المغرب: احتجاجات تلاميذية ضد توقيت دراسي غير مناسب يعيد توهج الحركة التلاميذية

خلال الأيام القليلة الماضية عمت ربوع المغرب موجة رائعة من المظاهرات التلاميذية احتجاجا على قرار الحكومة الاستمرار في العمل بالساعة الصيفية، بما يعنيه ذلك من خلق صعوبات للتلميذات والتلاميذ بخصوص ظروف الدراسة. فقد خرج عشرات آلاف التلميذات والتلاميذ في جميع المدن، بل وحتى بعض البلدات، بشعارات قوية ضد القرار الأخير ثم سرعان ما امتدت إلى التنديد بمختلف سياسات الحكومة الأخرى.

[Source]

ماذا سيقول الآن هؤلاء الخونة المنبطحون الذين أرهقتهم الهزائم المؤقتة فقرروا أن هذا الشعب قد انتهى وأنه لا أمل منه وخاصة من شبابه، بعد أن خرج هؤلاء الشباب الرائعون مجددا إلى الكفاح؟! لا بد أنهم سيتحدثون الآن عن "غياب الوعي" و"غياب التنظيم" و"محدودية الأفق" و"حتمية الهزيمة" وما إلى ذلك من المزاعم التي يحاولون من خلالها أن يبرروا خيانتهم ويحققوا التوازن المعنوي لأرواحهم المتحللة.

ها قد خرج نفس هؤلاء الشباب الذين اتهمهم الأدعياء باللامبالاة والخوف وغياب الروح الكفاحية، إلخ، إلى الشوارع فطهروها مجددا متحدّين واحدا من أكثر الأجهزة القمعية همجية في العالم بأسره. وأكثر ما يثير الإعجاب في هذه الموجة الجديدة من النضالات هي المشاركة الواسعة للعنصر النسوي حيث كانت التلميذات في طليعة الاحتجاجات، مما يجعلنا نردد مجددا: أي شعب كان ليكون هذا الشعب لو كان كله مكونا من النساء!

كما تميزت هذه المظاهرات منذ بدايتها بتنظيم محكم فلا تكسير ولا فوضى ولا أي شيء من تلك الاتهامات التي كثيرا ما يستعملها النظام القائم وأبواقه لتبرير القمع وتخويف بعض فئات الشعب من الانخراط في النضالات الجماهيرية. كما تميزت بشعارات قوية سرعان ما انتقلت من مطلب "إلغاء القرار الحكومي" إلى شعارات تندد بالفساد وغياب الخدمات ومختلف سياسات النظام وخاصة الهجمات ضد المدرسة العمومية. فليذهب إلى الجحيم إذن هؤلاء الذين يتهمون هذه الحركة بأنها غير واعية ليبرروا موقفهم المتخاذل!

جاء قرار فرض الساعة الصيفية بهذه الطريقة التي تدل على غطرسة الحاكمين نتيجة الوهم الذي ترسخ عندهم بأن الأحكام التي أصدروها بقرون من السجن على مناضلي حراك الريف وجرادة، إضافة إلى القمع الهمجي ضد كل التحركات العمالية والشبابية خلال السنوات الأخيرة، قد قضت على كل براعم الاحتجاج، وبالتالي فإن الظروف قد صارت ملائمة لكي يقودوا الشعب بالأوامر والعصى كما تقاد الماشية.

تؤكد الماركسية أن كل طبقة لديها الممثلين الذين تستحقهم، والذين يعكسون صورتها ونفسيتها وأخلاقها وعقليتها... والطبقة الرأسمالية السائدة في المغرب بدورها لديها بالضبط الممثلين الذين تستحقهم: ممثلين، على نفس شاكلتها، فاسدون، طفيليون، متغطرسون، أغبياء، ضيقوا الأفق، سرعان ما خدعتهم مظاهر "الهدوء" و"اللامبالاة" السائدة بين الشباب والطبقة العاملة، فظنوا أنه بإمكانهم أن يطبقوا كل السياسات التي يريدونها.

لكن الواقع شيء آخر. فكل ألوان الاستغلال والقمع وكل المظالم وكل السياسات الإجرامية التي تفرضها الحكومات المتتالية على الجماهير تراكم غضبا عارما تحت السطح، ينتظر الفرصة لكي ينفجر. قد تكون تلك الفرصة تضامنا مع شاب أحرق نفسه احتجاجا على اعتداء البوليس عليه، كما حدث في تونس، أو تضامنا مع شاب طحنه البوليس في حاوية نفايات كما حدث مع الشهيد محسن فكري في الحسيمة، أو تعاطفا مع عامل مات نتيجة انهيار منجم عشوائي فوق رأسه بينما كان يحاول انتزاع لقمة خبز مرة من الصخر الأسود، كما حدث في جرادة، الخ.

كما أن تلك الفرصة قد تكون احتجاجا ضد قرار زيادة أو نقص في التوقيت الرسمي، كما يحدث الآن، وهذا ما يفسر الاحتجاجات الأخيرة للشباب التلاميذي التي يشهدها المغرب. كان كل الغضب من سياسات التقشف وانسداد الآفاق والتفقير وفضائح الفساد السياسي والمالي والأخلاقي التي يتورط فيها الحاكمون دون محاسبة، ومن إحباط لآمال في تحقيق الوعود التي طالما أغدقها النظام بالإصلاحات وتحسين الأوضاع وما إلى ذلك، يتراكم تحت السطح ويبحث عن نقطة تجميع يتحلق حولها، فجاء هذا القرار الأخير فشكّـل النقطة التي أفاضت الكأس.

لذلك فإن هذه التحركات، وبغض النظر عن السبب المباشر الذي أدى إليها ونتائجها، دليل على عظم الإمكانيات الكفاحية المختزنة في الوضع برمته. إلا أن أهم شيء فيها هو أنها بشير بما سيشهده الصراع الطبقي مستقبلا، من نهوض ليس شبابي فقط، بل وعمالي وشعبي عموما أيضا.

لقد سبق لتروتسكي أن شبه التحركات الشبابية، للتلاميذ والطلاب، بتحرك أوراق الأشجار عند بداية هبوب الرياح الأولى المنبئة بالعاصفة القادمة والتي ستحرك في النهاية الأغصان ثم الجدع نفسه، أي الطبقة العاملة الصناعية. وهذا ما أكده تاريخ الصراع الطبقي في بلدان عديدة وفي المغرب كذلك. فلنعد إلى حراك الشباب التلاميذي خلال ستينيات القرن العشرين، في المغرب وفرنسا، وغيرها من البلدان، وكيف أنها كانت استباقا لتحركات عمالية ثورية، كان بمقدورها أن تكنس الأنظمة القائمة بسهولة لو توفرت لها القيادة الثورية. نفس الشيء شهده الصراع الطبقي في السبعينيات والثمانينيات، الخ... وهذا بالضبط ما سنشهده في المستقبل بشكل حتمي. نقول بشكل حتمي لأن الرأسمالية تعيش محليا وعالميا أزمة خانقة وليس لها ما تقدمه للطبقة العاملة والشباب سوى الاستغلال والتفقير والتقشف، لكن صبر الطبقة العاملة وعموم الكادحين له حدود لا يمكنه أن يتجاوزها، عندها سينهضون حتما إلى النضال، ورغم الهزائم المؤقتة سيعودون للنضال مجددا، ثم سينهضون مجددا مرة بعد أخرى، كل مرة أكثر وعيا من المرة التي سبقت وأكثر تصميما على النصر.

سبق لنا أن أكدنا، بعد تراجع حراك 20 فبراير، أن مكتسبات الحراك السياسية والتنظيمية لن تختفي بشكل كلي، بل إنها ستعود إلى الظهور مجددا، مرة بعد أخرى، بأشكال مختلفة. وهذا ما تأكد في حراك الريف وزاكورة وجرادة... وها هو يتأكد مرة أخرى في الحراك التلاميذي الأخير، شعارات: "الشعب يريد" و"كرامة حرية عدالة اجتماعية" وغيرها من الشعارات عادت مجددا إلى الشوارع بحناجر فئات جديدة من الشباب أغلبهم لم يشارك في حراك 20 فبراير ولم يعش هزيمته، وبالتالي متخلص من الاحباطات والأوهام وكلهم حماس وحيوية وكفاحية.

لقد لاقى خروج هؤلاء الشباب تعاطف كل القوى الحية في المجتمع من عمال وكادحين ومثقفين ثوريين، بينما استقبل بالرعب من جانب الدولة التي وقفت مشلولة أمامهم. لم يجرؤ جهاز الدولة على استعمال العصى والاعتقالات ضد المتظاهرين، وذلك ليس بسبب مشاعر ديمقراطية أصابته فجأة، فهو نفسه ذلك النظام الذي قتل واعتقل وحكم بقرون من السجن ظلما وعدوانا على متظاهرين سلميين ما زال العديد منهم لحد الساعة وراء قضبان سجونه، وبالتالي لا يمكن تفسير ردة فعله هذه بأنها "تسامح" أو "تساهل"، إن الاسم الوحيد لردة فعله هو الرعب.

لقد خاف من استفزاز حركة أعمق وأضخم يشارك فيها العمال وعموم الكادحين، أي التحاق أمهات وآباء وأخوات وإخوة هؤلاء المتظاهرات والمتظاهرين بالاحتجاجات. طبعا هو لا يتورع عن استعمال القمع ضد الجميع في حالة نهوضهم، لكنه يخشى من احتمال عدم قدرته على قمع تلك الحركة الواسعة في حالة اندلاعها.

والآن بعد أيام قليلة على اندلاع الحركة صارت النتيجة واضحة وجلية للجميع: لقد حققت الانتصار، إذ سرعان ما أصدرت وزارة التعليم ومختلف الأكاديميات بلاغات تعبر فيها عن "تفهمها لانشغالات التلاميذ وآبائهم وأمهاتهم" وتؤكد التراجع عن فرض ذلك التوقيت الذي قررته في البداية، الخ.

وبالتالي قد تتراجع الحركة، بل قد تتوقف نهائيا، وهذا طبيعي فالحركة الجماهيرية لا يمكنها أن تبقى في حالة غليان دائم بدون مطالب واضحة ولا قيادة واعية، وهذا ما يعجز العصبويون والخونة عن فهمه. لكن المهم هو أن هذا التراجع ليس بسبب هزيمة الحراك، بل بعد تحقيقه للانتصار وفرضه للمطلب المباشر الذي خرج من أجله. وهذا ما ستكون له آثار ايجابية على مزاج هؤلاء الشباب ومعنوياتهم ووعيهم.

إن الأكيد، كما سبق لنا أن شرحنا أعلاه، هو أن هذه الحركة ليست سوى استباق لما سيشهده الصراع الطبقي مستقبلا. إنها حركات تسخينية لهؤلاء الشباب تحضيرا لمعارك مستقبلية أشمل وأعمق وبمطالب أكثر جذرية، كما أنها استباق للتحركات العمالية والجماهيرية التي يحبل الوضع كله بشروطها الموضوعية. ومثلما تبشر الفراشات الجميلة بمقدم الربيع، يبشرنا هؤلاء الشابات والشباب الرائعون الذين خرجوا للنضال اليوم بنهوض نضالي عظيم. هذا هو المنظور الذي علينا أن نبني على أساسه. ومن بين أفضل العناصر من هؤلاء الشباب والشابات، المتخلصين من الأوهام والذين لم يعيشوا هزائم الماضي ولا إحباطاته، علينا أن نبني القيادة الثورية التي ستقود الطبقة العمالة وعموم الكادحين للقضاء على النظام الرأسمالي، سبب الدكتاتورية ومصدر كل البؤس وكل الفقر وكل الاضطهاد الذي يعانيه الشباب وعموم الشعب الكادح.