البلشفية طريق الثورة الفصل الرابع: النهوض "الجماهير صارت ناضجة الآن"

في تلك الأثناء كانت الأحداث تتحرك بسرعة. كان الصراع الطبقي يسير بخطى متسارعة. خلال عام 1913، شارك حوالي مليون عامل في الإضرابات في عموم روسيا ؛ أكثر من نصف مليون شخص من هؤلاء شاركوا في إضرابات سياسية. وبحلول صيف 1913 غرقت روسيا في خضم أزمة سياسية. خلال اجتماع للحزب في غاليسيا البولندية (التي كانت آنذاك تحت الحكم النمساوي)، تم وضع منظور لاقتراب ثورة جديدة. «إن اندلاع ثورة جديدة صار على رأس جدول الحياة السياسية للبلاد»[1]. وفي سياق التجذر العام آنذاك شهد تأثير المناشفة تراجعا حادا. أصبح البلاشفة بسرعة القوة المسيطرة بين صفوف الطبقة العاملة المنظمة في روسيا. قال باداييف: «لقد تمت تقوية عمل الحزب وتوسيعه، وتم تشكيل مجموعات جديدة وأصبحت المجموعات القديمة أكبر وأكثر فاعلية»[2]. بالنظر إلى الطريقة التي كان يتم بها حساب عضوية الحزب حينها، يصعب القول كم كان عدد الأعضاء البلاشفة آنذاك. حتى لينين نفسه لم يكن يعلم، كما يظهر من المقتطف التالي المكتوب في شتنبر 1913:

[Source]

«كان الحزب في عام 1907 يضم 150.000 عضو (وفقا لتقدير وافق عليه مؤتمر لندن). لكن لا يمكن تحديد عددهم في الوقت الحالي... ربما أقل من ذلك بكثير، ما بين 30.000 و50.000. من المستحيل أن أكون دقيقا... إن الحزب هو الفئة الواعية والطليعية بين صفوف الطبقة العاملة، وحارسها المتقدم. وبالتالي فإن قوة هذه الطليعة هي أكبر بعشر مرات أو مائة مرة من قوتها العددية. هل يمكن أن تكون قوة المئات أكبر من قوة الآلاف؟ نعم يمكن أن تكون أكبر، عندما يكون هؤلاء المائة منظمين. إن التنظيم يزيد قوتك عشرة أضعاف».[3]

صار من الملح آنذاك أن يتم حل جميع المسائل الخلافية في أسرع وقت ممكن. تم عقد كونفرانس جديد، هذه المرة في بورونينو، وهي قرية ليست بعيدة عن كراكوف، حيث كان يقيم لينين وعدد من أعضاء اللجنة المركزية. ومن أجل تضليل الشرطة، كانوا يطلقون على كونفرانس بورونينو اسم كونفرانس غشت، على الرغم من أنه انعقد بالفعل في نهاية شتنبر 1913. كان هناك ما بين 25 إلى 30 مندوبا عن أكبر منظمات الحزب. وبالإضافة إلى لينين وزينوفييف وكروبسكايا، الذين كانوا يعيشون في غاليسيا، حضر أيضا كامينيف وشوتمان وإنيسا أرماند وترويانوفسكي وروزموفيتش وهانيكي، وعمال حزبيون آخرون، وكذلك جميع الأعضاء البلاشفة في الدوما ماعدا سامويلوف، الذي كان مريضا. تمت المصادقة في كونفرانس بورونينو على قرار بخصوص الصحافة الحزبية شكل انطلاقة جديدة:

    «يعترف الكونفرانس بالأهمية الهائلة للصحافة الشرعية من أجل التحريض والتنظيم الاشتراكيين الديمقراطيين، وبالتالي فإنه يدعو جميع المنظمات الحزبية وكل العمال الواعين طبقيا إلى تقديم دعمهم الكامل لها من خلال توزيع الجرائد على أوسع نطاق ممكن ومن خلال تنظيم المساهمات الجماعية والاشتراكات ودفع المستحقات بانتظام. ويؤكد الكونفرانس مرة أخرى أن المستحقات المذكورة هي مستحقات العضوية في الحزب.

    ينبغي إيلاء اهتمام خاص لتعزيز الجريدة العمالية الشرعية في موسكو والمسارعة إلى إصدار جريدة في الجنوب.

    يرغب المؤتمر في توثيق التعاون بين الجرائد الشرعية القائمة عن طريق تبادل المعلومات وعقد المؤتمرات المشتركة، وما إلى ذلك.

    إدراكا منه لأهمية وضرورة وجود جهاز ماركسي نظري، يطلب الكونفرانس من جرائد الحزب والنقابات العمالية أن تلفت انتباه العمال إلى مجلة بروسفيشتشيني (التنوير)، وأن تناشدهم بأن يشتركوا فيها بانتظام ويدعمونها بشكل منتظم.

    يثير الكونفرانس انتباه منظمات النشر الحزبية إلى ضرورة توزيع الكراريس الشعبية على نطاق أوسع لأجل التحريض والدعاية.

    في ضوء التطور الأخير للحركة الثورية وأهمية تحليلها بشكل كامل وبطريقة كاملة، وهو الشيء الذي من المستحيل القيام به في الصحافة الشرعية، يوجه الكونفرانس اهتماما خاصا إلى ضرورة توسيع نطاق منشوراتنا السرية ويوصي أنه بالإضافة إلى الكراريس والمنشورات غير القانونية، ينبغي إصدار جريدة حزبية مركزية غير قانونية بانتظام في أقرب وقت».[5]

كان تأثير البلاشفة ينمو أسرع بكثير من سرعة نمو عضوية الحزب الفعلية. تقول كروبسكايا في إحدى الرسائل:

«أثناء الكونفرانس كانت التقارير القادمة من المنظمات المحلية مثيرة للغاية. كان الجميع يقول إن الجماهير قد صارت ناضجة الآن... وخلال الانتخابات أصبح واضحا أن هناك منظمات عمالية تشكلت ذاتيا في كل مكان... كانت في أغلبها غير مرتبطة بالحزب، لكنها كانت تشتغل بروح الحزب».[4]

في ظل الظروف الجديدة، ومع وصول أعداد كبيرة من العمال الجدد إلى محيط الحزب، صار من الضروري إدخال تغييرات جذرية على طريقة التجنيد وفتح أبواب الانخراط أمام العمال. نرى هنا، مرة أخرى، مدى مرونة لينين فيما يتعلق بالمسائل التنظيمية. إن الحزب هو، في آخر المطاف، كائن حي يتغير ويكيف نفسه مع الظروف المتغيرة. وهكذا فإن لينين الذي جادل في عام 1903 ضد محاولة مارتوف تمييع الحزب عن طريق إلغاء التمييز بين العضو وبين المتعاطف، هو نفسه الذي صار ينادي الآن بتبني مقاربة مختلفة تماما، حيث دعا إلى اعتبار أي قارئ منتظم للبرافدا عضوا في الحزب (وأن الأموال المدفوعة بانتظام إلى البرافدا ينبغي أن تعتبر بمثابة "مستحقات العضوية في الحزب"). في الواقع لا يوجد أي تناقض بين الموقفين، إنهما يعكسان فقط التغير الذي حدث في الواقع الموضوعي، بالانتقال من حزب جنيني صغير نسبيا، يجب بالضرورة أن يكون له طابع حزب كوادر، إلى حزب عمالي جماهيري.

هوامش:

1: KPSS v. rezolyutsiakh, vol. 1, 302.

2: Badayev, Bolsheviks in the Tsarist Duma, 116.

3: Lenin, Collected Works, in Russian, vol. 24, 34.

4: Badayev, Bolsheviks in the Tsarist Duma, 120

5: Trotsky, Stalin, 149.