة لسوريا. حتى بوجود حزب جماهيري اشتراكي سليم في سوريا، الحل النهائي لا يمكن إيجاده ضمن حدود سوريا نفسها. حتى ولو وجدت ثورة اشتراكية ناجحة في سوريا اليوم، فلكي تستمر عليها أن تمتد خارج حدودها إلى تركيا، إيران وأبعد من ذلك. والأكثر الأهمية أنها تحتاج إلى انتصار اشتراكي في مصر، وهي أكبر البلدان العربية وتملك أكبر طبقة عاملة، وقادرة على قيادة العمال والشباب في كامل الشرق الأوسط.

علينا أن نشرح كل هذا لأفضل العناصر ضمن الشباب السوري. نحتاج إلى تطوير تحليل ماركسي واضح وأن ننظر إلى المدى البعيد شارحين حقيقة الوضع. نظام الأسد سينهار في النهاية، ولكن كيفية انهياره ومن سوف يسقطه أمر بنفس أهمية سقوط النظام بحد ذاته. في ليبيا نرى عواقب تغيير النظام بمساعدة الامبريالية - الفوضى والضياع في حين يستمر الامبرياليين بالتحكم من الخارج. مشاكل الطبقة العاملة الليبية لم تنحل بعد لا بل على العكس تزداد سوءا. نفس الأمر سينطبق على سوريا إذا سقط النظام بواسطة مليشيات مدعومة من قبل دول الخليج الرجعية والامبريالية الغربية.

بكل الأحوال، سيستقر الوضع وسيجد العمال موطئ قدمهم في نهاية المطاف. سوف يبدؤون بالتنظيم وخلق منظمات نقابية عندما يتحركون للدفاع عن مصالحهم. في النهاية ستبرز الحركة العمالية كقوة عندما يتضح للجماهير أن سقوط الأسد بحد ذاته لم يغير أي شي أساسي. لذلك ما يتوجب على طليعة الشباب والعمال القيام به هو الاستعداد للمستقبل بخلق معارضة سورية ماركسية. معارضة من هذا النوع سيكون لها دور كبير كي تلعبه في المستقبل.

الثورة العربية ستكون عملية طويلة وبطيئة تتخللها فترات من الحراك الجماهيري والاندفاع نحو اليسار تتلوها فترات من السكون المؤقت حيث تبدو الرجعية أقوى. ولكن الثورة ستسير قدما بطريقة أو بأخرى. السبب في ذلك هو عدم وجود حل في ظل الرأسمالية للمشاكل الأساسية مثل البطالة وانخفاض الأجور الخ.

الثورة بالفعل أخذت تنهض إلى مستوى أعلى في تونس ومصر وسيمتد ذلك إلى باقي الدول من دون شك. العراق سوف يتأثر، المملكة العربية السعودية والدول الخليجية ستتأثر أيضا. جميع دول المنطقة ستتأثر في مرحلة ما. سياسة فرق تسد المتبعة في المنطقة من قبل الامبريالية الغربية، إيران، الدول الخليجية الخ. لتقسيم المجتمع على أسس عرقية ودينية طائفية هي محاولة لاعتراض المسائل الطبقية. ممكن لهذا الأمر أن ينجح لفترة ولكن في النهاية ستطفو إلى السطح القضايا الطبقية.

الكويت والبحرين

دعونا ننظر إلى الكويت التي شهدت أكبر تظاهرات في تاريخها، مسيرة 150.000 في أكتوبر، مسيرة "الكرامة". هذا أمر هائل بالنظر إلى أن عدد مواطني الكويت 1,5 مليون (بالإضافة إلى 3 ملايين من المهاجرين). الحراك بدء على شكل حركة معتدلة من أجل الإصلاحات والديمقراطية ولكن الدولة قمعتها بوحشية، تم اعتقال الناشطين الخ وبذلك هم مضطرون إلى فهم طبيعة الدولة بسرعة.

يمكننا رؤية كيف أن الحركة التي تبدأ بمطالب ديمقراطية تؤدي بالضرورة إلى اصطدام طبقي والحاجة إلى الثورة الاشتراكية. لقد رأينا عدة محاولات لرشوة الحركة ولكنها غير قادرة على دفن الثورة. الوحشية ستؤدي فقط إلى إطلاق غضب الجماهير أكثر. لا يمكن لأي دولة أن تتكل على نظامها الأمني فقط كي تستمر، عليها توفير حد أدنى من الظروف المعيشية المقبولة. نظام مبارك كان نموذجا واضحا عن هذا الأمر.

الحركة الثورية في البحرين أيضا هامة حيث رأينا 100.000 يتظاهرون في نوفمبر. في عمان أيضا رأينا حراكا. رد فعل النظام كان قمعا قاسيا مع بعض تنازلات هامة.

إيران

بالإضافة إلى مصر، إيران بلد رئيسي أخر في المنطقة سواء من حيث الحجم العام أو قوة الطبقة العاملة. لقد حللنا الثورة الإيرانية في الماضي متتبعين صعودها وهبوطها. حاليا من الواضح أنها في حالة جزر على الرغم من وجود إشارات تدل إلى قدوم موجة ثورية أخرى.

الوضع الاقتصادي في البلد تدهور في المرحلة الأخيرة وانفجارا جديدا يلوح في الأفق. التضخم يقف عند 26% رسميا. الإنتاج الصناعي ينهار. الطبقة الوسطى مفلسة. ملايين العمال لا يتلقون أجورهم والصراع الطبقي عاد إلى الأجندة..

القابعين على قمة النظام قلقون جدا. رئيس شرطة طهران ذهب العام الماضي إلى حد الطلب من الإعلام عدم إظهار الدجاج على التلفاز! السبب في ذلك هو تحول الدجاج إلى سلعة رفاهية، بما أن سعره مرتفع جدا، وظهوره على التلفاز قد يثير غضب الجماهير ويدفعها إلى "اخذ سكاكينها واخذ حقهم من الأغنياء". لقد شرح أن ذلك يثير غضب الناس إلى حد التسبب بثورة ثانية.

أسابيع متواصلة تمر لا يتم فيها دفع أجور الحرس الثوري - وضع غير جيد للنظام. لقد رأينا للتو انتفاضات عفوية ضد الأسعار المرتفعة للدجاج والأكل بشكل عام. عمال المعامل ينظمون حملات ضد الأسعار المرتفعة والأجور المنخفضة ويتظاهرون أمام، وحتى يدخلون، البرلمان للاحتجاج.

وجد صراع واضح في قمة النظام. خامنئي يلقي اللوم على احمدي نجاد ويدعو إلى التوقف عن طباعة أوراق العملة من أجل الحد من التضخم. احمدي نجاد يلقي اللوم على خامنئي ل "خلقه مشاكل مع الغرب" ويريد طباعة المزيد من العملة كحل.

في الواقع لقد تزايد عرض المال بمقدار 7 مرات في السنوات 6 الأخيرة! هذا هو "التسهيل الكمي" على أوسع نطاق! ولكن نجاد يستخدم ذلك بأسلوب شعبوي. ففي حين يخفض الدعم يعطي في نفس الوقت لكل مواطن تعويضا من 40$ في الشهر. في طهران لا يشكل هذا الكثير، ولكن في القرى الصغيرة في المناطق الريفية يمثل هذا مبلغا كبيرا. يقوم بإتباع هذا السياسة لتوسيع قاعدة الدعم استعدادا للانتخابات القادمة.

الشرخ بين معسكري النظام يتوسع كل يوم. توجد أخبار دائمة عن حالات من الفساد ترافقها اعتقالات في الأعلى. تطورات ثورية في طور الإعداد في إيران. بإمكان هذا أن يتعطل مرحليا في حال حصول هجوم على إيران من قبل إسرائيل أو الامبريالية الأمريكية. ولكن تصرف كهذا سيؤدي فقط إلى ازدياد عدم الاستقرار في المنطقة بأكملها لأن الهجوم المفتوح على إيران سيعني إغلاق مضيق هرمز ( الذي يعبر منه 40% من نفط العالم) وهذا سيكون له عواقب على الاقتصاد على مستوى العالم.

كل هذا يشرح سبب، على الرغم من الحديث الكثير، إحجام الامبريالية الغربية عن ضرب إيران وذلك لخوفها من العواقب. الأمر نفسه ينطبق على إسرائيل، والتي هددت مرات عديدة بضرب إيران، ولكنها لحد الآن توقفت عن القيام بذلك. لكن الوضع غير مستقر للغاية ومليء بالتناقضات ومع نمو الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لا يمكن استبعاد شن هجوم.

إسرائيل وفلسطين

الفلسطينيون أبعد اليوم من تحقيق تقرير المصير مما كانوا عليه منذ 50 سنة. "حل الدولتين" فشل فشلا ذريعا، وما يدعى "الكفاح المسلح" - وهو في الحقيقة إرهاب فردي - أيضا اثبت انه طريق مسدود أمام الجماهير الفلسطينية. لا يوجد إمكانية لحل ضمن حدود النظام الرأسمالي القائم أو ضمن الحدود الحالية الضيقة. قد يكون هذا ما لا يرغب الناس بسماعه ولكنه الحقيقة.

ولكن هذه المنطقة أيضا تأثرت بالثورة العربية. لقد رأينا حراكا كبيرا في غزة، وفي الضفة الغربية وإسرائيل نفسها. رأينا الحراك الضخم في إسرائيل في غشت 2011 مع مئات الآلاف من المتظاهرين لأجل المطالب الاجتماعية. عشر السكان كانوا في الشوارع. لقد كان حراكا ذو أهمية حيث رأينا لافتات تشي غيفارا وشعارات من قبيل "ناضل مثل المصري" . الناس حملوا صور لمبارك ونتنياهو وبن علي سويا. هذا يبين بوضوح الطبيعة الطبقية وتناقضات المجتمع الإسرائيلي حيث يواجه العمال الرأسماليين والامبرياليين. حركة 2011 أيضا شهدت انعكاسا سياسيا على الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة حيث زادت بعض الأحزاب اليسارية أصواتها بشكل ملحوظ. في الواقع لقد ضعف نتنياهو وحصل استقطاب على كل من اليمين واليسار. هذا يشير إلى نمو الانقسام الطبقي في إسرائيل وإلى الصراع الطبقي الذي سينفجر في حين ما في المستقبل.

ضمن الوسط الفلسطيني يمكننا أن نجد حراكا موازيا لما يحصل في العالم العربي. فكما تعاونت فتح في إدارة ومراقبة الفلسطينيين نيابة عن الامبرياليين، إسرائيل بالأخص، ملئت حماس الفراغ السياسي. عندما برزت حماس كقوة وتمكنت في النهاية من السيطرة على غزة، كان هناك كلام كثير عن التأثير الإسلامي بين السكان الفلسطينيين، حتى أن البعض من اليساريين رأوا ذلك كخطوة نحو الأمام!

دعونا لا ننسى أن الموساد نفسها (المخابرات الإسرائيلية) هي من مولت ودعمت حماس والجهاد الإسلامي من أجل الوقوف في وجه التيار اليساري الصاعد. هذا عندما كان العدو الأساسي هو منظمة التحرير وفتح. هذا الأمر نفسه يحصل في كل مكان. المتطرفين الإسلاميين تم دعمهم في أفغانستان لموازنة النفوذ السوفياتي.

الفكرة القائلة بأن الإسلاميين بشكل ما "معادين للامبريالية" أمر سخيف. المتطرفون الإسلاميون رجعيون بشكل كامل ولا يلعبون أي دور تقدمي بأي شكل من الأشكال. هذا الأمر يتم إثباته في غزة الآن حيث تقوم حماس بمراقبة الفلسطينيين من أجل إسرائيل بنفس طريقة فتح في الماضي. الولايات المتحدة أيضا في حالة صدام مع المتطرفين. التطرف الإسلامي والامبريالية وجهين لعملة واحدة.

كما في حالة سوريا، لا يمكننا أن نقارب المسألة الفلسطينية الإسرائيلية بشكل عاطفي. لمدة 50 سنة كان موقفنا بأن حل المسألة الفلسطينية يكمن في الصراع الطبقي وفي بناء فدرالية اشتراكية في الشرق الأوسط. تعرضنا للهجوم من قبل العديد من الإصلاحيين والستالينيين البراغماتيين ولكننا صمدنا في موقفنا.

نحن نفهم أن يهود إسرائيل يخافون أن يقتلوا ويبادوا من قبل الحكومات العربية المجاورة المعادية. هذا ما يدفعهم باتجاه نتنياهو وأمثاله. وطالما أن مجموعات مثل حماس، ومنظمة التحرير منذ زمن قصير في الماصي، يطرحون فكرة طرد اليهود بدلا من إضعاف الدولة الصهيونية، فالأغلبية من السكان اليهود يندفعون إلى الالتفاف حول الطبقة الحاكمة الإسرائيلية مما يقوي الصهيونية ولا يضعفها.

الماركسيون يعارضون الدولة الصهيونية. هي دولة امبريالية واستغلالية كما هي جميع الدول البرجوازية. ولكن كيف يمكننا القضاء هذه الدولة؟ من أجل تحقيق ذلك على المجتمع الإسرائيلي أن يقسم إلى أسسه الطبقية. هذا يعني كسب ثقة الطبقة العاملة الإسرائيلية. أحد مفاتيح الوضع هو الطبقة العاملة الإسرائيلية.

هذا ما يدفعنا إلى الدعوة إلى دولة واحدة فدرالية اشتراكية يهودية-فلسطينية تعطي حكم ذاتي لكل مجموعة (مع المحافظة على حقوقهم في مدارسهم الخاصة، استخدام لغتهم، إتباع أي دين يرغبون به الخ) بحيث تكون القدس هي عاصمة حكومة فدرالية واحدة. ضمن هكذا دولة ستتوافر حرية الحركة للناس بين المناطق المختلفة. كل ذلك سيكون جزء من فدرالية اشتراكية طوعية للشرق الأوسط بحقوق كاملة وحكم ذاتي وحق تقرير المصير لجميع الناس في المنطقة، بالاتكال على اقتصاد اشتراكي. باستخدام جميع الموارد المتوافرة في المنطقة من الممكن خلال فترة قصير توفير الأشغال، المداخيل الكريمة، الطعام، المسكن، الرعاية الصحية، والتعليم للجميع بغض النظر عن دينهم، عرقهم، لغتهم الخ. خلال مسار الثورة بحد ذاتها ستتضح المسائل القومية. بمرور الوقت وعلى أساس حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الأساسية ستختفي الأحقاد والاتهامات القديمة.

لا يوجد أي حل على أسس رأسمالية. حتى لو كان بالإمكان تحقيق شكل من الدولة الفلسطينية المستقلة في ظل الرأسمالية فلن تكون صالحة من الناحية الاقتصادية، والسياسية والعسكرية لأنها ستبقى تحت هيمنة إسرائيل. ضمن هكذا دولة لن يحل شيء بالنسبة للفلسطينيين العاديين.

الماركسيون يملكون نظرة أكثر اتساعا للمسائل ولا يحصرون أنفسهم بإيجاد حلول ضمن الحدود الضيقة للدول. كما شرحنا لعدة عقود الثورة في مصر وإيران، دولتين أساسيتين في المنطقة، سوف توضح المسائل لكل من اليهود في إسرائيل وللفلسطينيين. الصراع الطبقي سيبدو الحل لقضاياهم.

في هذا الوضع يمكننا أن نرى الدور المنافق والمجرم للقادة الفلسطينيين، كل من حماس وفتح، الملالي العرب، المشايخ، السلاطين، الملوك، الجامعة العربية الخ جميعهم يدافعون عن الرأسمالية وجميعهم يحرضون الصراعات القومية لأنهم يرون في هذا الأمر وسيلة للدفاع عن مواقعهم.

وحدة الطبقة العاملة العربية والإسرائيلية (ومن ضمنها العرب الإسرائيليين) هو إذا الطريق الوحيد إلى الأمام في النضال ضد عدو مشترك. الطبقة الحاكمة الإسرائيلية تعمل على تعطيل القضايا الطبقية في غزة حيث ما نراه أن كلا من الحكومة الإسرائيلية وحماس يتكلان على بعضهما وفي الحقيقة يساعدان بعضهما. عندما تطلق حماس الصواريخ على إسرائيل، كما تفعل في الفترة الأخيرة، فإنها تساعد الحكومة الإسرائيلية على اعتراض القضايا الطبقية في إسرائيل من خلال خلق مناخ الدولة المحاصرة التي تحتاج إلى الاتحاد كي تدافع عن نفسها. بنفس الطريقة، عندما ترد إسرائيل على الهجمات الصاروخية بقصف غزة بشدة فهي توقف الراديكالية التي تتطور ضد حماس بين الفلسطينيين. هنا نرى كيف أن قادة حماس (و فتح)، وعلى الرغم من الشعارات الفارغة، لديهم شيء مشترك مع البرجوازية الإسرائيلية، وهو الخوف من تطور الصراع الطبقي في المنطقة..

الخلاصة

في الشرق الأوسط نرى مستويات فاضحة من الغنى في أوساط الطبقات الحاكمة لهذه المنطقة. فاحشوا الثراء يعيشون حياة باذخة في وسط انتشار الفقر والفاقة. النخب الحاكمة لهذه البلدان هي الأكثر رجعية وإثارة للقرف بين النخب الحاكمة. هم يدافعون عن مصالحهم المادية بكل الوسائل التي يملكونها. كما نرى في سوريا وغيرها من الدول، يستخدمون أموالهم الطائلة للدفع بقواهم الرجعية والمتخلفة ولحرف الثورات الصادقة عن مسارها باتجاه طريق الصراع الإثني الدموي. هؤلاء الناس يعتقدون أنهم فئة سامية وأنهم يملكون الحق الإلهي في الحكم وبأن الناس في الأسفل، العمال، الفقراء، الشباب المعطل، هم في مكانهم الصحيح. ولكنهم يجلسون على برميل من البارود على وشك الانفجار. انه بالضبط هذا التناقض بين حياة كثيري الغنى وحياة جماهير الناس العاديين الكادحين ما يجعل الوضع قابلا للانفجار.

نحن نقف بصلابة ضد الرأسمالية والامبريالية وضد كل الأنظمة المحلية الرجعية في المنطقة. علينا أيضا النظر إلى الصورة الأكبر للقوى الطبقية في المنطقة وفهم أن الثورة ما تزال بعيدة عن الانتهاء وفي بلدان مثل مصر تصعد إلى مستوى أعلى في الحقيقة.

الوضع معقد حيث أن الثورة والثورة المضادة تسيران معا. نحن بحاجة إلى تطبيق محكم للمذهب الماركسي لفهم ما يحصل في الواقع، لفك شبكة التشوش، ولفصل العناصر الثورية عن العناصر الرجعية.

بالعموم يبدو المنظور ايجابي مع تنامي التجذر وتعلم الجماهير من كل تجربة. هذا ما يخلق ظروفا مواتية لانتشار الأفكار الماركسية ولبناء قوى الماركسية في المنطقة. لا يوجد طريق سهل إلى الثورة - ولكن الثورة هي الطريق الوحيد.

الثورة العربية هي أحد أهم الأحداث في تاريخ الإنسانية. الملايين من الناس الذي كانوا في الواقع مثل العبيد ينتفضون. ولكن كما شرحنا مسبقا الثورة ليست دراما واحدة. سوف تمر وعليها أن تمر بمراحل عديدة. والبروليتاريا المصرية هي مفتاح الثورة العربية.

في المرحلة الأولى تخرج الجماهير إلى الشوارع وتشعر بقوتها، تشعر بأنها غير قابلة للإيقاف، وبأن الحركة التي خلقتها ستسير إلى الأمام بشكل دائم. هنالك شعور من "الوحدة الوطنية"، من النشوة، وجو شبيه بالاحتفال.

ولكن ريثما يستقر الغبار بعد رحيل الطاغية، تبدأ الجماهير باستيعاب أن الأمر ليس بالسهولة التي توقعوها في البداية وأن لا شيء أساسي قد تغير. الفئات الأكثر تقدما تلاحظ هذا في البداية في حين أن الفئات الأخرى تتعلم بسرعات مختلفة.

الانتخابات في مصر مثلت انتصارا للجماهير الأكثر تخلفا (الريفية، الفلاحية، الخ) على الفئات الأكثر تقدما (الحضرية، العمالية، الخ) ولكن هذا الفئات أيضا تتعلم الآن أن الإخوان المسلمين محتالين لأنهم لا يرون أي تحسن في ظروفهم المعيشية. بإمكانهم رؤية أن الإخوان يدافعون عن نفس المصالح الطبقية لنظام مبارك.

في الحقيقة الثورة الآن تنتقل إلى مستوى جديد مع احتداد الاستقطاب الطبقي. الارتداد ضد الإخوان والسلفيين بدء بالحدوث. الأحزاب الإسلامية بدأت تنكشف بسبب تصرفاتها. الجماهير تتعلم من التجربة.

من يمكنه الشك أنه لو وجد حزب مثل الحزب البلشفي في هذا الوضع فإن العمال المصريين سيكونون على وشك الوصول إلى السلطة؟ المأساة أن حزب كهذا غير موجود. لذلك فالعملية ستمتد إلى فترة سنين عديدة.

في الماضي، في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، الثورات ضد الاستعمار أنتجت مختلف أنواع التشوهات. السبب في هذا كان تأخر حصول ثورات في أوربا وأميركا الشمالية. ولكن الآن الأمور اختلفت تماما حيث نرى أمام أعيننا عملية الثورة العالمية.

نحن نعتمد بصلابة على نظرية الثورة الدائمة لتروتسكي. في ظروف سيطرة الامبريالية من المستحل لبلد متخلف حل مسائل الثورة الديمقراطية البرجوازية. هذه الأمر أثبت صحته في 70 سنة الأخيرة. الاستقلال الرسمي لم يحل أي شيء. لقد استمرت أغلال الامبريالية من خلال الهيمنة الاقتصادية.

و لكن الآن الثورة العربية تحصل في وسط أزمة عالمية للرأسمالية. الثورة وصلت قلب أوربا مع الحراك الجماهيري في عدة بلدان. الثورة تقبع على الأجندة في البلدان الرأسمالية المتقدمة. يمكننا رؤية كيف ألهمت الثورة العربية الجماهير في البلدان الرأسمالية المتقدمة وكيف أعطت التطورات الثورية في الدول الرأسمالية المتقدمة بدورها قوة للجماهير في الدول المستعمرة سابقا...

ما نراه هو تجمع كافة خيوط الثورة العالمية في واحد مع تأثير الأزمة على جميع الدول ودفعها لهم بنفس الاتجاه، باتجاه الثورة الاشتراكية.

(يناير 2013)

 

Translation: Marxy.com (Morocco)