البلشفية طريق الثورة الفصل الرابع: النهوض المسألة القومية

يظهر موقف البلاشفة من المطالب الديمقراطية في موقفهم من المسألة القومية. فبدون موقف واضح ومبدئي بشأن المسألة القومية، لم يكن بإمكانهم أبدا أن يقودوا الطبقة العاملة إلى الاستيلاء على السلطة. كانت المسألة القومية ذات أهمية حاسمة بالنسبة لروسيا، حيث كان 57% من السكان يتألفون من أقليات غير روسية كانت تعاني من الاضطهاد والتمييز على أيدي 43% من الروس. أدت الردة الرجعية خلال فترة 1907- 1910 إلى احتداد التناقضات القومية إلى درجة لا تحتمل. كما أجهزت الردة الرجعية المتصاعدة على كل المكاسب التي كانت القوميات المضطهدة قد حققتها خلال الفترة السابقة، إذ تم إلغاء الحكم الذاتي في فنلندا، وتم حرمان الملايين من حق التصويت بسبب "جنسيتهم".

[Source]

ومرة أخرى كشفت نزعة معاداة السامية عن وجهها القبيح في قضية بيليز السيئة الذكر في كييف، عندما اتهم المائة السود اليهود باغتيال طقوسي لطفل مسيحي. كان النظام يستغل الأحكام المسبقة العنصرية لتقسيم الشعب واستعباده. قامت الصحف اليمينية بنشر مقالات مثيرة تدعي أن القتل الطقوسي للأطفال المسيحيين من طرف اليهود يشكل جزءا من العقيدة اليهودية. كانت القضية مخيفة لدرجة أن موجة من السخط اجتاحت المجتمع الروسي. عبّر الرأي العام الليبرالي عن غضبه الأخلاقي. لكن الحقيقة هي أن أصل هذه السموم العنصرية هو النظام نفسه والنظام الاجتماعي الذي يستند إليه. ليس من قبيل المصادفة أن مشاعر معاداة السامية كانت منتشرة في بلاط نيكولا الذي كان بدوره يتبناها هو ومحيطه وكانوا يشجعونها بشكل ممنهج.

كانت الطريقة الوحيدة لمحاربة العنصرية هي توحيد العمال في النضال ضد كل أشكال الظلم والتمييز، كجزء من النضال الثوري العام لتغيير المجتمع. إلا أن هذا لا يمنع قيام الحركة العمالية باتخاذ إجراءات عملية ضد الفاشيين والعنصريين الذين يهاجمون أبناء الأقليات المضطهدة، بل يفترضه مسبقا. من الضروري أن يتم الدفاع عن الأقلية المضطهدة من قبل الطبقة العاملة المتحدة ككل، دون تمييز بسبب العرق أو اللغة أو اللون. في وقت محاكمة بيليز، نظم الاشتراكيون الديمقراطيون حملة احتجاج ضد المعادين للسامية. وفي شتنبر وأكتوبر أصدر البلاشفة سلسلة من المنشورات، كتبوا في إحداها:

«أيها الرفاق: نحن العمال لا نحتاج إلى استعباد أمة من طرف أخرى. إن العمال الفنلنديين والبولنديين واليهود والألمان والأرمن جميعهم إخوة لنا. يجب علينا ألا نحاربهم، بل علينا أن نحارب ضد الأوتوقراطية والرأسمالية».[1]

دعت المنشورات إلى تنظيم إضرابات احتجاجية، اندلعت بالفعل في بيترسبورغ وكييف وريفل وغوميل وبيلوستوك وبريست- ليتوفسك، ومناطق أخرى. أي بعبارة أخرى رد الحزب على السموم العنصرية بإطلاق نداء طبقي.

رد عمال روسيا وأوكرانيا بإضرابات للدفاع عن الشعب اليهودي المضطهَد. وأخيرا، وتحت ضغط الحركة الاحتجاجية الجماهيرية، أُعلن أن بيليز بريء. إن مكافحة العنصرية تتم بالضبط بتعزيز وحدة جميع العمال في خضم النضال، فوق جميع اختلافات الجنس أو العرق أو الدين أو اللون أو اللغة. وفي المقابل فإن التيارات القومية البرجوازية الصغيرة، التي تؤكد على الاختلافات القومية، إنما تخدم مصالح العنصريين. وهكذا فإنه في ظل روسيا القيصرية، كانت النزعة الانفصالية للبوند ضارة للغاية. لقد اتبعوا سياسة ترقى إلى تقسيم العمال على أساس قومي، من خلال مطالبتهم بالحق الحصري في تمثيل اليهود، وبمطالب الراحة يوم السبت لليهود وحقوق اللغة اليهودية ومطالب أخرى تتعلق بـ "الاستقلال الذاتي الثقافي القومي".

كثيراً ما كان أبناء القوميات المضطهَدة (العمال الأستونيون والفلاحون الأوكرانيون، وغيرهم) يطلبون الدعم من الفريق الاشتراكي الديمقراطي في الدوما. كان الحزب البلشفي نفسه نموذجا لكيفية توحيد العمال من قوميات مختلفة في منظمات طبقية واحدة، حتى في الأماكن التي كانت تعرف تاريخا من الصراع العرقي، كما كان الحال في روسيا القيصرية، حيث لم يكن النظام يكتفي بتحريض الروس والأوكرانيين ضد اليهود فقط، بل كان أيضا يحرض الأذربيجانيين والجورجيين ضد الأرمن. إن المذابح التي ارتكبت ضد الأرمن في باكو هي الآن أقل شهرة من المذابح ضد اليهود، لكنها كانت مرعبة مثلها. ومع ذلك ففي المنظمات البلشفية كان العمال الروس والأوكرانيون واليهود واللاتيفيون والأرمن يعملون معاً. كان لينين يعارض دوما شق صفوف الطبقة العاملة ومنظماتها، كتب قائلا:

«في منظمتنا الاشتراكية الديمقراطية القوقازية، كان الجورجيون والأرمن والتتار والروس يعملون معا في منظمات ديمقراطية موحدة لأكثر من عشر سنوات. هذا ليس مجرد كلام، بل هو الحل البروليتاري للمسألة القومية. إنه الحل الوحيد. نفس الشيء في ريغا، فهناك روسيون ولاتيفيون وليتوانيون؛ الوحيدون الذين ينظمون أنفسهم بشكل مستقل هم الانفصاليون، أي البوند. هذا هو الحال أيضا في فيلنا».[2]

يعتبر هذا ردا ساحقا على جميع محاولات تقسيم منظمات العمال على أسس قومية.

كانت الشوفينية الروسية تشكل دائما واحدة من أقوى أسلحة الردة الرجعية. وفيما يتعلق بالمسألة القومية، لم يكتف لينين بالتنديد فقط برجعية المائة السود الواضحة، بل أيضا ندد بالبرجوازية الليبرالية كذلك. كتب قائلا:

«إن البرجوازية الليبرالية من كل الأمم -والبورجوازية الروسية على وجه الخصوص- تحارب من أجل امتيازات "أمتها"... من أجل خصوصيتها القومية، من أجل تفردها القومي، وهي بذلك تدعم سياسة وزارة الداخلية عندنا».[3]

ومرة أخرى قال:

«إن النزعة القومية البرجوازية والنزعة الأممية البروليتارية متعارضتان بشكل مطلق، إنهما ينتميان إلى معسكرين طبقيين كبيرين يقسمان كل العالم الرأسمالي ويعبران عن سياستين (بل رؤيتين عالميتين) بشأن المسألة القومية».[4]

كان أي ارتباك بشأن المسألة القومية سيشكل كارثة للثورة الروسية. وهذا هو السبب الذي جعلها تحتل مكانا مركزيا في جميع المناقشات منذ عام 1903 فصاعدا. كانت هناك مشاكل خطيرة ليس فقط مع القوميين اليهود في البوند، بل أيضا مع الاشتراكيين الديمقراطيين البولنديين والليتوانيين الذين كانوا متأثرين بأفكار روزا لوكسمبورغ التي أنكرت حق الشعوب في تقرير مصيرها. كانت روزا لوكسمبورغ بلا شك مدافعة حازمة عن الأممية. وكانت محقة في مقاومتها العنيدة للتحيز القومي البورجوازي الصغير عند الحزب الاشتراكي البولندي. لكن فكرتها عن الأممية كانت مجردة وأحادية الجانب. لقد أنكرت في الواقع حق الشعب البولندي في تقرير المصير. لو قبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي هذا الموقف، كما طالبت هي، لكان ذلك كارثة كاملة وهدية للقوميين البولنديين. لقد كانت الاختلافات شديدة إلى درجة أنها أدت إلى انقسام الحزب الاشتراكي الديمقراطي البولندي، حيث قامت مجموعة معارضة، كانت متعاطفة مع موقف لينين، بقيادة ج. س. هانيكي وأ. م. مالكي، بالانشقاق. كان موقف لينين أكثر عمقًا وجدلية. وفي السنوات التي سبقت مباشرة الحرب العالمية الأولى واثناءها، كتب عددا كبيرا من المقالات والوثائق حول المسألة القومية، التي ما زالت تحتفظ حتى يومنا هذا بكل حيويتها وأهميتها. وكما كان معروفا عنه، ناقش لينين أفكاره حول هذا الموضوع مع الكوادر الشابة للحزب وشجعهم على الكتابة عنها، وكانت النتيجة، من بين أمور أخرى، كتيب شوميان حول الاستقلال الذاتي الثقافي القومي ومقالة ستالين في بروسفيشينيي، تحت عنوان: المسألة القومية والاشتراكية الديمقراطية، والتي كانت، في الواقع، مقالة أملاها عليه لينين.

هوامش:

1: Istoriya KPSS, vol. 2, 431.

2: Lenin, Collected Works, in Russian, vol. 48, p.162.

3: Ibid., vol. 25, 71.

4: Ibid., vol. 24, 123.

عنوان النص بالإنجليزية: