الولايات المتحدة الأمريكية: إعلان ترامب حول القدس يفضح الوجه الحقيقي للرأسمالية

يوم الأربعاء، 06 دجنبر 2017، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أنه سيعترف رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل. يكشف هذا عن الطابع الحقيقي لما يسمى بمحادثات السلام. وقال ترامب، في كلمة ألقاها في البيت الأبيض:

«لقد قررت أن الوقت قد حان للاعتراف رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وفي حين أن الرؤساء السابقين جعلوا من هذا وعدا كبيرا لحملتهم الانتخابية، فقد فشلوا في تحقيقه، واليوم أنا أنفذ. إن إعلاني اليوم يمثل بداية مقاربة جديدة للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين»

تسببت رسالة ترامب في إحداث رجة كبيرة في السياسة العالمية مع وقوف رؤساء أغلب الدول ضده. وحتى دمية الولايات المتحدة، رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، قالت بأن إعلان ترامب لا يساعد في التوصل إلى السلام في المنطقة. كما أدانت ألمانيا وفرنسا هذه الخطوة مما كشف عن اتساع الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا.

وما فتئت وسائل الإعلام الليبرالية في جميع أنحاء العالم تسكب دموع التماسيح على ما يسمى بمفاوضات السلام. لكن ترامب لم يكشف سوى ما كان دائما الحقيقة، وهي أنه لم تكن هناك أبدا أي مفاوضات سلام. هؤلاء السيدات والسادة "المحترمون" لم يؤيدوا أبدا الشعب الفلسطيني المضطهَد. وطيلة عقود دأبت القوى الغربية على دعم الحروب الدموية ضد الفلسطينيين وسياسة التوسع الإسرائيلية.

إسرائيل، التي تمتلك إحدى الأجهزة العسكرية الأكثر قوة وتقدما في العالم، شنت حروبا لا حصر لها ضد الجماهير الفلسطينية المحاصرة من جميع الجهات. وعلى مر العقود قتل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين في تلك الحروب. وقتل الكثيرون في أعمال العنف اليومية التي يرتكبها النظام الإسرائيلي.

وحسب الإحصاءات الرسمية، فمنذ اتفاق أوسلو عام 1993 فقط، تم اعتقال أكثر من 11.000 فلسطيني ونقل أكثر من 270.000 مستوطن إسرائيلي إلى الضفة الغربية. لا يمكن للرأسمالية الإسرائيلية أن تقبل بوجود فلسطين قوية ونابضة بالحياة، كما لا يمكنها أن توقف من سياستها التوسعية المكتوبة في حمضها النووي.

وخلال كل تلك الأحداث، قدم أصدقاؤنا الليبراليون "الديمقراطيون" دعمهم الضمني أو النشط للاعتداءات الإمبريالية الإسرائيلية. لم يكن هناك أي سلام، ولا أي حديث حقيقي حوله. كما شارك القادة الفلسطينيون و"قادة" العالم العربي في هذه المسرحية لسنوات، وهو ما يكشف أين تقع مصالحهم الحقيقية.

إن ما يفعله ترامب هو مجرد فضح هذا النفاق، فهو يزيل الحجاب الديموقراطي الذي تغطي الطبقة الحاكمة به كل همجيتها، ويزيل ورقة التين التي يتستر خلفها محمود عباس وقادة منظمة التحرير الفلسطينية منذ سنوات، كما أنه يكشف حقيقة الرأسمالية الدموية الوحشية. على قاعدة الرأسمالية لن يكون هناك أي اتفاق في إسرائيل وفلسطين.

إن السبب الرئيسي لإعلان ترامب هو محاولة استرضاء العناصر اليمينية الرجعية في الداخل الأمريكي، ويشير في الوقت نفسه إلى اختلافه مع سياسات أوباما في الشرق الأوسط، في محاولة منه لأن تكون سياسته أكثر حزما في دعم حلفاء الولايات المتحدة التقليديين. خاصة وأنه مع انتهاء الحرب الأهلية السورية أصبحت السعودية وإسرائيل أكثر قلقا من أي وقت مضى من النفوذ المتزايد باستمرار لإيران في المنطقة.

حاولت إسرائيل الابتعاد عن المستنقع السوري، لكنها صعّدت في الأسبوع الماضي من تدخلاتها بقصف قاعدة عسكرية إيرانية جنوب دمشق. كما قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدق طبول الحرب، أولا من خلال محاولة إثارة صراع في لبنان، ثم من خلال إقامة تحالف عسكري مع أكثر من 40 دولة، هدفه محاربة إيران.

في الأشهر القليلة الماضية أدى تقارب المصالح بين السعودية وإسرائيل إلى صدور أول إعلان عام عن دعمهما لبعضهما البعض. يجب النظر إلى إعلان ترامب في نفس السياق. وعلى الرغم من احتجاجهم العلني، فإن السعوديين يشحذون سكاكينهم، وهم مستعدون لطعن الشعب الفلسطيني في الظهر، كما كانت عادتهم دائما.

كما أن تصريح ترامب يعيد إلى السطح الكراهية العميقة تجاه الإمبريالية الأمريكية الموجودة في جميع أنحاء المنطقة. وهو يضعف نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها، في حين أن إيران ستشهد زيادة أكبر في نفوذها السياسي. وقد دعت حماس في غزة إلى انتفاضة جديدة، ومن المتوقع أن تحدث اشتباكات في جميع أنحاء المنطقة. لا يقتصر تصريح ترامب على فضح مهزلة محادثات السلام فحسب، بل يزيد أيضا التوتر بين الحكام والجماهير في المنطقة.

إن السبب الحقيقي لتدهور قوة كل من السعودية والولايات المتحدة في الشرق الأوسط يكمن في الأزمة العميقة للرأسمالية الأمريكية والعالمية. الولايات المتحدة عاجزة عن التدخل في الشرق الأوسط كما كانت تقوم في السابق. ومحاولة ترامب لإيجاد طريق للخروج من هذه الأزمة مثل محاولة رجل غارق في الرمال المتحركة، ولن تؤدي إلا إلى تسريع العملية التي تجري على الأرض. إن الحلقة الأضعف هي النظام السعودي نفسه، الغارق في شبكة من التناقضات المستعصية والذي يواجه معارضة داخلية متزايدة، ولن يؤدي سلوكه العدواني الجديد إلا إلى التسريع بانحطاطه.

هذا درس صعب لجماهير المنطقة. وطالما استمر مصيرهم في أيدي الطبقة الحاكمة والسياسيين المحترفين، فإنهم لن يروا إلا المزيد من إراقة الدماء التي يواجهونها اليوم. لم تؤد 25 عاما من "محادثات السلام" إلا إلى سحق الحركة الفلسطينية بشكل كامل. وبعيدا عن حل أي شيء، فإن القادة الفلسطينيين، بمساعدة الحكام في مصر والدول العربية الأخرى، يتصرفون بشكل متزايد كحراس سجن يقومون بالأعمال القذرة لصالح الإمبريالية الإسرائيلية ويستعبدون شعبهم. وحدها حركة ثورية في جميع أنحاء المنطقة، قائمة على أساس تحالف بين جميع المضطهَدين، ضد كل الحكام، من يمكنها أن تجلب نهاية لهذه المأساة.