الثورة العربية - بيان التيار الماركسي الأممي، الجزء الثالث: الثورة لم تنته بعد

أن نقول إن الثورة قد بدأت لا يعني القول بأنه قد انتهت، ناهيك عن القول بأنها قد ضمنت النصر. إنها صراع بين قوى حية. ليست الثورة مسرحية من فصل واحد. إنها سيرورة معقدة مع العديد من فترات التأرجح صعودا وهبوطا. تمثل الإطاحة بمبارك وبن علي والغنوشي نهاية المرحلة الأولى، لكن الثورة لم تنجح بعد في إسقاط النظام القديم تماما، بينما لم ينجح هذا الأخير بعد في إعادة بسط السيطرة.

في روسيا سنة 1917 استمرت الثورة تسعة أشهر، من فبراير إلى أكتوبر، حينما تمكن العمال أخيرا من حسم السلطة بقيادة الحزب البلشفي. ومع ذلك، فإن الثورة الروسية لم تسر في خط مستقيم، ومرت من خلال جميع أنواع التقلبات والتناقضات. كانت هناك فترة من الردة الرجعية في يوليوز وغشت. اضطر لينين إلى الفرار إلى فنلندا وكان الحزب البلشفي محضورا عمليا. لكن هذا عبّد الطريق لتقدم الثورة مجددا، بلغ ذروته في انتفاضة أكتوبر.

في اسبانيا رأينا سيرورة مماثلة، بدءا من سقوط النظام الملكي سنة 1931، متبوعا بطفرة كبيرة للصراع الطبقي. لكن هزيمة كومونة أستوريا خلال أكتوبر 1934، فتح فترة من الردة الرجعية، أو السنتان السوداوتان، 1935 و1936. لكن تبين أن هذه المرحلة لم تكن سوى مقدمة لموجة جديدة من الثورة، بدءا من انتصار الجبهة الشعبية في انتخابات 1936، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية وانتهى بهزيمة الفاشية.

بعد سقوط مبارك، صارت الثورة المصرية مثل كرنفال كبير. لكن الجماهير تناضل من أجل أشياء لا يمكن لأي حكومة برجوازية أن تقدمها لها. ومثل العمال الروس في فبراير 1917، نجح عمال مصر في إسقاط طاغية لكنهم لم يحققوا أهدافهم الرئيسية. فالنضال الحقيقي ما زال أمامنا. ما هي المشاكل التي حلت بسقوط مبارك؟ وما الذي تم تحقيقه بعد فرار بن علي إلى السعودية؟ لم يتم حل أي مشكل جوهري. إن العمال يناضلون من أجل مناصب الشغل والخبز والمأوى، وليس من اجل نوع من التمثيلية الديمقراطية البرجوازية الشكلية، حيث يتم تغيير كل شيء من اجل أن يبقى كل شيء على حاله.

من خلال التجربة المؤلمة تتعلم الجماهير بعض الدروس الهامة. وعاجلا أو آجلا سوف يصلون إلى الاستنتاج بأنه على الطبقة العاملة أن تأخذ السلطة. سوف تكون هناك سيرورة تعلم طويلة، وسيرورة تمايز داخلي. وقد بدأ هذا بالفعل. في اللجان الثورية تتعرض العناصر الأكثر اعتدالا والتي قادت الحركة في مراحلها الأولى، والتي لديها أوهام حول الجيش، للتجاوز من قبل فئات جديدة من العمال والشباب الذين يعارضون تقديم تنازلات، والذين يخشون أن يحرموا من المكتسبات التي حققوها بدمائهم بواسطة الخداع. وهذا الحذر مبرر تماما.

مع سقوط مبارك حققت الثورة المصرية انتصارها الكبير الأول. لكن لم يتم حل أي من المشاكل الأساسية للمجتمع المصري. فالأسعار واصلت الارتفاع، والناس بلا مأوى ينامون في المقابر وحوالي 10 % من الساكنة النشيطة عاطلون عن العمل وفقا للإحصاءات الرسمية، رغم أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.

هناك غضب شديد ضد اللامساواة والفساد المتفشي في كل مكان، وهما السمتان الرئيسيتان للنظام القديم. ضاعت مليارات الدولارات من المال العام. وتقدر المبالغ المنهوبة من قبل عائلة مبارك وحدها بما بين 40 و80 مليار دولار. وقد أثار هذا الغضب والاشمئزاز، في بلد يعيش فيه 40 % من الناس تحت خط الفقر.

من المستحيل الجزم بما سيحدث مستقبلا. ومع ذلك، يمكن القول إن الثورة سيطول أمدها وستشهد كل أنواع المد والجزر. الجماهير، في الوقت الحاضر، مخمورة بفكرة الديمقراطية. ويؤثر الشعور بالنشوة حتى على العناصر الأكثر تقدما والأكثر ثورية. إن هذه الفترة من الأوهام الديمقراطية والدستورية هي مرحلة حتمية لكنها لن تدوم. إن الثورة تهز أساسات المجتمع. إنها توقظ فئات جديدة، كانت خاملة سابقا و"متخلفة"، إلى الحياة السياسية. وهم يطالبون بحقوقهم. وعندما يقول هؤلاء الناس: ثورة حتى النصر، فإنهم يعنون ذلك.

جميع المحاولات الرامية إلى استعادة التوازن السياسي لن تسفر عن شيء، لأن الأزمة الرأسمالية لا تسمح بأي حل للمشاكل الأساسية للشعب. ستكون هناك سلسلة من الأنظمة البرجوازية الغير مستقرة. وستسقط الوزارات الهشة الواحدة منها بعد الأخرى. وهذا يمثل خطرا. فعندما يصل الصراع الطبقي إلى نقطة الجمود، تميل الدولة إلى الارتفاع فوق المجتمع والحصول على استقلال نسبي. والنتيجة هي نظام عسكري غير مستقر، أو بعبارة أصح: نظام بونابارتي. وحقيقة وجود مثل هذا النظام يؤكد أن الثورة، التي بدأت يوم 25 يناير، لم تنته بعد. وسوف تمر من منعطفات عديدة قبل أن تتمكن من كتابة الفصل الأخير.

بالرغم من كل النداءات إلى "الوحدة الوطنية"، فالمجتمع المصري أصبح يعيش استقطابا حادا. وما زالت الثورة تحتفظ باحتياطي كبير من الدعم في أوساط الشعب. يقوم الطلاب بالعمل التحريضي في الجامعات. وينظم العمال الإضرابات وعمليات احتلال المصانع، ويطردون المدراء المكروهين والقادة النقابيين الفاسدين. وقد حقق إضراب عمال النفط المصريون جميع المطالب، بما في ذلك استقالة وزير النفط، في ثلاثة أيام فقط. وهذا يظهر أين توجد السلطة الحقيقية.

لا يمكن للنظام العسكري في مصر أن يحافظ على نفسه لفترة طويلة. وكل محاولات استعادة "النظام" (أي سيادة الأغنياء والأقوياء) قد باءت بالفشل. حاول الجيش وقف الإضرابات، لكن الإضرابات استمرت. وبدل أن تخمد حركة العمال هي آخذة في الازدياد. ماذا يمكن للجنرالات أن يفعلوا؟ فإذا كانوا عاجزين عن استخدام الدبابات لسحق التمرد، فإنهم ما يزالون أكثر عجزا عن استخدامها لسحق الإضرابات في ظل نظام يفترض أنه ديمقراطي.

سيكون على الجنرالات تمرير السلطة إلى المدنيين (أي إلى البرجوازية). وستكون هذه بمثابة ثورة مضادة بقناع ديمقراطي. لكنه لن يكون من السهل بالنسبة للثورة المضادة استعادة الاستقرار. إن الديمقراطية بالنسبة للعمال ليست كلمة فارغة. فإذا لم تؤد إلى تحسن في مستويات المعيشة وفرض الحق في الشغل والسكن، لماذا كان النضال منذ البداية؟

لو أن كل هذا حدث قبل عشر سنوات، لكانوا قد استطاعوا إرساء شكل من أشكال النظم الديمقراطية البرجوازية. فالازدهار الاقتصادي الذي كان يعرفه العالم الرأسمالي كان من شأنه أن يعطيهم هامشا معينا للمناورة. لكن الآن هناك أزمة عميقة على الصعيد العالمي. وهذا هو السبب في الغليان الثوري وفي نفس الوقت السبب في صعوبة وضع حد له. لا يمكن للنظام الرأسمالي أن يقدم أي شيء للجماهير. لا يمكنه أن يوفر فرص العمل أو مستوى معيشي لائق حتى في الولايات المتحدة وأوروبا. فكيف يمكن الأمل بأن يحقق ذلك مصر؟

تكتسي نضالات العمال المضربين، والذين يحتلون المصانع ويطردون المدراء أهمية عظيمة. إنها تعني أن الثورة بدأت تدخل المصانع وأماكن العمل. إنها دلالة على أن العمال في مصر ينتقلون من النضال من أجل الديمقراطية في المجتمع إلى النضال من أجل الديمقراطية الاقتصادية في أماكن العمل. إنها تعني أن الطبقة العاملة المصرية بدأت تشارك في الثورة تحت رايتها الخاصة بها، وتناضل من أجل مطالبها الطبقية الخاصة. وهذا عامل حاسم بالنسبة لمستقبل الثورة.

يحتج العمال ضد الفساد وتدني الأجور. إنهم يتمردون ضد المدراء المعيننين من قبل الدولة وينشؤون لجانا ثورية لتشغيل المصانع وأماكن العمل الأخرى. وهذا هو الطريق الصحيح الذي ينبغي السير عليه.

أكد المعلقون البرجوازيون على أن الكثير من هذه الإضرابات ذات طابع اقتصادي. بالطبع! فالطبقة العاملة تطرح مطالبها الملحة المباشرة. وهذا يعني أنها تعتبر الثورة وسيلة للنضال ليس فقط من أجل الديمقراطية الشكلية، بل من أجل أجور أفضل وظروف عمل أفضل- أي من أجل حياة أفضل. إنهم يناضلون من أجل مطالبهم الطبقية الخاصة. وهذا النضال لن يتوقف بمجرد أن حسني مبارك لم يعد يسكن في قصر الرئاسة.

من أجل الديمقراطية العمالية!

في السويس، انهارت سلطة الدولة تماما لمدة أربعة أو خمسة أيام. وكما كان الحال في تونس في وقت سابق، أنشئت اللجان الثورية المسلحة ونقاط التفتيش للدفاع عن الشعب. هذه الوقائع تثبت بما لا يرقى إليه الشك أن السوفييتات (أي مجالس العمال) ليست اختراعا متعسفا من قبل الماركسيين بل هي أجهزة تظهر تلقائيا في أي ثورة حقيقية.

وهذا يطرح المسألة المركزية، أي مسألة الدولة. فالثورة أسقطت سلطة الدولة القديمة على ركبتيها. ويجب استبدالها بسلطة جديدة. وتوجد في المجتمع سلطة أقوى من أي دولة. إنها سلطة الشعب الثوري. لكن لا بد من تنظيمه. في كل من مصر وتونس هناك عناصر لازدواجية السلطة في اللجان الثورية. وقد سيطرت اللجان على مدن وجهات بأكملها.

في تونس، سارت الأجهزة الثورية للشعب أبعد مما سارت عليه في مصر. فهذه الهيئات، التي كانت في حالات كثيرة منظمة حول الهياكل المحلية للاتحاد العام التونسي للشغل، تولت تسيير جميع جوانب المجتمع في البلدات والمدن وحتى في جهات بأكملها، بعد طرد النظام القديم. وبالرغم من كل الحديث عن "الفوضى" و"انعدام الأمن" من قبل الطبقة السائدة، فالحقيقة هي أن الشغيلة نظموا أنفسهم لضمان النظام والسلامة، لكن بنوع مختلف من النظام، إنه النظام الثوري.

في مصر، في أعقاب انهيار قوة الشرطة يوم 28 يناير، تدخلت الجماهير لحماية أحيائها. وأقاموا نقاط تفتيش وهم يحملون السكاكين والسيوف والسواطير والعصي لتفتيش السيارات التي تدخل وتخرج. وفي بعض المناطق، أخذت اللجان الشعبية تقريبا إدارة المدينة، بل حتى تنظيم حركة المرور. لدينا هنا جنين الميليشيا الشعبية – جنين سلطة دولة بديلة.

ومثلما كان على الشعب تشكيل لجان لحماية مناطقهم من العناصر الإجرامية عندما أخليت الشرطة من الشوارع من أجل إحداث الفوضى والاضطراب، يجب الآن من أجل تنظيم الثورة بأكثر الطرق فعالية، تطبيق نفس الفكرة وتعميمها. من أجل الدفاع عن الثورة وتوسيع نطاقها، يجب علينا تشكيل لجان الدفاع في كل مكان!

ينبغي إنشاء لجان منتخبة للدفاع عن الثورة، والتي توجد بالفعل في بعض المناطق، في كل مصنع وشارع وقرية. وينبغي الربط بين هذه اللجان الثورية على المستوى المحلي والإقليمي والوطني. وستكون هذه نقطة الانطلاق لتشكيل حكومة العمال والفلاحين الديمقراطية المستقبلية- أي البديل الحقيقي للنظام الديكتاتوري الفاسد.

يطالب التيار الماركسي الأممي بما يلي:

  • التطهير الكلي والدمقرطة الكاملة للجيش

  • إنشاء لجان الجنود ولجان الضباط الثوريين الأدنى مرتبة

  • إسقاط الجنرالات الفاسدين والرجعيين

  • الحل الفوري لجميع الأجهزة القمعية

  • يجب محاكمة جميع المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية ضد الشعب ومعاقبتهم

  • التسليح العام للشعب

  • إنشاء ميليشيا شعبية

  • من أجل حكومة العمال والفلاحين!

الثورة لا تعرف الحدود

لقد اتضح الطابع الدولي للثورة منذ البداية. تواجه بلدان عربية أخرى العديد من المشاكل المماثلة لتلك الموجودة في تونس ومصر: ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتدهور الحاد للأوضاع الاقتصادية والبطالة والفساد الرسمي المتفشي. ملايين الناس يكافحون من أجل البقاء. وفي المجتمع كما هو الحال في الطبيعة، تؤدي الظروف المتشابهة إلى نتائج متشابهة. إن ما حدث في تونس ومصر يمكنه أن يحدث في العديد من البلدان الأخرى، وليس فقط في العالم العربي.

حاول الإمبرياليون تعزية أنفسهم بفكرة أنه لا وجود لتأثير الدومينو. لكن أحجار الدومينو قد بدأت بالفعل تتساقط: فليبيا، والمغرب، والسودان، والعراق، وجيبوتي واليمن والبحرين وسلطنة عمان - كلها تدخل الدوامة الثورية. وكما هو الحال في تونس ومصر، يعيش الشعب الجزائري والأردني واليمني في الفقر في ظل ديكتاتورية نخبة حاكمة تعيش حياة مترفة بنهب البلاد.

في حالة العراق، ترتبط الثورة بالنضال ضد الامبريالية والهيمنة الأجنبية، والحق في تقرير المصير للشعب الكردي. وفي الوقت نفسه من بين سمات الحركة الاحتجاجية في العراق هو أنها تجاوزت الانقسام الطائفي بين الشيعة والسنة، بين العرب والأكراد والتركمان، وهو الانقسام الذي كان أساسا لهيمنة السياسيين الرجعيين.

ومن بين القضايا الرئيسية التي رفعها المتظاهرون هناك ارتفاع تكاليف المعيشة، الذي يعود جزئيا إلى تراجع الحكومة عن دعم أسعار البنزين والسكر، وهي القضية المتفجرة في جميع أنحاء العالم العربي. قام حكام الأردن والجزائر وليبيا بتخفيض الضرائب على استيراد المواد الغذائية أو خفضوا أسعار السلع الأساسية في محاولة لتجنب الاضطرابات. وفي الجزائر قدم النظام عدة تنازلات في محاولة لمنع وقوع انفجار سيكون أكبر من التمرد الذي شهدته المناطق الأمازيغية عام 2001.

حتى ملوك بلدان الخليج الغنية بالنفط قلقون. وقد وزعت الكويت 4000 جنيه إسترليني (4600 اورو) على جميع مواطنيها للحفاظ عليهم في حالة هدوء. لكن هذه التدابير لن تنجح في أحسن الأحوال سوى في تأجيل النهوض الثوري الحتمي.

قامت وسائل الإعلام الغربية دون خجل بتصوير الحركة في البحرين باعتبارها صراعا دينيا/طائفيا بين الأغلبية الشيعية والسنة. إن هذا ادعاء كاذب. إن الشعب البحريني يناضل ضدا لفساد، ومن اجل إجراء انتخابات حرة، وضد التمييز ومن اجل حقوق المهاجرين والنساء، ومن أجل التوزيع العادل للثروة وضد البطالة. في كل مكان نرى نفس شجاعة الجماهير في مواجهة النار. في البحرين اضطر الجيش للانسحاب من ساحة اللؤلؤة. ومرة أخرى، كان دور الطبقة العاملة حاسما، حيث كان التهديد بتنظيم إضراب عام من جانب النقابات العمالية البحرينية هو الذي اضطر النظام إلى تقديم بعض التنازلات.

في جميع إمارات الخليج هناك استغلال وحشي للعمال، والمشكلة أساسا من العمال الأجانب. هناك 1.100.000 عامل/ة باكستاني/ة في السعودية وحدها. وتوجد حالة مماثلة في جميع أنحاء الخليج. وكانت هناك إضرابات وانتفاضات في الماضي، لم يتم الإبلاغ عنها في وسائل الإعلام، مثل إضراب 8000 من عمال البناء في دبي.

النظام السعودي نفسه، معقل الرجعية في الشرق الأوسط، يشبه طنجرة ضغط من دون صمام أمان. في مثل هذا النظام، عندما سيأتي الانفجار، سيأتي دون سابق إنذار وبعنف شديد. العائلة المالكة في السعودية فاسدة، ومنحطة ومتعفنة حتى النخاع. يشقها صراع حول الخلافة وهناك استياء متزايد وسخط بين صفوف الشعب. وعندما ستأتي اللحظة، كل النفط الموجود في المملكة لن يستطيع إنقاذها. ومن الجدير بالذكر أنه الآن حتى رجال الدين الوهابيون قد تحولوا ضدها.

أعادت الثورة العربية إحياء الحركة الثورية في إيران، حيث قال ضباط في الحرس الثوري إنهم ليسوا على استعداد لإطلاق النار على الشعب وأكدوا على الباسيج ترك هراواتهم في المنزل. والخلافات داخل جهاز الدولة تكشف عن وجود أزمة عميقة في النظام الذي ينقسم من الأعلى إلى الأسفل.

بما أن كل حالة تختلف بعض الشيء عن الأخرى، فإنه من الصعب القول ما هي أنواع الأنظمة التي سوف تظهر في كل حالة على حدة. إن أنواع الاتجاهات السياسية والنظم التي سوف تظهر تتوقف على عوامل كثيرة، وسوف تختلف من بلد إلى آخر. كانت السيرورة في تونس ومصر متطابقة تقريبا. لكن في ليبيا الوضع مختلف. حيث للنظام أكثر من قاعدة دعم، ولا سيما حول طرابلس. واقتصرت الانتفاضة إلى حد كبير على الجزء الشرقي وتحولت الثورة إلى حرب أهلية ما تزال نتيجتها غير مؤكدة.

القذافي لا يهمه إذا ما سقط كل البلد معه. وبعد أن فقد السيطرة على كل الشرق بما في ذلك ثاني أكبر مدينة، بنغازي، قرر القتال حتى النهاية مغرقا ليبيا في صراع دموي. كانت هناك انشقاقات واسعة النطاق داخل صفوف الجيش الليبي، حتى في القمة. لكنها لم تكن لها نفس التأثير كما هو الحال في مصر بسبب اختلاف طبيعة الجيش والنظام.

هناك شيء واضح: لقد دخل كل شيء إلى عين الإعصار. ولا احد من هذه الأنظمة سوف يبقى على قيد الحياة في نهاية المطاف. هناك احتمالات مختلفة، تبعا لميزان القوى الطبقي، وسلسلة كاملة من العوامل الداخلية والخارجية التي يستحيل التنبؤ بها. لكن هناك شيء واضح: مهما كان شكل النظام الذي سينشأ [على قاعدة الرأسمالية]، فإنه لن يكون قادرا على تلبية حتى الحد الأدنى من مطالب الجماهير.

عجز الإمبريالية

الإمبرياليون قلقون بخصوص ما سيسفر عنه كل هذا، وإلى أي مدى سينتشر. إنهم لم يتوقعوا هذه الأحداث ولا يعرفون كيفية التصرف. لم يجرؤ أوباما على دعوة الرئيس مبارك علنا إلى الاستقالة بسبب آثار ذلك على الدول الأخرى. وأجبر على التحدث بلغة رمزية محسوبة بعناية. إن عبارة "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" في فم أوباما ونظرائه الأوروبيين تنضح بالنفاق.

تتجلى كلبية الحكومات الغربية في أكثر أشكالها وقاحة. وبعد عقود من دعمهم للنظام الدكتاتوري البشع في تونس، صاروا فجأة جميعا مدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. أشاد ساركوزي ببن علي باعتباره صديقا للديمقراطية وحقوق الإنسان حتى عندما كان يعذب معارضيه في السجون. وتسترت واشنطن على الممارسات الهمجية لكل الطغاة الآخرين المواليين للغرب. وها هم الآن يحصلون على ثوابهم العادل.

تؤثر السياسة على الاقتصاد والعكس بالعكس. وقد ارتفعت أسعار النفط وسط مخاوف من احتمال امتداد الاضطرابات إلى بلدان عربية أخرى بما في ذلك عملاق إنتاج النفط السعودية، أو عرقلت إمدادات النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس. تجاوز سعر خام برنت 120 دولار للبرميل الواحد، وما يزال يحوم فوق نقطة 110 دولار. إن هذا يهدد بتقويض الانتعاش الضعيف والهش للاقتصاد العالمي.

تحتاج الامبريالية إلى الاستقرار في الشرق الأوسط لأسباب اقتصادية وسياسية وعسكرية. لكن كيف يمكنهم الحصول عليه؟ هذا هو السؤال! ومنذ البداية كانت الولايات المتحدة تكافح من أجل إيجاد إجابة متماسكة على الأحداث التي تتغير يوما بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة. في الواقع تحولت أقوى قوة في العالم إلى مجرد متفرج لا حول له ولا قوة. نشرت صحيفة الاندبندنت مقالا بقلم مراسلها في واشنطن، روبرت كورنويل، تحت عنوان مثير للاهتمام: كلمات واشنطن القوية تؤكد عجز الولايات المتحدة. هذا يعبر عن الموقف الحقيقي.

بعض الأشخاص "الأذكياء" يعتقدون أن الثورة العربية ليست سوى جزء من مؤامرة امبريالية. ليس هناك ما هو أبعد عن الحقيقة من هذا الإدعاء. فالبرجوازية أخذت على حين غرة تماما بكل هذه الأحداث. إن هذه الثورات تزعزع كليا استقرار واحدة من أهم مناطقهم. وهم أبعد ما يكون عن الترحيب بها. كما أن لها تداعيات أبعد من حدود العالم العربي.

إن الشرق الأوسط منطقة رئيسية للإمبرياليين. قضى الأميركيون أربعة عقود لإقامة مركزهم هناك. وكانت مصر قطعة رئيسية في حساباتهم. والآن جرف كل هذا أمام أعينهم في غضون بضعة أسابيع. والدولة الأغنى والأقوى على وجه الأرض كانت مشلولة تماما. لا يمكن لأوباما أن يتدخل، بل وجد من الصعب عليه أن يقول أي شيء بخصوصها خوفا من إغضاب حلفائه السعوديين. تمر 8% من التجارة العالمية عبر قناة السويس، وكان الأميركيون مرعوبين من احتمال إغلاقها، لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء حيال ذلك. كل ما استطاع أوباما قوله هو أن ذلك كان اختيار الشعب المصري. لكن الأميركيين لم يقولوا هذا عندما تعلق الأمر بالعراق أو أفغانستان، حيث لم تتردد الإمبريالية الأمريكية في غزوهما.

في الواقع أرسلت سفن حربية أمريكية إلى السويس لكنها لم تفعل شيئا. كان القصد من ذلك الكشف عن القبضة الحديدية التي تخفى داخل القفاز الحريري "لديمقراطية" أوباما. لكنها في الواقع كانت حركة جوفاء. فقد أحرقت الولايات المتحدة أصابعها في العراق. وكانت أي مغامرة عسكرية جديدة في مصر ستفجر عاصفة في الولايات المتحدة وعلى النطاق العالمي. لم تكن أي سفارة أمريكية لتبقى سالمة في منطقة الشرق الأوسط وستواجه سائر الأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة خطر السقوط.

للولايات المتحدة مصلحة خاصة في البحرين بسبب موقعها الاستراتيجي المهم المجاور للسعودية وإيران. إنها قاعدة الأسطول الخامس، القاعدة الأميركية البحرية الأهم في المنطقة بأسرها. إلا أنها كانت عاجزة عن التدخل ضد الحركة الثورية في البحرين. فإذا كان هذا كله جزء من خطة إمبريالية، فلا أحد أخبر أوباما بشأنه!

[فقرة أعيدت صياغتها يوم 29 مارس 2011]

في حالة ليبيا لم يترددوا في إدانة القذافي والدعوة إلى الإطاحة به – وهو ما عجزوا عن القيام به في حالة مبارك. هذا مثال آخر على نفاقهم وكلبيتهم وازدواجية المعايير عندهم. على الرغم من تلميحهم في البداية أنهم لا يستبعدون القيام بالعمل العسكري، فإنهم ترددوا في التحرك. وقالت هيلاري كلينتون إن منطقة حظر الطيران يجب أن تكون بموافقة الأمم المتحدة. هذا هو النقيض التام لسلوك الولايات المتحدة في العراق، عندما تجاوزت تماما الأمم المتحدة.

في النهاية، وتحت ضغط الفرنسيين والبريطانيين، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على فرض منطقة حظر الطيران. ولدينا الآن عدوان امبريالي واضح في ليبيا. ليس لهذا التدخل أي علاقة مع الدفاع عن شعب ليبيا فبالأحرى الدفاع عن الثورة. العكس هو الصحيح. إن هدفهم هو الحصول على موطئ قدم في المنطقة من أجل خنق الثورات التي بدأت.

نحن نعارض هذه البلطجة الإمبريالية. إن مهمة إسقاط القذافي مهمة الشعب الليبي. والحقيقة هي أنه قد تم إخماد الزخم الثوري الأولي الذي بدأ في الشرق وتم الاستيلاء عليه من قبل العناصر الرجعية في المجلس المؤقت التي سلمت الآن مصير الشعب الليبي للامبريالية الغربية.

إن التيار الماركسي الأممي يقول:

  • لا للتدخل الأجنبي!

  • إنهاء احتلال العراق وأفغانستان!

  • وقف قصف ليبيا!

  • فلتسقط الامبريالية!

  • ارفعوا أيديكم عن الثورة العربية!

إسرائيل والفلسطينيين

لم تثر الثورة العربية في أي مكان آخر رعبا أكبر مما أثارته في إسرائيل. فأقوى جيش في المنطقة وقف مشلولا في مواجهة ما يجري في مصر. بل إن الطغمة الحاكمة الإسرائيلية كانت حذرة بشأن ما تصرح به عن الوضع في مصر. وقد أمر بنيامين نتنياهو وزراءه بعدم الحديث عن ذلك علنا. ودعت إسرائيل الولايات المتحدة وعددا من الدول الأوروبية إلى الحد من انتقاداتهم للرئيس حسني مبارك. حاولت إسرائيل جاهدة إقناع حلفائها أنه في مصلحة الغرب دعم الرئيس مبارك من أجل الحفاظ على استقرار النظام المصري. وهو ما تعارض مع الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإزالته حتى يتمكنوا من ضمان "انتقال منظم" للسلطة وتجنب الثورة.

سبق لماركس أن أشار إلى أنه لا يمكن لشعب أن يكون حرا ما دام يستعبد شعبا آخر. تسيطر إسرائيل على عدد كبير من الفلسطينيين الساخطين الذين يتعلمون من أجهزة التلفزيون لكيفية الإطاحة بالطغيان. وفي الضفة الغربية يُحْتَجَز الفلسطينيين بمساعدة الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية. لكن السؤال الذي يبقى مفتوحا هو ما إذا كانت وحدات الشرطة الفلسطينية، أو قوات الأمن الإسرائيلية، ستكون قادرة على سحق حركة ديمقراطية جماهيرية، بعد أن رفض الجيش المصري القوي إطلاق النار على الشعب.

كان السلام المنفصل الذي وقعته إسرائيل ومصر في عام 1979 خيانة للقضية الفلسطينية، ويشهد معارضة كبيرة في معظم أنحاء العالم العربي. وقد كان الدعم المصري عنصرا هاما في المساعدة على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت في 1967.

وكان اتفاق أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1993 خيانة جديدة. ليست ما تسمى بالأراضي الفلسطينية أكثر من نسخة للبانتوستانات في جنوب أفريقيا. إنها صورة كاريكاتورية للوطن ولم يتم تحقيق أي من الحاجيات الأساسية للفلسطينيين. وما تزال إسرائيل تمارس سيطرة قوية. ومنذ ذلك الحين سارت الأمور من سيء إلى أسوأ.

والآن بعد سقوط أقوى حليف لإسرائيل في المنطقة شهدت المعادلة كلها تغيرا جذريا. لقد هز أركان الحكومة الإسرائيلية، وهزت الاعتقاد الراسخ بأنه يمكن لاحتلال الأراضي الفلسطينية أن يستمر إلى أجل غير مسمى. وبين عشية وضحاها صارت هباء كل الخطط المعدة بعناية من قبل الإمبريالية.

لم تؤد عقود من الكفاح المسلح وما يسمى بالمفاوضات إلى أي نتيجة. لكن الحركة الثورية تطرح القضية الفلسطينية بشكل مختلف تماما. ليست الطغمة الحاكمة في إسرائيل قلقة على الإطلاق من صواريخ حماس أو الانتحاريين. بل على العكس من ذلك، كل صاروخ يسقط على قرية إسرائيلية يعمل على دفع الرأي العام الإسرائيلي وراء الحكومة. لكن اندلاع انتفاضة فلسطينية، جنبا إلى جنب مع الثورة العربية في مصر والأردن، أمر مختلف تماما.

قد تكون إسرائيل، من الناحية عسكرية، قوة لا تهزم. وفي حال وقوع حرب مع مصر، فإن إسرائيل من المرجح أن تفوز مرة أخرى. لكن هل يمكنها أن تنتصر على جماهير من المتظاهرين في ساحات الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل أيضا، مطالبة بالحقوق السياسية للفلسطينيين؟ هذا هو السؤال الذي يحرم الجنرالات والسياسيين الإسرائيليين من النوم.

لسقوط مبارك آثار خطيرة جدا على إسرائيل. وفي أفضل الأحوال، فإن الإنفاق العسكري الإسرائيلي سيرتفع أكثر، مع تفكير حكامها في خطر نشوب حرب في الجنوب. وهذا سيضع مزيدا من الضغوط على اقتصاد يعيش أصلا في أزمة. وستكون النتيجة تخفيضات جديدة وهجمات على مستويات المعيشة، مما سيضع اشتداد الصراع الطبقي على رأس جدول الأعمال في إسرائيل.

يتصور نتانياهو أن بلاده واحة للاستقرار والديمقراطية لا يمكن أن تتأثر بالثورة. لكن في الأساس، ليست إسرائيل سوى بلد من بلدان الشرق الأوسط التي تهددها الموجة الثورية الآتية من تونس ومصر. هناك تناقضات جديدة داخل إسرائيل. وقد جعلت الزيادة في أسعار الوقود والمياه من إسرائيل واحدة من أكثر البلدان ارتفاعا لتكلفة العيش في العالم. وقد لوحت قيادة الهستدروت (نقابة العمال الإسرائيلية) بفكرة الإضراب الوطني.

سيكون للأحداث الجارية في تونس ومصر عواقب عميقة على الفلسطينيين. لقد تعرض الفلسطينيون للخيانة من قبل جميع من وضعوا ثقتهم فيه، بدءا من الأنظمة العربية المفترض أنها صديقة وانتهاء بزعمائهم. وقد كشفت تسريبات ويكيليكس التواطؤ الفاضح لعباس مع الإسرائيليين والأميركيين. وسيكون لذلك تأثير كبير على نفسية الجماهير الفلسطينية.

لقد خانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية القضية الفلسطينية طيلة أربعين عاما. كان في إمكان منظمة التحرير الفلسطينية أن تحسم السلطة في الأردن عام 1970. لو تم ذلك لكان كل تاريخ المنطقة سيكون مختلفا. لكن القيادة القومية البرجوازية الصغيرة رفضت الهجوم على "الأشقاء العرب". فعبأ العاهل الأردني البدو الذين قاموا (بمساعدة من الجيش الباكستاني) بذبح الآلاف من الفلسطينيين. ومن الحقائق الأكيدة أن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا على يد "الأشقاء" العرب أكثر من عدد الذين قتلوا على يد الإسرائيليين.

نفس هؤلاء البدو الذين اعتدوا على الفلسطينيين سنة 1970 يحتجون الآن ضد الملك. يحذر بعض ضباط الجيش السابقين النظام بأنه إذا لم يقدم التنازلات فإنه سيواجه نفس مصير بن علي ومبارك. وهذا يدل على أن الملكية الأردنية تخسر قاعدتها بشكل سريع ومعلقة بخيط رفيع. وقد انتشرت الحركة من مناطق البدو إلى عمان والفلسطينيين، الذين يشكلون غالبية السكان في الأردن.

لقد حان الوقت لإعادة تقييم تكيتيك وإستراتيجية النضال الفلسطيني. وكشفـ تتسريبات ويكيليكس القادة الفلسطينيين باعتبارهم مجرد عملاء لإسرائيل. والمزاج السائد بين الفلسطينيين هو الغضب والمرارة. كانت هناك عدد من المحاولات لتنظيم تحركات ضد كل من عباس في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة، والتي قوبلت بقمع كثيف. وحتى المظاهرات التضامنية مع الثورتين المصرية والتونسية حُضرت من قبل كل من حماس والسلطة الفلسطينية.

والآن قد تم تشكيل حركة موحدة ضد القيادة الحالية للحركة الفلسطينية، وضد الاحتلال الإسرائيلي ومن أجل وحدة النضال الفلسطيني، والتي اجتذبت تأييد عشرات الآلاف على الفيس بوك ودعت إلى تنظيم المظاهرات والاحتجاجات. بالنسبة للفلسطينيين، كانت الانتفاضة في مصر جزءا من أحلامهم على مدى عقود. وها هو الآن حقيقة واقعة. إن إسقاط الأنظمة العربية الرجعية من قبل الجماهير سوف يوجه ضربة خطيرة للامبريالية الإسرائيلية والأمريكية ويغير الوضع برمته. والآن وللمرة الأولى يمكن للفلسطينيين أن يروا من هم أصدقائهم الحقيقيون الوحيدون: العمال والفلاحون في العالم العربي كله.

وهذا يمثل نقطة تحول جوهرية. لقد رأى الفلسطينيون كيف يمكن النضال ضد المضطهدين، ليس بواسطة القنابل والصواريخ، بل عن طريق العمل الجماهيري الثوري. وسوف يصير المزاج كله مختلفا الآن. وستكون هناك بدايات جديدة بين الشباب، والحركات ضد حماس في غزة، وضد قادة منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية. هناك ضغط متزايد من أجل تحقيق شيء مختلف عما كان قائما حتى الآن. وستكسب فكرة انتفاضة جديدة قاعدة بين الفلسطينيين. وهذا من شأنه أن يغير كل شيء.

من أجل فدرالية اشتراكية!

بعد الحرب العالمية الأولى تم إنشاء ما يسمى بدول الوطن العربي بشكل مصطنع من قبل الامبريالية. لم يكن هذا التقسيم يستند على أي معايير طبيعية أو التاريخية بل استند فقط على مصالح الإمبريالية. قسّم اتفاق سايكس بيكو العراق ولبنان وسوريا والأردن بين بريطانيا وفرنسا. وبسبب وعد بلفور عام 1918، أعطت البريطانية الإذن بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

في الخليج، أنشأت دول صغيرة باحتياطيات ضخمة من النفط حتى يمكن السيطرة عليها بسهولة من قبل الامبريالية، للحصول على الثروات. كانت الأسرة المالكة في السعودية تتألف من قطاع طرق بالصحراء، حُملوا إلى السلطة من قبل العميل البريطاني ويلسون كوكس. لقد قسمت الإمبريالية جسد الأمة العربية العظيمة.

لا يمكن للثورة العربية أن تنجح حتى تضع حدا للبلقنة المخزية التي يعرفها العالم العربي. والطريقة الوحيدة لكسر السلاسل التي صنعتها الإمبريالية هي أن نضع على رايتنا شعار من أجل فدرالية اشتراكية للعالم العربي. وهذا من شأنه خلق رابطة اشتراكية عظيمة لشعوب المنطقة، تمتد من المحيط الأطلسي إلى الفرات.

على أساس الاقتصاد المؤمم المخطط، سيتم القضاء فورا على البطالة. وسيتم تعبئة خزان عظيم من قوة العمل الغير مستخدمة في حل مشاكل الإسكان والصحة والتعليم والبنية التحتية. عن طريق تجميع الموارد الضخمة لجميع هذه البلدان على أساس خطة مشتركة للإنتاج، يمكن تحويل الصحاري إلى جنان وإحداث ثورة ثقافية جديدة من شأنها أن تجعل من كل ما تحقق لحد الآن يبدو مجرد شيء بسيط.

ستضمن الفدرالية الاشتراكية الحق في الحكم الذاتي الكامل لجميع الشعوب، وهو السبيل الوحيد لحل النزاعات القومية والدينية التي سممت حياة شعوب المنطقة طيلة عقود، وتسببت في اندلاع الحروب المتواصلة. المسلمون والأقباط والسنة والشيعة والفلسطينيون واليهود والعرب والأمازيغ، والموارنة، والأكراد والتركمان والأرمن والدروز، جميعهم سيجدون لأنفسهم مكانا في ظل فدرالية مبنية على أساس مبدأ المساواة المطلقة.

مطالب التيار الماركسي الأممي:

  • الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وجميع القوميات المضطهدة في تقرير المصير!

  • فلتسقط الاعتداءات الامبريالية والإسرائيلية! من أجل إنهاء احتلال العراق وأفغانستان وفلسطين!

  • إسقاط المتعاونين مع الإمبريالية! الإطاحة الثورية بكافة العملاء العرب للإمبريالية!

  • مصادرة أملاك الامبرياليين وعملائهم العرب! يجب أن تعاد ثروات الأراضي العربية إلى الشعب!

  • من أجل الوحدة الوطنية الثورية للشعوب! من أجل الفدرالية الاشتراكية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على أساس الاتحاد الحر، المتساوي والأخوي، مع حكم ذاتي كامل لجميع القوميات!

القفزات في الوعي

إن الثورة المصرية هي الجواب النهائي على جميع أولئك المشككين والمفكرين المتحذلقين الذين طالما رددوا الكلام حول "المستوى المتدني للوعي" المزعوم للجماهير. يجب الآن على أولئك "الخبراء" الغربيين الذين كانوا يتحدثون بازدراء عن المصريين باعتبارهم "غير مبالين" و"سلبيين" و"غير مهتمين بالسياسة" أن يبتلعوا كلماتهم.

نفهم نحن الماركسيون أن الوعي البشري عموما ليس تقدميا أو ثوريا بل محافظة للغاية. مقاومة التغيير متجذرة بعمق في العقل البشري كجزء من آلية غريزة البقاء التي تجد جذورها في الماضي البعيد لجنسنا. وبالتالي فإن الوعي، كقاعدة عامة، يكون متخلفا عن الأحداث. إنه لا يتغير تدريجيا، بحيث يكون اليوم أكثر ثورية من أمس، ويصير غدا أكثر ثورية من اليوم، أي مثلما يحدث مع الماء الذي يتم تبريده من 100 درجة حتى 0 درجة، ليصير صلبا في نهاية المطاف.

وجهة النظر هذه عن الوعي ميتافيزيقية وميكانيكية، وليست مادية وجدلية. يعلمنا الديالكتيك أن الأشياء تتغير إلى نقيضها، وأن التغييرات الصغيرة، الغير محسوسة على ما يبدو يمكنها عند نقطة معينة، تسمى في علم الفيزياء بالنقطة الحرجة، أن تنتج تحولات متفجرة على نطاق هائل. إن التغيير في الوعي يحدث فجأة، عندما يجبر على ذلك بفعل أحداث كبيرة. وعندما يحدث هذا، يصير الوعي بسرعة متماشيا مع الواقع. إن هذه القفزة في الوعي هي بالضبط ما تحتاجه الثورة.

إن الجماهير، سواء في مصر، أو إيران، أو بريطانيا أو الولايات المتحدة، لا تتعلم من الكتب بل من التجربة. إنها تتعلم في الثورة أسرع بكثير مما يكون عليه الحال في الظروف الأخرى. وقد تعلّم العمال والشباب المصرين في بضعة أيام من النضال أكثر مما تعلموه خلال ثلاثين عاما من حياتهم "الطبيعية". ففي الشوارع طورت الجماهير إحساسا بقوتها. تخلصت من الخوف من قوات مكافحة الشغب المدعومة بمدافع المياه والآلاف من البلطجية، الذين تمكنت من صدهم وهزمهم.

في خضم الثورة تتسرع عملية التعلم بشكل كبير. ونحن نرى بالضبط نفس السيرورة في مصر وفي تونس. فهنا مختبر واسع حيث توضع مختلف المطالب الصادرة عن مختلف المنظمين على المحك. وفي الشوارع الجماهير هي التي تقرر ما هي الشعارات المناسبة وما هي التي ليست كذلك. وسوف نرى نفس السيرورة تتكرر مرارا وتكرارا، وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل في كل مكان.

من القاهرة إلى ماديسون

سنة 1917 استغرق الأمر نحو أسبوع لكي تصل أخبار الثورة الروسية إلى الهند. أما اليوم فيمكن للجميع أن يرى الثورة على الهواء مباشرة على شاشات التلفزيون. للأحداث الجارية في الشرق الأوسط تأثير هائل في جميع أنحاء العالم. ففي الهند، نظمت النقابات وأحزاب اليسار مؤخرا، لأول مرة منذ 32 عاما، إضرابا عاما من اجل رفع الأجور وضد ارتفاع الأسعار. ونظمت مسيرة لـ 200.000 متظاهر في شوارع نيودلهي، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية. على الرغم من أن الهند تنمو بمعدل سنوي قدره تسعة في المائة، فإن هذا يزيد التفاوت الطبقي بتركيز الثروة في الأعلى.

بدأ النظام الرأسمالي في تونس ومصر يتحطم في أضعف حلقاته. وسوف يخبرنا البرجوازيون أن مثل هذه الأمور لا يمكنها أن تحدث في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وأن الوضع مختلف، وهلم جرا. نعم، إن الوضع مختلف، لكن فقط بدرجة معينة. ففي كل مكان سوف تواجه الطبقة العاملة والشباب الخيار نفسه: إما أن نقبل بالتدمير المنهجي لظروف عيشنا وحقوقنا، أو نقاتل.

الزعم بأن "ذلك لا يمكنه أن يحدث هنا" هو ادعاء بدون أي أساس علمي أو منطقي. ونفس الشيء قيل عن تونس قبل بضعة أشهر مضت، عندما كان هذا البلد يعتبر الأكثر استقرارا في شمال إفريقيا. وتكرر نفس الادعاء بخصوص مصر حتى بعد الإطاحة ببن علي. وقد كانت بضعة أسابيع كافية لفضح فراغ تلك الكلمات. هذه هي سرعة الأحداث في عصرنا. وستطرح نفس المسألة عاجلا أو آجلا في كل بلد من بلدان أوروبا، واليابان، وكندا، وأيضا في الولايات المتحدة.

معدلات التضخم في ارتفاع. أسعار المواد الغذائية في ارتفاع. وسيكون لذلك آثار جدية في كل مكان، ولا سيما في البلدان الفقيرة. وفقا للبنك العالمي، سينضاف 44 مليون شخص إلى قائمة الفقر المدقع في الفترة المقبلة، مما يرفع رقم الفقراء إلى أكثر من مليار في جميع أنحاء العالم. ملايين الناس يكافحون من أجل الغذاء والشغل والمأوى، أي من أجل أكثر الشروط أساسية، من أجل وجود شبه متحضر. يجب أن تكون هذه الشروط متاحة للجميع في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن النظام الرأسمالي المفلس لم يعد قادرا على ضمان هذه الأشياء حتى في أوروبا وأمريكا الشمالية. وهذا هو السبب في اندلاع الانتفاضات. إنها مسألة حياة أو موت.

ليست الأزمة الحالية أزمة دورية عادية للرأسمالية. والانتعاش بدوره ليست عاديا. والرأسماليون يحاولون اعتصار العمال أكثر من أي وقت مضى في محاولة لاستعادة التوازن الاقتصادي: لتسديد ديونهم، وخفض تكلفة العمالة، وما إلى ذلك. لكن من خلال قيامهم بذلك يعملون على زعزعة استقرار الوضع برمته. وهذا ما يفسر جزئيا كلا من الثورة العربية وتصاعد النضال الطبقي في أوروبا.

لقد تأثرت كل بلدان العالم. وليس من قبيل الصدفة أن الصين أضافت صوتها إلى الجوقة التي تدعو للعودة إلى "النظام" في مصر. والسبب في جزء منه مصلحة اقتصادية. فالنظام الصيني مهتم بالاستقرار الاقتصادي العالمي لأنه يريد أن يستمر في كسب الكثير من المال من الصادرات. لكن وقبل كل شيء، تخاف بكين من أي شيء يمكنه أن يوفر حافزا للإضرابات والاحتجاجات في الصين نفسها. وقد هاجمت كل مظاهر الاحتجاج ومنعت أي إشارة إلى مصر على شبكة الانترنت.

وعلى النقيض من ذلك، فإن كل عامل واع طبقيا في العالم سيفرح بالحركة الرائعة للعمال والشباب في تونس ومصر. لا يمكن الاستهانة بالآثار النفسية لهذا. بالنسبة للكثيرين، وخصوصا في البلدان الرأسمالية المتقدمة، كانت فكرة الثورة تبدو شيئا مجردا وبعيدا. والآن كشفت لهم الأحداث التي تجري أمام أعينهم على شاشات التلفزيون أن الثورة ليست ممكنة فحسب بل ضرورية.

في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية هناك كراهية عارمة ضد المصرفيين والقطط السمان الذين يمنحون أنفسهم مكافآت مجزية بينما تعاني بقية المجتمع من هجمات مستمرة على مستويات معيشتهم. وينعكس هذا الواقع بشكل لافت للنظر في الأحداث المأساوية في ويسكونسن. ليس من قبيل المصادفة أن العمال في ماديسون بولاية ويسكونسن رددوا شعارات مثل "ناضل مثل مصري". هذا هو تأثير السياسات المشؤومة التي يجري فرضها على الطبقة العاملة خلال الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة.

استيقظ العالم فجأة على انفجار الصراع الطبقي في ويسكونسن، مع خروج 100.000 متظاهر إلى الشوارع. يمكننا أن نرى صورا لعمال يحملون لافتات تدعو الحاكم بحسني ووكر ويهتفون: "الحاكم ويسكونسن الدكتاتور ينبغي أن يرحل". بل إن العمال المصريين بعثوا رسائل التضامن إلى عمال ويسكونسن. كانت هناك إضرابات للطلبة، واعتصامات بمبنى الكابيتول ومسيرات عفوية. وقوات الشرطة الذين أرسلوا لتفريق المتظاهرين التحقوا بالشعب، وانضموا إلى الاعتصام وهم يرتدون سترات تحمل شعارات من قبيل "رجال الشرطة لصالح العمال". إن هذا تطور مهم للغاية.

في أوروبا شهدنا تحركات كبيرة للعمال والشباب: ثمانية إضرابات عامة في اليونان خلال الاثني عشر شهرا الماضية؛ وحركة إضرابات ضخمة في فرنسا، دفعت بثلاثة ملايين ونصف المليون عامل للخروج إلى الشوارع، وحركة الطلاب البريطانيين؛ وإضراب عام في اسبانيا؛ وفي إيطاليا اندلاع حركة عمال المعادن ومؤخرا شهدت البرتغال اكبر إضراب عام منذ سقوط النظام الدكتاتوري سنة 1974. حتى في هولندا تظاهر 15.000 طالب في لاهاي. وفي أوروبا الشرقية كذلك شهدنا تحركات كبيرة في ألبانيا ورومانيا. في بلغاريا، حتى قوات الشرطة نظموا إضرابا.

قبل عشرين عاما شعرت البرجوازية بسعادة غامرة بالإطاحة بـ "الشيوعية". لكن ابتهاجها كان سابقا لأوانه. وسوف ينظر في وقت لاحق لسقوط الستالينية كمقدمة فقط لتطور أكثر ملحمية: أي الإطاحة الثورية بالرأسمالية. في كل مكان، بما في ذلك الولايات المتحدة، النظام في أزمة. وفي كل مكان تحاول الطبقة الحاكمة وضع العبء الكامل لأزمة نظامها على أكتاف أفقر طبقات المجتمع.

لدا هذه الحركات عدة أوجه تشابه بالحركات الجماهيرية التي أدت إلى الإطاحة بالأنظمة الأوروبية الشرقية. كان لتلك الحكومات، من الناحية النظرية، أجهزة دولة قوية، وجيوش ضخمة، وشرطة، وبوليس سري. لكن كل هذا لم ينقذها. كما أن كل أموال وبوليس وجيوش العالم لن تحفظ حكام أوروبا والولايات المتحدة عندما سيتحرك العمال لتغيير المجتمع.

لقد أظهرت الجماهير مرارا وتكرارا عزمها واستعدادها للنضال. ومن أجل تحقيق النصر تحتاج لأن تكون مسلحة ببرنامج واضح وإلى القيادة. إن الأفكار الماركسية هي الوحيدة التي يمكن أن توفر ذلك البرنامج وتلك القيادة. المستقبل لنا.

  • عاشت الثورة العربية!

  • يا عمال العالم اتحدوا!

  • عاشت الاشتراكية، الأمل الوحيد لمستقبل البشرية!

  • ثورة حتى النصر!

لندن 14 مارس 2011

الجزء الثاني»

Translation: Marxy.com