الانتخابات التشريعية المغربية: الامتناع الكبير عن التصويت يكشف عن التحدي الشعبي الواسع للنظام

يوم الجمعة، 25 نوفمبر 2011، نظم النظام الديكتاتوري بالمغرب انتخابات صورية لبرلمانه المزيف. لا يمكن أن تفهم هذه الانتخابات التشريعية إلا بكونها محاولة لحماية النظام الرأسمالي الملكي. إن النظام يبحث بيأس عن شرعية جديدة، لكنه فشل فشلا ذريعا.

لم يستثن الربيع العربي المغرب بدوره. فمنذ 20 فبراير هزت موجة هادرة من المظاهرات الحاشدة أركان النظام. لقد أصبحت حركة 20 فبراير أكبر حركة للمعارضة السياسية للحكم الاستبدادي. كان رد فعل النظام مزيجا من القمع والإصلاحات. إلا أن هذه الإصلاحات ليس الهدف منها جعل النظام السياسي أكثر ديمقراطية، بل فقط درء ثورة من تحت. في الواقع جاءت هذه الإصلاحات بتغييرات تجميلية للنظام دون أي تغيير جذري في طبيعته الديكتاتورية. إن استفتاء فاتح يوليوز على الدستور وانتخابات 25 فبراير التشريعية، هي جزء من نفس ترسانة الأدوات التي هدفها تحويل الرغبة الثورية في التغيير نحو قنوات "اصلاحية" آمنة. السلطات ما تزال في يد الملك. وليس من حق البرلمان حتى مسائلة قرارات الملك.

يفهم بيير فيرميرين، وهوخبير شهير في التاريخ المغربي، المعنى العميق للانتخابات المغربية حيث قال: "[الانتخابات] بالنسبة للقصر الملكي، وغالبية النخب والشركاء في المغرب، وسيلة لوضع حد للاحتجاجات السياسية التي بدأت في 20 فبراير". (عنTF1/LCI، 25 نوفمبر 2011). لكن هذا الهدف لم يتحقق.

دعت حركة 20 فبراير، جنبا إلى جنب مع بعض الأحزاب اليسارية الصغيرة (الحزب الاشتراكي الموحد والنهج الديمقراطي، الخ)، بشكل صحيح، الى مقاطعة هذه الانتخابات. هذا هوالسبب الذي يجعل من نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية مقياسا لمستوى شرعية النظام. لم تكن حملة حركة 20 فبراير لمقاطعة الانتخابات نداءا سلبيا، بل كانت في كثير من الأماكن منظمة جدا ونشطة جدا. في مدينة تطوان بشمال البلاد، التي صارت، الى جانب طنجة والحسيمة، بؤرة جديدة للاحتجاجات، دخل المناضلون أحياء الطبقة العاملة خلال حملتهم من أجل الدعوة إلى المقاطعة. نظموا خلال الأربعة أيام التي سبقت الانتخابات مظاهرات من الساعة السادسة مساء حتى الساعة العاشرة ليلا ولقاءات جماهيرية في تلك المناطق لدعوة الجماهير لمقاطعة الانتخابات وتنظيم نفسها للنضال من أجل "الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية" (انظر الفيديو). وقال أحد المناضلين"عندما أعلنت الاحزاب البرجوازية الرئيسية: حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وحزب الاستقلال، حملاتها الانتخابية قام مناضلو حركة عشرين فبراير بمحاصرة وسط المدينة ومنعهم".

وخلال الأسبوع الماضي أيضا نظمت مظاهرات حاشدة في وسط المدن، كما يمكنكم أن تروا هنا في طنجة. ولاحظوا المزاج الكفاحي والثقة بين صفوف المتظاهرين!

مثال آخر نسوقه من منطقة خريبكة المنجمية. شهدت تلك المناطق مظاهرات كفاحية، من تنظيم الشباب العاطلين عن العمل، للمطالبة بمناصب شغل في قطاع الفوسفات الذي يغتني منه الملك وحاشيته. والأهم من ذلك هوأن الشباب نظموا مقاطعة نشطة لما وصفوه بأنه "مهزلة الانتخابات". في بولنوار، قام عشرات الشباب، الذين التحق بهم لاحقا مئات آخرون، بمنع الدخول إلى القرية على فريق المرشح والنائب عن حزب الاستقلال. وقد منعوا جميع الأحزاب من القيام بحملات انتخابية في منطقتهم، ورفضوا أن يعاملوا كمجرد أوراق الانتخابية. في اليوم الموالي، حدث نفس الشيء في بوجنيبة، القرية المنجمية القديمة. وضع الشباب المتاريس وأغلقوا الطريق إلى القرية، ومنعوا رئيس المجلس البلدي بخريبكة من القيام بالحملة الانتخابية.

وحتى المناطق القروية، التي كانت في الماضي معاقل للنظام، رفضت أن "تلعب اللعبة" مرة أخرى. انظر هذا الفيلم الوثائقي القصير عن منطقة نائية في جبال الأطلس.

وهكذا، فإن المقاطعة أبعد ما تكون عن أنها مظهرا من مظاهر اللامبالاة السياسية. إن الامتناع عن المشاركة في هذه المهزلة الانتخابية لا يعكس "عدم الاكتراث" أو"اللاتسيس" كما يزعم بعض المعلقين الحكماء. ففي ظل نظام ديكتاتوري، يعتبر رفض المشاركة في سيرك الانتخابات شكلا من أشكال التحدي ضد النظام. إنه لا يعكس مستوى متدنيا للوعي السياسي، بل يعكس نظرة واضحة لآلية الخداع التي تستعملها السلطة السياسية في المغرب. إن المحسوبية والفساد والتعتيم و"الزبونية" أمراض مستشرية في جميع مستويات جهاز الدولة. والسلطة الحقيقية لا توجد في البرلمان بل في يد الملك ومحيطه من المستشارين الأثرياء وبضع مئات من العائلات البورجوازية؛ ومخالب بيروقراطية الدولة في خدمتهم تماما.

نتائج الانتخابات مزورة مسبقا من قبل وزارة الداخلية. وجميع الأحزاب المتنازعة، سواء تلك التي الموجودة في الحكومة أوتلك التي ليست موجودة فيه بعد، هي أحزاب ملكية. وهذا يعني أنها تقبل أن تكون محكومة ومسيرة من طرف ملك بسلطات مطلقة. إن الحزب الفائز، وفي هذه الحالة حزب العدالة والتنمية الإسلامي، يعكس رغبة النظام في إعادة تنظيم بنيته الداخلية. حزب العدالة والتنمية هوحزب صنعته الدولة نفسها. إنه حزب برجوازي محافظ كان جزءا من "معارضة جلالة الملك" في البرلمان. وفي هذا السياق فإن مستوى الامتناع عن التصويت هومقياس مهم لمدى ابتعاد الجماهير بنفسها عن النظام.

أعلنت وزارة الداخلية نسبة 45٪ لمشاركة الناخبين في الانتخابات. وقد اعتبر هذا زيادة قدرها 8٪ مقارنة مع الرقم الذي سجل خلال انتخابات عام 2007، حيث تم تسجيل معدل 37٪. هذا الرقم مبالغ فيه دون شك. لكن دعونا، ولو للحظة قصيرة، نقبل به كانعكاس حقيقي لمستوى المشاركة.

بادئ ذي بدء، تشير هذه النسبة إلى الناخبين المسجلين. يمكن لجميع المواطنين المغاربة الذين يبلغون 18 سنة من العمر أوأكثر التصويت. وبما ان التصويت ليس إلزاميا، فيجب عليك التسجيل لتتمكن من التصويت. في عام 2007 كان عدد السكان البالغين 18 عاما حوالي 19.9 مليون نسمة (وفقا لآخر تعداد للسكان قامت به المندوبية السامية للتخطيط). فإذ اخذنا بعين الاعتبار نسبة النمو السكاني فإن عدد البالغين 18 سنة حاليا يقارب 22 مليون نسمة.

في عام 2007 تم تسجيل 15.5 مليون ناخب. هذا العام أعلنت وزارة الداخلية أن 13.5 مليون ناخب تسجلوا للتصويت، بإنخفاض قدره 15٪. وهكذا، ففي حين لم يسجل أربعة ملايين من المغاربة أنفسهم عام 2007، بلغ عدد الغير المسجلين هذه السنة 9.5 مليون نسمة.

إذا قبلنا بالمستوى الرسمي للامتناع عن التصويت البالغ 55٪ من الناخبين المسجلين وهوما يعني أن 7.425.000 من المغاربة، من بين 13.5 مليون من المسجلين في اللوائح، لم يكلفوا أنفسهم عناء الإدلاء بأصواتهم. وإذا أضفنا 7.425.000 من الناخبين الذين امتنعوا إلى 9.5 مليون نسمة لم يتسجلوا، نصل إلى ما مجموعه 16.925.000 من المغاربة الذين يرفضون، بشكل اوبآخر، النظام السياسي القائم. وهكذا نرى كيف أن 13٪ فقط من السكان القادرين على التصويت، هم من أدلوا بأصواتهم فعلا في صناديق الاقتراع. هذا مستوى من الامتناع عن التصويت يبلغ 87٪!

ذهب الملك قبل بضعة أسابيع إلى فرنسا في عطلة. وعيا منه بعدم وجود دعم حقيقي في المجتمع للعبة حاول عدم ربط اسمه بهذه الكارثة. لكن هذا سيصير من الصعب أكثر فأكثر تحقيقه في المرحلة المقبلة. إن مستقبل المغرب سيتم تحديده ليس من خلال المناورات في الغرف الخلفية للنظام الملكي، بل عن طريق التدخل الواعي للجماهير في الساحة السياسية

Source: Marxy.com